2024-11-27 02:59 م

السعودية وكندا.. معركة خاسرة

2018-08-09
تشهد العلاقات السعودية الكندية أزمة غير مسبوقة، بسبب رد فعل الرياض الحاد على طلب الحكومة الكندية من نظيرتها السعودية الإفراج عن ناشطي المجتمع المدني الذين كثفت السلطات السعودية حملة الاعتقالات ضدهم في الآونة الأخيرة، ووسّعت من الدائرة، لتشمل ناشطات من أجل وقف التمييز المسلط على النساء، بالإضافة الى بعض أساتذة الجامعات والدعاة الذين سبق لهم أن طالبوا بالإصلاح منذ عقود، مثل سلمان العودة وسفر الحوالي، وأخيرا أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء، عبد العزيز الفوزان، الذي تم اعتقاله منذ حوالي عشرة أيام، بسبب تغريدة له أبدى فيها رأيه في قمع المشايخ والدعاة، وحذّر فيها من التطبيل، حيث قال: "مع هذه الحرب الشعواء على الدين والقيم، إياك أن تكون ظهيرا للمجرمين، أو يحملك حب المال والجاه على مداهنتهم، وتزيين باطلهم، فتخسر الدنيا والآخرة".
ويأتي التوتر بين الرياض وأوتاوا ليسلط الضوء على التجاوزات السعودية التي تقوم بها الأجهزة الخاصة بولي العهد، محمد بن سلمان، الذي يريد من خلال سياسة القبضة الحديدية أن يقدّم نفسه ملكا قادما للسعودية يمتاز بالتشدّد حيال الرأي الآخر، ويهدف من ذلك إلى إرسال رسالة إلى الداخل، ذات طابع ترهيبي، والسير على نهج ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في قمع الناشطين وتكميم الأفواه.
اللافت في هذه الأزمة أن السعودية صعّدت من لهجتها، وذهبت مباشرةً نحو أعلى سقف من ردود الفعل، من خلال طرد السفير الكندي واستدعاء سفيرها، وإصدار بيان شديد اللهجة يدين اهتمام كندا بحقوق الإنسان في السعودية، كما استنفرت الرياض إلى جانبها جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر التي ميّزت نفسها، وشددت "على ضرورة حماية حقّ الدول والمنظمات الدولية في التعبير عن رأيها، لا سيّما عندما يرتبط الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير".
لا تستدعي المسألة هذا التجييش من طرف الرياض، لاسيما أن السعودية سوف تخسر المعركة إعلاميا وسياسيا، ولن يسعفها التعويل على الولايات المتحدة، للوقوف معها ضد كندا، وحتى لوحصل ذلك، فهذا أمر لا قيمة له، لأن كندا ليست من الدول التي تدور في الفلك الأميركي، وسبق لرئيس الوزراء، جاستن ترودو، أن افترق عن مواقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال قمة السبع أخيرا.
ولا يمكن فصل موقف السعودية الغاضب عن جملة الممارسات السلبية التي بدأت تظهر تباعا في المملكة، وأخذت تترك آثارا ضارّة، وتخلق أزمات، يتجاوز بعضها التأثير الداخلي إلى النطاقين، الاقليمي والدولي، ويمكن أن نقف عند آخر أزمتين حصلتا في العام الماضي. الأولى إقليمية، وتمثلت بعملية اختراق وكالة الانباء القطرية في شهر مايو/ أيار 2017، وبث خطاب كاذب منسوب لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. والأزمة الثانية التي حصلت في نوفمبر/ تشرين الثاني، وتمثلت بالقبض على أمراء ورجال أعمال سعوديين وعرب، منهم رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، والملياردير الفلسطيني صبيح المصري، ورجل الأعمال اليمني الإثيوبي محمد العمودي.
لا تزال آثار الأزمتين مستمرة وتتفاعل، ونجم عن الأولى حصار دولة قطر ومقاطعتها، وجرى التحرّش بها عدة مرات، لاستدراجها إلى مواجهة عسكرية، لكن الدوحة تمكّنت من إدارة الأزمة بحكمة، وتجنبت الفخاخ والتصرّف بردّات فعل، لكن الرعونة والتصرّفات الهوجاء هي التي تحكم سلوك الطرف الآخر المتمثل بالتحالف السعودي الإماراتي الذي يجسّده التفاهم بين بن سلمان وبن زايد.
ينتقل محمد بن سلمان من خسارة إلى أخرى. وعلى الرغم من أنه يوظف موازنة ضخمة لتقديم صورة مختلفة عن نفسه، فإنه فشل حتى الآن، وما لم يراجع نفسه، ويبتعد عن اللوبي الإماراتيسوف يصل إلى طريق مسدود.