"شهد المكتبة الأمريكية طوفانا من الكتب الجديدة التي تتحدث عن "حمى حرب الجواسيس بين الأمريكيين والروس"، في أجواء تعيدنا لزمن الحرب الباردة القرن الماضي. وفي تقرير نشرته وكالة أبناء الشرق الأوسط، تؤكد هذه الإصدارات أن ما يتردد حول التدخل الروسي في الولايات المتحدة بات جزءا بالغ الخطورة من الحرب المفتوحة بين ترامب وخصومه في الداخل الأمريكي.
ومن هذه الكتب الجديدة: "الهجوم على المخابرات: الأمن القومي الأمريكي في عصر الأكاذيب" بقلم مايكل هايدن وهو جنرال متقاعد ومدير سابق لوكالتي الأمن القومي الأمريكي والمخابرات المركزية و"وقائع ومخاوف: حقائق مريرة من الحياة في المخابرات" واشترك في تأليفه جيمس كلابر وتري براون، ناهيك عن الكتاب المثير للجدل والذي وصف بأن مؤلفه المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي يسعى لتصفية حسابات سياسية مع الرئيس دونالد ترامب وهو كتاب: "ولاء أعلى"
ويقول الكاتب والصحفي الأمريكي تيم واينر، الفائز بجائزة بوليتزر والمتخصص في قضايا الأمن القومي، إن هناك هواجس لدى الرئيس دونالد ترامب بأن "الدولة العميقة تطل متصاعدة من أعماق المستنقع المخيف في واشنطن لتسومه سوء العذاب"، وإن ترامب يرى أن "أعتى أعدائه السياسيين وأكثرهم خطورة هم أناس يمسكون بمقاليد الأمور ويشغلون مواقع قيادية في مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية".
ويتابع واينر الذي طالما صال وجال بقلمه في دوريات وصحف أمريكية شهيرة مثل: نيويورك تايمز ونيويورك ريفيو "أن ترامب ينظر لهذه الزمرة من القيادات الأمنية والاستخبارية باعتبارها تشكل حكومة خفية تعمل مستترة خلف واجهة حكم دستوري وتشكل قوة جبارة تسعى لتدميره".
وفي شهر يوليو الماضي أعلنت وزارة العدل الأمريكية عن اعتقال فتاة روسية تدعى "ماريا بوتينا" للاشتباه في كونها عميلة سرية لموسكو وسعت لاختراق قيادات سياسية في الحزب الجمهوري، فيما أسهبت بعض الصحف ووسائل الإعلام في الحديث عن "أساليب الغواية" التي استخدمتها الشابة بوتينا البالغة من العمر 29 عاما مع شخصيات نافذة في الحزب الذي فاز مرشحه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة ليصبح الرئيس الـ45 للولايات المتحدة.
ومنذ حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة في عام 2016 تتردد اتهامات من جانب مسؤولين أمنيين أمريكيين بحدوث تدخل روسي لصالح مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب في مواجهة منافسته هيلاري كلينتون التي كانت مرشحة للحزب الديمقراطي في تلك الانتخابات الرئاسية.
ويقول الكاتب والصحفي الأمريكي تيم واينر إن الرئيس دونالد ترامب يتهم عصبة من كبار المسؤولين الأمنيين والاستخباريين في الولايات المتحدة بمحاولة "خلق صدام مصطنع مع روسيا" وهي مسألة مرتبطة باقتناعه بمحاولات الدولة العميقة والحكومة الخفية في واشنطن أو ما يسمى أيضا بـ"القوة الرمادية" التي تجمع رؤوس المؤسسات الأمنية والاستخبارية لتدميره.
وحتى بعد "قمة هلسنكي" في السادس عشر من شهر يوليو الماضي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم يكف كبار المسؤولين الأمنيين الأمريكيين، بما فيهم مدير "المخابرات الوطنية" دان كوتس، عن اتهاماتهم لموسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما وصفوه بمحاولة "إضعاف الديمقراطية الأمريكية وبث الفرقة بين الأمريكيين".
ويجد دونالد ترامب نفسه في موقف لا يحسد عليه بين شكوكه العميقة في نوايا قيادات المجتمع الاستخباري والأمني الأمريكي واتهاماتهم لموسكو في قضايا تجسس جديدة فضلا عن استمرارهم في الحديث عن تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وعدم قدرته على تكذيبهم في قضايا تدخل في صميم الأمن القومي للأمريكيين وحماية البلاد من أعدائها الخارجيين حتى إنه يضطر من حين لآخر لإصدار تصريحات يسترضي فيها تلك القيادات الاستخبارية والأمنية في بلاده.
وقد انعكس هذا المأزق على أداء ترامب في قمة هلسنكي الأخيرة ليصفه السناتور جون ماكين مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة عام 2008 بأنه "أسوأ أداء قدمه رئيس في تاريخ الولايات المتحدة". وتتصاعد حرب الجواسيس بين الولايات المتحدة وروسيا، رغم أن "عراب الدبلوماسية والأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر" خرج مؤخرا بدعوة للتقارب بين واشنطن وموسكو لوقف ما وصفه "بالتوسع الصيني" فيما يحظى كيسنجر حتى الآن بكلمة مسموعة لدى صانع القرار الأمريكي، وهو الذي تجاوز عمره الـ95 عاما وشغل منصب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في سنوات حاسمة بسبعينيات القرن الماضي.