2024-11-25 09:38 م

تجسيد العلاقات الإسرائيلية - الأمريكية فى التطورات الأخيرة فى الأمم المتحدة

2018-08-11
جسدت ثلاثة تطورات حدثت فى الأمم المتحدة أخيرا، مرة أخرى وبصورة جلية، القيمة الكبرى للعلاقات المميزة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وبصورة خاصة مع الإدارة الحالية فى البيت الأبيض. لكن، اتضحت فى المقابل أيضا محدوديات هذا الحلف. فإلى جانب الأفضليات الواضحة (وخصوصا فى مجلس الأمن)، يتعين على إسرائيل دراسة السيناريوهات التى لا تساعد هذه العلاقات المميزة فى إطارها على دفع مصالحها قدما أو التى ليس فى وسعها تحقيق ذلك، والاستعداد لتقليص الضرر المحتمل على مكانتها فى مؤسسات الأمم المتحدة وفى المجتمع الدولى، وذلك بواسطة تعزيز العمل الدبلوماسى وتنمية علاقات صداقة بناءة مع الدول الأوروبية ودول أخرى. 
شهدت الأمم المتحدة، خلال الأسابيع الأخيرة، نشاطا واسعا وديناميا فى قضايا تتعلق بإسرائيل، ويبدو أن الولايات المتحدة تحاول تقليص الضرر قدر المستطاع. فى هذا التحليل الذى يشمل ثلاثة تطورات مختلفة شهدتها هذه الحلبة أخيرا، يجرى التشديد على القوة والأهمية، لكن أيضا على العقبات المحتملة التى تواجه إسرائيل فى إطار علاقتها الثنائية المميزة بالولايات المتحدة.
التطور الأول: نشاط الولايات المتحدة فى مجلس الأمن الدولى، وفى الهيئة العامة للأمم المتحدة، الرامى إلى الدفاع عن إسرائيل فى وجه النقد الدولى الذى تتعرض له على خلفية أدائها على الحدود مع قطاع غزة. فى مطلع يونيو الماضى، فى أعقاب أحداث «مسيرة العودة»، طرحت دولة الكويت على جدول أعمال مجلس الأمن الدولى مشروع قرار يقضى بالنظر فى اتخاذ «خطوات لضمان أمن الفلسطينيين» والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير عن إجراءات عملية لإنشاء «نظام حماية دولى» محتمل. وعلى الرغم من امتناع أربع دول (بريطانيا، هولندا، بولندا وإثيوبيا) عن التصويت، كان من المرجح اعتماد القرار لولا استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو. كانت تلك المرة الثانية خلال ستة أشهر التى تجسد فيها إدارة ترامب استعداد الولايات المتحدة لاستخدام حق الفيتو ضد قرارات تتعلق بإسرائيل فى مجلس الأمن. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قبل استخدام إدارة ترامب حق الفيتو فى قضية تخص إسرائيل لأول مرة، فى ديسمبر 2017، كانت المرة الأخيرة التى اتخذت فيها الولايات المتحدة خطوة كهذه فى سنة 2011. على خلفية هذه المساعى حاولت الولايات المتحدة دفع مجلس الأمن الدولى إلى اعتماد قرار يندد بحركتى «حماس» والجهاد الإسلامى، غير أن مسودة القرار لم تحظَ بالتأييد، فى إثر معارضتها من جانب ثلاث دول من أعضاء المجلس وامتناع 11 دولة أخرى.
أما التطور الثانى: الذى حدث فى الأمم المتحدة أخيرا فكان قرار الولايات المتحدة الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان. من وجهة النظر الأمريكية، يأتى الانسحاب الفعلى بعد سنة واحدة من إعلان إدارة ترامب الصريح عزمها على القيام بذلك إذا لم يُجر مجلس حقوق الإنسان تغييرا فى أدائه، وكذلك على خلفية النقد الذى وجهه هذا المجلس لسياسة إدارة ترامب فى قضايا الهجرة. وتنسجم هذه الخطوة تماما مع النهج الذى تقوده الإدارة الأمريكية الحالية تحت شعار «أمريكا أولا» ومع الانسحاب الأمريكى من اتفاقية باريس للمناخ من اليونسكو، ومن الاتفاق النووى مع إيران أخيرا.
