2024-11-27 10:42 م

إسرائيل لا تعتبر «داعش» تهديداً أمنياً

2018-08-11
يمثل قصف إسرائيل، في 25 يوليو والثاني من أغسطس 2018، مجموعات ومواقع تابعة لتنظيم «داعش» في جنوب سورية تحولاً في العلاقة بين الطرفين تنسجم مع التفاهمات الأمنية الإسرائيلية الروسية التي تهدف إلى العودة بالوضع الحدودي المشترك إلى ما قبل اندلاع الصراع السوري في عام 2011، ما يقتضي تضييق الخناق على بقايا التنظيم في جنوب سورية، الذي تواجه مجموعاته المحلية، ويتمثل أبرزها في «جيش خالد بن الوليد»، تحدي البقاء في مواجهة الضربات المكثفة التي تتعرض لها داخلياً وخارجياً، بالتوازي مع تراجع قدرتها على الاستمرار في خوض مواجهات مفتوحة وعلى جبهات متعددة.

ويمكن التمييز بين مرحلتين في العلاقة بين إسرائيل وتنظيم «داعش»: الأولى، هي مرحلة التعايش، وبدأت مع تأسيس ما يسمى بـ«جيش خالد بن الوليد» كفرع محلي للتنظيم في درعا، وخوضه صراعات طويلة ومعقدة مع «الجيش السوري الحر» و«جبهة النصرة» حتى تكون بشكله الحالي. ولم تشهد تلك المرحلة أزمات في العلاقة بين إسرائيل والتنظيم باستثناء اشتباكات نادرة ومحدودة كان أبرزها في نوفمبر 2016 ويونيو 2017.

لكن الاستراتيجية العامة للتنظيم نحت بعيداً عن الاشتباك، في إطار حرصه على تحييد العلاقة مع تل أبيب، على نحو عكسه المتحدث باسم «كتائب شهداء اليرموك»، المكون الرئيس لـ«جيش خالد بن الوليد»، في عام 2014 بتأكيده أن التنظيم «ليس على خلاف مع إسرائيل».

واللافت في هذا السياق، أن إسرائيل تبنت الاستراتيجية ذاتها، بشكلٍ أو بآخر، في التعامل مع التنظيم. وتشير أغلب التقديرات والتقارير الإسرائيلية، ومنها تقرير لمركز روبين في عام 2017، إلى أن العلاقة بين الطرفين لم تشهد أي إخلال بالأمن. والمتصور أن الاستراتيجية الإسرائيلية في تلك المرحلة انحصرت بين المراقبة والتوظيف.

والثانية، مرحلة الصدام، وبدأت مع تغير توازنات القوى في الجنوب لصالح النظام السوري وحلفائه بدعم روسي، حيث غيرت إسرائيل حساباتها وأصبحت تعتبر أن وجود أي ميليشيات في المنطقة العازلة مع سورية يشكل تهديداً أمنياً لها.

في المقابل، بدأت مجموعات «داعش» في تبني اتجاه معاكس في مواجهة الأطراف المنخرطة في تلك الترتيبات وفي مقدمتها إسرائيل، حيث تدرك أن تلاقي مصالح تلك الأطراف على استعادة الأوضاع إلى ما قبل الصراع يعنى إنهاء وجودها بالتبعية.

وفى حين يصعب التعرف بدقة إلى هوية الطرف الذي يبادر باستهداف الآخر، فإن الوقائع تشير إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد تبادل جولات المواجهة، لكن من المؤكد أن هناك تنسيقاً روسياً إسرائيلياً ضد «داعش»، حيث كان الجيش السوري يتقدم في حوض اليرموك، في الوقت الذي كانت إسرائيل تستهدف مواقع «داعش» بضربات جوية.

ويمكن القول إن «داعش» يخوض آخر معاركه تقريباً بشكل مشتت وعلى جبهات متعددة، في المثلث الحدودي، عبر محاولات اختراق الحدود السورية الأردنية، والسورية الإسرائيلية، لكنه في الوقت ذاته يركز معاركه في السويداء في مواجهة النظام، ومن خلال احتجاز رهائن من المدنيين سعياً للإفراج عن معتقليه لدى الأخير.

ويسعى التنظيم إلى لفت الانتباه من خلال القيام بعمليات انتحارية أو اختراق الحدود بأعداد محدودة، إلا أن إعلان النظام السوري وموسكو عن نجاح الأول في استعادة حوض اليرموك ونشر قواته يؤكد تراجع التنظيم في تلك المواقع.

وفي السياق ذاته، لم تعد هناك فرص لدى «داعش» للعودة إلى مواقعه السابقة في حوض اليرموك. كما أنه قد يواجه المصير الصعب في حالة ما إذا عاد إلى خيار الانتقال إلى إدلب، وجهة النظام التالية وفقاً لما أعلنه بشار الأسد. ومع عملية الانتشار الأمني الحدودي في المنطقة العازلة من خلال القوات الروسية وقوات الأمم المتحدة «اندوف» التي عادت إلى مراقبة الحدود بعد غياب دام أربعة أعوام، ستكون هناك صعوبة في أن يشكل التنظيم تهديداً لإسرائيل، لكن من دون استبعاد هذا الاحتمال نهائياً، حيث لاتزال هناك شكوك في وجود خلايا «داعشية» نائمة.

لكن يبدو أن التنظيم فقد قدرته على المواجهة وأصبح يصارع البقاء، في ظل تقلص مساحة سيطرته إلى ما يقترب من النصف في معركة اليرموك. كما أن مناورته في عملية السويداء قد لا تشكل عامل إنقاذ، وإن كانت تلك المعركة خارج الحسابات الإسرائيلية.

في النهاية، ربما يكون فصل الضربات بين «داعش» وإسرائيل في طريقه إلى النهاية. لكن هذه الضربات لا تعني، من الناحية العملية، أنه كانت هناك مواجهة استراتيجية بين الطرفين، إذ أن ما جرى من استهداف متبادل يقتصر على الإطار التكتيكي ضمن استراتيجيات أشمل لدى الطرفين، فإسرائيل ترى أن «داعش» لم يعد يشكل تهديداً أمنياً على النحو الذي تفرضه الميليشيات الإيرانية وحزب الله حسب رؤية اتجاهات عديدة، في حين يبدو أن التنظيم ما زال حريصاً على توجيه رسائل تفيد استمرار وجوده في الجنوب رغم كل الضربات التي يتعرض لها.
مركز المستقبل للدراسات