تجاوز عدد سكان أستراليا 25 مليون نسمة، ما يعني أنه يسبق توقعات حكومية تم تقديمها قبل 20 عاما، بما يقارب ثلاثة عقود، بسبب نمو قوي في معدل الهجرة.
معدل الهجرة المرتفع – يصل شخص واحد ليعيش في أستراليا كل دقيقة – ساعد الاقتصاد في تسجيل نمو قياسي لم يصل إليه منذ 27 عاما دون حصول ركود، وجعل البلد يبدو واحدا من البلدان الأكثر تعددية من الناحية الثقافية في العالم المتقدم. لكنه يثير مخاوف عامة تتعلق بالضغط المفروض على الإسكان وغيره من البنى التحتية، إضافة إلى ادعاءات مثيرة للجدل تشير إلى أن أستراليا تنجرف نحو "أنموذج انفصالي أوروبي متعدد الثقافات".
قال ألان تادج، وزير شؤون التعددية الثقافية في أستراليا، للإذاعة الأسترالية يوم الثلاثاء: "أصبح لدينا عدد أكبر من أي وقت مضى من السكان الذين لا يتكلمون اللغة الإنجليزية وغالبا ما يترافق هذا مع تركيز مرتفع لأعداد السكان المولودين في الخارج. عندها سيكون لديك تباطؤ في التكامل".
وذكر أن الحكومة تعكف على مراجعة ما إذا كانت تريد إدخال شروط على تأشيرات بعض المهاجرين لإرغامهم على العيش خارج سيدني وميلبورن، اللتين اجتذبتا ما يقارب 90 في المائة من الوافدين الجدد ذوي الإقامة الدائمة.
وكانت التغييرات على شروط الهجرة قد خفضت من الهجرة الدائمة وجعلتها تتراجع إلى 162 ألف شخص العام الماضي – أدنى مستوى لها خلال عقد – ومن المتوقع أن ينخفض معدل الهجرة المؤقتة هذا العام، بحسب ما قال تادج.
وتتزامن المراجعة مع نقاش يتعلق بتأثير الهجرة على القيم الأسترالية والتماسك الاجتماعي. قال بيتر داتون، وزير الشؤون الداخلية لأستراليا، أخيرا إن سكان ميلبورن "خائفون جدا من الخروج إلى المطاعم" بسبب "عنف العصابات الإفريقية". وفي الأسبوع الماضي حذرت مقالة بعنوان "الغزو الأجنبي"، نشرتها صحيفة تابعة لمجموعة نيوز كورب، من "موجة مدية" من المهاجرين الذين يجتاحون المنطقة والذين يهددون الهوية الوطنية للبلاد.
الادعاءات التي تفيد بأن الأستراليين يواجهون انهيارا في التماسك الاجتماعي يعترض عليها بشكل حاسم سياسيون معارضون ومجتمعات المهاجرين، الذين يتهمون الحكومة ووسائل الإعلام بأنها تلعب "بطاقة العرق" من أجل كسب أصوات الناخبين وتعزيز التصنيفات. ويقولون إن نظام الهجرة الانتقائي للغاية القائم على المهارات في أستراليا هو نعمة للاقتصاد وقد حقق التكامل نجاحا.
قال تيم ساوتفوماساني، مفوض التمييز العنصري في أستراليا، لـ "فاينانشيال تايمز": "لم يكن هناك قط وقت أكثر إثارة ليكون الشخص سياسيا يلقي الخطابات الرنانة أو معلقا يثير النعرات في أستراليا".
ولاحظ ساوتفوماساني عدم وجود أدلة كافية تدعم الادعاءات التي مفادها أن أستراليا متوجهة نحو "أنموذج انفصالي ذي طراز أوروبي للتعددية الثقافية"، ما يعني السماح بالهجرة لكن الوافدين الجدد لا يجري إدماجهم. وأضاف أن المهاجرين يحصلون على مستوى تعليم أفضل ونتائج عمالة أفضل من المقيمين المولودين في أستراليا. كما لا توجد أدلة تشير إلى أن مجموعة عرقية واحدة تسيطر على ضواحي معينة في ميلبورن أو سيدني، مشيرا إلى أن تلك الأماكن تتسم بالتنوع وقد ارتفعت أسعار العقارات خلال السنوات الأخيرة – لم تكن مناطق مغلقة.
وأظهر تعداد سكاني عام 2016 أن أستراليا واحدة من البلدان الأكثر تعددية من الناحية الثقافية في العالم المتقدم مع كون أكثر من ربع المقيمين من المولودين في الخارج – أكثر من ضعف المعدل في كل من المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة. وللمرة الأولى كان معظم المقيمين الأستراليين من المولودين في الخارج من آسيا، وليس من أوروبا – وهي علامة على نمو الهجرة الصينية والهندية.
في عام 1998 كانت التوقعات متوسطة المدى الواردة من مكتب الإحصاءات الأسترالي تشير إلى أن عدد السكان في أستراليا سيصل إلى 25 مليون نسمة في عام 2051. لكن صافي الهجرة الأقوى من التوقعات، الذي يدفعه النمو الاقتصادي السريع على مدى العقدين الماضيين، أرغم مكتب الإحصاءات على تقديم الموعد المستهدف بشكل تدريجي. ويتوقع المكتب الآن أن يصل عدد سكان أستراليا إلى نطاق يراوح بين 36.8 مليون نسمة و48.3 مليون نسمة في عام 2061.
قالت ليز ألان، المختصة في علم السكان في الجامعة الوطنية الأسترالية، إن نمو عدد السكان يفرض ضغوطا على الخدمات في سيدني وميلبورن لكن هذه الضغوط هي علامة على إخفاقات في السياسة والتخطيط، اللذين فشلا في مواكبة احتياجات المجتمع المحلي. وحذرت من أن أي تخفيضات سريعة في الهجرة من شأنها أن تؤذي الاقتصاد، الذي هو بحاجة لاجتذاب المهاجرين المهرة ليبقى قادرا على المنافسة.
وأظهرت بحوث أجراها شاول إيسليك، الخبير الاقتصادي والزميل في جامعة تسمانيا، أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في أستراليا توسع بمعدل سنوي متوسط 3.2 في المائة منذ الركود الأخير الذي تعرض له في عام 1991 – نصف ذلك تقريبا كان يعزى إلى النمو السكاني. لكنه قال إن بعض النتائج المترتبة على ارتفاع معدل الهجرة إلى استراليا – توافر السكن الميسور والازدحام المروري – لم يتم التصدي لها في الإحصائيات المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي.
وقال إيلسيك: "أعتقد سيكون من المؤسف أن نضطر إلى التخلي عن المنافع التي جلبها لنا برنامج الهجرة المتبع في البلاد، ويمكنه مواصلة تحقيقها، لأننا لم نعد قادرين على تقديم خدمات إسكانية أفضل وتخطيط أفضل للبنى التحتية، وهو أمر كنا قادرين تماما على إنجازه قبل 50 أو 60 عاما".