2024-11-24 08:51 م

إسرائيل تواجه مأزقاً إقليمياً واستراتيجياً سيترك آثاره تداعياته على واقعها ومستقبلها

2018-08-20
علي حيدر
أدى صمود سوريا، بعد الاحتلال الاميركي للعراق، وصمود المقاومة بعد خروج الجيش السوري من لبنان، وفشل محاولات نزع سلاحها بأدوات داخلية لبنانية، الى نضوج قرار حرب العام 2006. المنعطف نفسه يتكرر بعد فشل الرهان على الجماعات الارهابية، وفي ظل محدودية فعالية الضربات العسكرية الاسرائيلية في الساحة السورية... لكن البيئة الاقليمية ومعادلات القوة من لبنان الى طهران اختلفت جذريا، وفعالية قوة ردع محور المقاومة باتت أكثر حضورا في واشنطن وتل ابيب. وبالنتيجة، الكيان الإسرائيلي أمام حدين أحلاهما مر: إما التكيف القهري بكل مخاطره المستقبلية، وإما المواجهة بكل عواقبها وتداعياتها الفورية.

لا تقتصر نتائج وتداعيات فشل الرهانات أو الخيارات، التي تنتهجها الأطراف، دولاً كانت أم منظمات... على عدم تحقيق الأهداف المؤملة، بل أيضاً على عدم العودة إلى ما كان عليه الوضع سابقاً. ونتيجة ذلك، عادة ما تنتج حالة جديدة تتسم بمعالم تختلف كلياً عن نقطة الانطلاق.
استناداً إلى هذا المفهوم، يمكن رصد الواقع الجديد الذي تشكّل في الساحة السورية، بعد تهاوي طموحات القوى الإقليمية والدولية التي أدارت الحرب ضد سوريا باعتبارها نقطة ارتكاز محور المقاومة. فإلى جانب عودة سيطرة الدولة السورية على معظم أراضيها حتى الآن، يواجه الكيان الإسرائيلي مشهداً سورياً وإقليمياً مغايراً لم يخطر على بال أي من أجهزة التخطيط والاستشراف والعمليات. بدءاً من تحول موسكو إلى البوابة الإلزامية لأي ترتيب سياسي وأمني في الساحة السورية، إلى التمركز الإيراني وحلفائه دعماً للدولة السورية، على أرض سوريا، في مواجهة أي تهديد إسرائيلي أو تكفيري، مروراً بتطور قدرات حزب الله الكمية والنوعية وكفاءاته القتالية. وهو ما وضع تل أبيب وواشنطن أمام تحدي الخيارات المضادة المجدية.
تحول الجيش الروسي إلى طرف أساسي في البيئة الإقليمية ـــــ السورية، وبات لزاماً على الكيان الإسرائيلي أن يتعامل مع هذا المستجد السياسي العسكري الإستراتيجي كحقيقة ثابتة. هذا المستجد، ينطوي من منظور إسرائيلي على تهديدات وفرص في آن. لكنه في المجمل، يؤشر أيضاً إلى تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة من دون أن يتعارض ذلك مع حقيقة كون الولايات المتحدة، بمعايير محددة، ما زالت الدولة العظمى الأولى في العالم.


ينبع التهديد الكامن في الوجود الروسي على أرض سوريا من المصالح المشتركة الواسعة التي تجمعه مع محور المقاومة، وهو ما ساهم حتى الآن في تبديد الرهانات الإسرائيلية للحد من مفاعيل الانتصار السوري على معادلات الصراع مع إسرائيل. وتنبع الفرص من وجود مساحة من التباينات بين الطرفين (الروسي ومحور المقاومة)، تتصل بالموقف من إسرائيل، خصوصاً أن ثمة قراراً ثنائياً بتعزيز العلاقات الروسية ـــــ الإسرائيلية... وما يفترض أن يترتب على ذلك من أداء سياسي وعملياتي.
بالإجمال، تعتبر روسيا طرفاً أساسياً يؤثر في أداء ونشاط كافة الأطراف، على تفاوت، ويمكن لها أن تؤدي دوراً ضابطاً في أي مواجهة تنشب مع إسرائيل.