أما التطور الثالث: فكان إعلان انسحاب إسرائيل من المنافسة لانتخاب الأعضاء الجدد فى مجلس الأمن الدولى، والذى جرى فى شهر يونيو الماضى. فالمقاعد فى هذه الهيئة المرموقة المهمة يجرى تخصيصها وفق مفتاح مجموعات إقليمية، يُخصَص اثنان منها لمجموعة دول WEOG «أوروبا الغربية ودول أُخرى» ويجرى انتخابهما مرة كل سنتين. وبفضل الدبلوماسية الأمريكية والجهود الكبيرة التى بذلها سفير الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة ريتشارد هولبروك عشية بدء القرن الجديد، فى سنة 2000، تم قبول إسرائيل عضوية هذه المجموعة من الدول.
مع أنه لا يتوفر أى توثيق رسمى لما سيلى، إلا أنه مع قبول إسرائيل فى مجموعة دول WEOG، تم تحديد سنة 2018 (أى، بعد نحو عقدين من الزمن من ذلك الوقت) بأنها السنة التى سوف تمثل فيه إسرائيل (إلى جانب بلجيكا) مجموعة الدول هذه فى عضوية مجلس الأمن الدولى. وثمة تأكيد لهذه الفكرة فى التقارير التى أعقبت انتخابات مجلس الأمن فى سنة 2016، والتى تشير إلى أن إسرائيل قد لمحت إلى نيتها خوض المنافسة فى الجولة المقبلة. ويجدر التنويه هنا إلى أن تقليد تخصيص المقاعد من قبل وبين الدول فى مجموعة معينة (خلافا للمنافسة على المقاعد فى الانتخابات) ليس استثناء، بل هو تقليد متبع يضمن فوز كل دولة من المجموعة بعضوية المجلس بصورة دورية.
أبرزت التقارير الإعلامية أن من أسباب سحب إسرائيل ترشيحها لعضوية مجلس الأمن الدولى قرار ألمانيا، فى اللحظة الأخيرة، خوض المنافسة، وهو ما جعل فرص انتخاب إسرائيل تؤول إلى الصفر. يمكننا اقتراح تفسيرين قد يجيبان عن السؤال عن سبب قرار ألمانيا المفاجئ خوض المنافسة على مقعد فى مجلس الأمن على حساب إسرائيل، على الرغم من أنها ستصبح بعد الانتخابات عضوا فى مجلس الأمن الدولى للمرة السادسة، وعلى الرغم من اتفاقيات سابقة وإن لم تكن رسمية، قضت بألا تخوض المنافسة فى مقابل إسرائيل. التفسير الأول متجذر فى منهج الواقعية السياسية: احتمال تنازل دولة ما طوعيا عن قوة وتأثير فى الحلبة الدولية، حتى وإن كانت قد عبرت عن استعدادها لذلك بصورة غير رسمية قبل عقدين من الزمن، هو احتمال ضئيل جدا. لكن التفسير البديل يقول إن ألمانيا أرادت بذلك التعبير عن احتجاجها على الحلف الوثيق بين إسرائيل وإدارة ترامب فى قضايا مختلفة، فى مقدمتها انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى مع إيران. بمعنى آخر، قد يكون قرار ألمانيا منع إسرائيل من الفوز بمقعد فى مجلس الأمن الدولى من دون منافسة ردة فعل على المعارضة الشديدة التى أبدتها إسرائيل للاتفاق النووى مع إيران وعلى محاولات إسرائيل العلنية حث الرئيس ترامب على الانسحاب منه، وهو ما اعتبرته ألمانيا مسعى ناشطا ضد المصلحة الأوروبية.
عند ربط هذه التطورات الثلاثة فى الأمم المتحدة معا ــ وجميعها حدثت فى الأسابيع الأخيرة ــ يظهر تجسيد جلى للثروة الاستراتيجية التى تمنحها العلاقات المميزة للإدارة الأمريكية الحالية بدولة إسرائيل، إلى جانب محدوديات هذا الحلف. فإلى جانب الأفضليات الواضحة (وبصورة خاصة فى مجلس الأمن الدولى)، يتعين على إسرائيل النظر فى سيناريوهات لا تساعد هذه العلاقات المميزة فى إطارها على دفع مصالحها قدما، أو التى ليس فى وسعها تحقيق ذلك، ثم الاستعداد لتقليص الضرر المحتمل على مكانتها فى مؤسسات الأمم المتحدة وفى المجتمع الدولى، بواسطة تعزيز العمل الدبلوماسى وتنمية علاقات صداقة بناءة مع الدول الأوروبية ودول أُخرى.

ميخال حطوئيل
باحث فى معهد دراسات الأمن القومى