2024-11-25 07:44 م

«الحزام والطريق».. ممر الصين نحو الشرق الأوسط

2018-08-11
الشهر الماضي، قام الرئيس الصيني شي جين بينج بزيارة الإمارات لمدة ثلاثة أيام، في ثاني رحلة له للشرق الأوسط بعد زيارة السعودية وإيران ومصر في يناير 2016. وكانت النتيجة الأكثر أهمية لهذه الزيارة ارتفاع العلاقة الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة على أعلى مستوى للعلاقات الدبلوماسية في الصين. صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أشارت إلى أن هذه الزيارة ترمز إلى اعتراف بكين بدور الإمارات كعنصر فاعل ورئيسي في شؤون الشرق الأوسط، فضلًا عن الدور الذي من المتوقع أن تلعبه في مبادرة "الحزام والطريق". وأضافت أن أهمية زيارة الرئيس الصيني تكمن في أنها تأتي في أعقاب الاجتماع الوزاري السابع لمنتدى التعاون الصيني - العربي في بكين، حيث يضع هذا الاجتماع، الذي يعقد كل عامين، الخطوط العريضة لسياسة الصين في الشرق الأوسط. وفي اجتماع هذا العام، أعلنت الصين عن حزمة تمويل ومساعدات يبلغ مجموعها 23 مليار دولار، تربط بين الاستقرار في الشرق الأوسط بمبادرة "الحزام والطريق" الطموحة. وفي كلمته الافتتاحية للمنتدى، قال الرئيس الصيني: إن "الدول العربية تعد شريكا طبيعيا في مبادرة (الحزام والطريق)"، ودعا إلى التعاون من أجل التوصل إلى وضع آمن شامل ومستدام". ويشير هذا الالتزام إلى توجه صيني نشط على نحو متزايد في شؤون الشرق الأوسط، حيث تأتي أكثر من 50% من واردات النفط الصينية من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
لكن الصحيفة الأمريكية أكدت أن الطاقة ليست سوى جزء من القصة، حيث تعد مبادرة "الحزام والطريق"، دعامة السياسة الخارجية الصينية المنصوص عليها في دستور الحزب الشيوعي الصيني هذا العام، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بإدارة "شي". وتهدف المبادرة، وهي مجموعة من مشاريع التجارة والبنية التحتية البحرية والبرية، إلى ربط الصين بالدول عبر منطقة أوراسيا وقارة إفريقيا.

وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مركزًا جغرافيًا حيويًا يربط العديد من المناطق الأوروآسيوية، ومن ثم فهي حاسمة لنجاح مبادرة "الحزام والطريق". وفي مساعيها للمساهمة في استقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ركزت الصين على التنمية بدلًا من الاعتماد على الحلول السياسية أو العسكرية. وقد أوضح ممثل الصين الدائم لدى منتدى التعاون الصيني - العربي، السفير لي تشينج ون، هذه النقطة، قائلاً: إن "المشكلات الجذرية في الشرق الأوسط تكمن في التنمية، والحل الوحيد هو الاعتماد على التطوير أيضًا". ويعد التواجد العسكري الصيني في المنطقة ضئيلا للغاية، وتشمل زيارات القطع البحرية للموانئ العربية، وعمليات حفظ السلام ومبيعات الأسلحة الصغيرة نسبيا والتدريبات العسكرية المشتركة. هذا، بالإضافة إلى نهجها في عدم التدخل في السياسة الداخلية للدول الأخرى، وهو ما يجعل نموذج الصين جذابًا للزعماء العرب الذين اعتادوا طويلًا على دعوات الإصلاح السياسي الخارجية.
ومن السمات الأخرى لنهج الصين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دبلوماسيتها في الشراكة، فعلى العكس من الولايات المتحدة، لا تقوم الصين بتطوير علاقات تحالف مع الدول الأخرى، حيث تعتبرها عملية مكلفة ومحفوفة بالمخاطر. وبدلًا من ذلك، تستخدم مجموعة محددة من الشراكات الاستراتيجية، حيث يشير كل مستوى من الشراكة إلى الأهمية التي تضعها بكين على العلاقة مع تلك الدولة المعينة. ويعد أعلى مستوى في هذه العلاقات، هو الشراكة الاستراتيجية الشاملة، التي تنطوي على تعاون متعدد الأوجه في الشؤون الثنائية والإقليمية والدولية، مع الدول التي تعتبرها الصين شركاء دبلوماسيين واقتصاديين رئيسيين. ففي رحلته لعام 2016، وقع شي شراكات مماثلة مع السعودية ومصر وإيران، أقوى دول الشرق الأوسط، ويعد حصول الإمارات على هذا التصنيف، تأكيد على أن الصين تعتبر الإمارات قوة هامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن الجانب الاقتصادي لم يكن غائبًا عن هذه الزيارة، حيث بلغت قيمة التجارة الثنائية بين الصين والإمارات نحو 53 مليار دولار في عام 2017، مما يجعلها ثاني أكبر شريك تجاري لبكين، في الشرق الأوسط بعد السعودية، ويحتضن ميناء جبل علي في دبي المقرات الإقليمية لأكثر من 230 شركة صينية تعمل في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كما ارتفع عدد الصينيين في الإمارات إلى أكثر من 200 ألف هذا العام، مقابل نحو 30 ألف في عام 2006، مع وجود أكثر من 4 آلاف شركة صينية تعمل في الإمارات. هذه العلاقة الاقتصادية، إلى جانب البنية التحتية القوية في الإمارات، تجعل منها مركزًا جذابًا لمشاريع مبادرة "الحزام والطريق".

وقد وفرت العلاقات التجارية أساسًَا لزيادة التعاون في المجالات الأخرى، وهو ما انعكس في البيان المشترك الذي تعهدت فيها الدولتان بالتعاون في 10 مجالات، بما في ذلك السياسة والشؤون الثقافية، كما برز التعاون الأمني