ترى تل أبيب أن إيران وحلفاءها المباشرين باتوا أيضاً جزءاً من المشهد السوري، وهو ما لم يخطر على بال أي من المسؤولين والأجهزة الإسرائيلية ذات الصلة.
واستناداً إلى مخاوف وتقديرات للمسارات اللاحقة، أعلنت تل أبيب رسمياً أن هدفها الأول هو إخراج إيران وحلفائها من سوريا، ولهذه الغاية، تخوض حملة دبلوماسية وسياسية مع عواصم القرار الدولي، وتواصل شن ضربات عسكرية محدَّدة ومحدودة ومدروسة توزعت في مختلف الأراضي السورية.
المستجد الذي يؤرق إسرائيل، أنه بدلاً من أن يتم إسقاط سوريا ومن ثم القضاء على حزب الله، أو استنزافه وإضعافه وتقييده بعدما تدخل عسكرياً في مواجهة الجماعات الإرهابية والتكفيرية، بات حزب الله باعتراف كبار القادة العسكريين والسياسيين أكثر قوة وخبرة وتطوراً حتى تحول إلى قوة إقليمية تشكل سداً ردعياً بمواجهة الدور الوظيفي الإقليمي لإسرائيل.
إلى ذلك، يشكل التواصل البري بين لبنان وسوريا عبر الحدود العراقية مع إيران، أحد المستجدات التي تتخوف تل أبيب من مفاعيلها بل تراها معبراً لتهديدات استراتيجية لا تستطيع ضبطها. ولذلك تبنت الولايات المتحدة الموقف الإسرائيلي لجهة عدم وصول الجيش السوري وحلفائه إلى الحدود مع العراق، لكنها عادت وانكفأت تفادياً لصدام مباشر مع محور المقاومة الذي كان حازماً في قراره بالتواصل البري مع العراق. مع ذلك، ما زالت هذه القضية على رأس جدول اهتمامات تل أبيب، التي قدمته كطلب رسمي للوفد الروسي الذي زار تل أبيب قبل أكثر من أسبوعين، وضم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف، بإغلاق المعابر بين العراق وسوريا وبين سوريا ولبنان لمنع تدفق الأسلحة من إيران، كما لو أن الإسرائيلي هو الطرف المنتصر في المعركة التي شهدتها سوريا! وهو ما عكس قدراً من المكابرة وصعوبة التسليم بالوقائع، وفي الوقت نفسه كشفت تل أبيب مطالبها ومخاوفها الاستراتيجية من مستقبل الوضع على الساحة السورية.
كل ذلك تم ويتم إلى جانب تعزيز موقع إيران الاستراتيجي، بفعل الانتصارات التي حققها حلفاؤها في العراق وسوريا ولبنان، وبعد فك الحصار الاقتصادي الدولي، من خلال الاتفاق النووي... وتزامن ذلك، مع تطور نوعي ملحوظ في القدرات الصاروخية الإيرانية التي تزود بها حلفاءها في لبنان وسوريا.. الأمر الذي فاقم من إدراك إسرائيل للأخطار الكبرى التي تنتظرها في المستقبل القريب، أقله تقييد دورها الوظيفي في المنطقة، وصولاً إلى تعزيز العمق الاستراتيجي والحاضنة الإقليمية للمقاومة في فلسطين.
بين حرب 2006، وما بعد انتصار سوريا
عبّر انسحاب الاحتلال الأميركي من العراق عن فشل الولايات المتحدة في تحقيق ما كانت تطمح إليه في الساحتين العراقية والإقليمية، بعدما تحوّل العراق إلى مستنقع استنزف الجيش الأميركي، وزاد الطين بلة فشل إسرائيل في حرب عام 2006، وما ترتب على ذلك من معادلات ردعية إقليمية، وصولاً إلى إنتاج واقع إقليمي فرض على الولايات المتحدة البحث عن خيارات مضادة بديلة لمحاولة احتواء نتائج هذه الانتصارات وتداعياتها، وتفادياً لإنتاج وتكريس واقع إقليمي متحرر من الهيمنة الأميركية وبمضمون معاد لإسرائيل... وهي خطوة تقليدية متوقعة انطلاقاً من كون الولايات المتحدة لن تسلم بهذه الهزيمة أو بترك المنطقة لشعوبها وأعدائها، فضلاً عن الأخطار التي يمكن أن تحدق بالأمن القومي الإسرائيلي.
في هذا السياق، ساهمت مجموعة من العوامل الموضوعية في نجاح الولايات المتحدة واتباعها في نقل المعركة إلى الداخل السوري... أما اليوم، وبعد سبع سنوات من الحرب، فقد فشل الرهان الأميركي ـــــ الإسرائيلي، على إنتاج شرق أوسط تابع عبر البوابة السورية، تكون فيه الكلمة الأولى للولايات المتحدة وأتباعها في المنطقة. عادت مروحة الخيارات البديلة المضادة على طاولة القرار في تل أبيب، ومعها واشنطن، تفادياً لتكريس الواقع الذي أوردنا بعض معالمه الأساسية.
في أعقاب صمود سوريا، بعد الاحتلال الأميركي في العراق، وصمود المقاومة بعد خروج الجيش السوري من لبنان، وفشل محاولات نزع سلاحها تحت ضغط التهويل الدولي وبأدوات داخلية لبنانية، كان لا بد من اللجوء إلى ما كان يفترض أنها الورقة الأقوى لتنفيذ المهمة الأميركية لسحق حزب الله، وتعبيد الطريق أمام المخطط الأميركي... فكانت حرب عام 2006. في المقابل، ما هي الخيارات الأميركية - الإسرائيلية المضادة، في أعقاب فشل الرهان على الجماعات الإرهابية والتكفيرية، وبعد فشل الضربات العسكرية الإسرائيلية في تحقيق الأهداف المؤملة منها، وبعد فشل محاولات التهويل الأميركي، والرهان على دور روسي ضاغط... الذي يعني إسرائيلياً تكريس وتنمية الواقع الإقليمي الذي انتجته الانتصارات في العراق وسوريا؟
تبدأ مروحة الخيارات من التسليم والتكيف القهري مع المشهد السوري بكل العناصر التي يتشكل منها... وصولاً إلى خوض مواجهة عسكرية واسعة. لكن المشكلة أن لكل من السيناريوين تداعياته الاستراتيجية على الأمن القومي الإسرائيلي، الأمر الذي يعمِّق لدى إسرائيل مأزق إنتاج الخيار المجدي، والسبب أن الأول (التسليم والتكيف القهري)، يعني تسارع تعاظم وتعزيز السد الردعي الإقليمي في مواجهة إسرائيل والمعسكر الغربي. والثاني (المواجهة العسكرية) يعني إمكان نشوب حرب تستهدف العمق الاستراتيجي بما لم تشهده منذ تأسيس الكيان عام 1948، وهو ما تبين أن العدو يسعى إلى تجنبه في كل المحطات السابقة. فضلاً عن أنه لا يوجد لدى إسرائيل ما يضمن لها تحقيق الأهداف السياسية من وراء هذه المواجهة.
تؤكد المواقف والشعارات والخيارات العدوانية التي تنتهجها إسرائيل في سوريا، على أنها تواجه مأزقاً إقليمياً واستراتيجياً سيترك آثاره وتداعياته على واقعها ومستقبلها، فضلاً عن واقع ومستقبل المنطقة. وأن انقلاب الولايات المتحدة على الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة فرض عقوبات عليها بهدف تحريض الشعب الإيراني على نظامه الإسلامي، يشكل أحد أهم مرتكزات الخيار الأميركي – الإسرائيلي المضاد، الذي يهدف إلى نقل المعركة إلى الداخل الإيراني. مع ذلك، هذا الخيار لديه ما يوازيه من خيارات في كل ساحات محور المقاومة، وهي خيارات ستشكل بداية مرحلة جديدة في الصراع، من أهم مزاياها دخول تل أبيب وواشنطن في شكل مباشر كأطراف مباشرين. لكن أطراف محور المقاومة ترى في ذلك الكثير من المزايا، التي تعزز ثقتها بالقدرة على الصمود وتحقيق النصر في أعقاب هزيمة أخطر التهديدات التي شهدتها ساحات العراق وسوريا ولبنان.
الاخبار اللبنانية