2024-11-28 12:49 م

لماذا تريد السعودية سرقة مفاتيح وصاية المقدسات الإسلامية بالقدس؟

2018-07-23
نادر الصفدي*
بدأت شهية المملكة العربية السعودية في الحصول على مفاتيح وصاية المقدسات الإسلامية داخل مدينة القدس المحتلة، تطفو على السطح، رغم تلقيها أكثر من ضربة موجعة من السلطة الفلسطينية والمقدسيين. 

أطماع الرياض في سحب بساط الوصاية من المملكة الأردنية الهاشمية، ووضع يد دائمة وثقيلة لها داخل مدينة القدس المحتلة وزيادة نفوذها، تجاوزت كل الحدود حتى وصلت لشراء "محبة أهل القدس" وإغرائهم بالأموال والمشاريع الاقتصادية والإنسانية الضخمة. 

ورغم أن السلطة الفلسطينية وأهل مدينة القدس متمسكون بقوة بالوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس، فإن السعودية لا تزال تبث سموم مخططاتها للسيطرة على المدينة وتكون لها كلمة قوية والدعم الكافي لأخذ هذه الخطوة التاريخية وغير المسبوقة. 

وفي التفاصيل، كشف الباحث والإعلامي السعودي المقرب من الحكم عبد الحكيم الحميد ما يدور في الأذهان ضمن تداعيات تنفيذ مشروع صفقة القرن لحل القضية الفلسطينية. 

خطط خبيثة 

قال الحكيم خلال لقائه مع برنامج "نقطة حوار" المقدم على قناة "بي بي سي عربي": "لا أحد يعيش الواقع الفلسطيني البائس"، مضيفًا: "نحن في السعودية نعرف أن حياة الإنسان وكرامة الإنسان أقدس من مساحات تراب"، في إشارة للمسجد الأقصى! 

وأضاف طارحًا فكرته الخبيثة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في مدينة القدس تمهيدًا لتطبيق صفقة القرن "جزء من القدس الشرقية للفلسطينيين، وأن تكون المقدسات الإسلامية تحت إدارة سعودية لما تتمتع به من خبرة في إدارة المقدسات بمشاركة السلطة الفلسطينية"، معتبرًا الأمر إذا ما تحقق فإنه يمثل أكبر مكسب سياسي يمكن أن يحققه النضال الفلسطيني، على حد زعمه. 

يشار إلى أن أمثال هذه الدعوة تمثل تجاوزًا صريحًا لدور الأردن الوصي على المقدسات الإسلامية جميعها في القدس الشريف. 

وليست هذه المرة الأولى التي تشهد محاولات تجريد الأردن من وصايته من قبل السعودية، حيث كشفت وسائل إعلام نشوب خلاف في الكواليس بين وفدي الأردن والسعودية اللذين كانا يشاركان في أعمال الدورة 24 للاتحاد البرلماني العربي الذي عقد في 17 من ديسمبر 2017 بالمغرب في أعقاب رفض الوفد السعودي تأكيد الأردن وصايته على المقدسات في القدس، واقترح الوفد السعودي أن يكون لتلك الوصاية بعد إسلامي أوسع. 

وسبق أن أكد المدير السابق للوعظ والإرشاد في أوقاف القدس الشيخ رائد دعنا رفض المقدسيين أي دور أو وصاية سعودية على المقدسات الإسلامية في القدس، مشددًا أن وجهاء المدينة سيواجهون أي محاولات سعودية للقيام بذلك، ونشر تصريحًا واضحًا بذلك في حسابه الشخصي على "فيسبوك" في 15 من يناير الماضي. 

وقال دعنا: "السعودية حاولت في يناير/كانون الثاني الماضي الترتيب لتنظيم زيارة وفد ديني من القدس للسعوديّة لإقناعه بالاعتراف بالوصاية السعودية، لكن هذا الترتيب فشل لرفض عدد من أعضاء الوفد إتمام هذه الزيارة، وتم التكتيم على هذا الحدث، ولذا، لا أستبعد أن تقوم السعوديّة بتكرار محاولاتها قريبًا". 

وترتكز الوصاية الهاشمية على جوانب دينية وقانونية، كما يقول مدير شؤون الأقصى في وزارة الأوقاف الأردنية عبد الله العبادي، مبينًا أن "الوصاية الهاشمية مثبتة من ناحية دينية وعقائدية وسياسية؛ فالملك هاشمي من أحفاد الرسول عليه السلام، والمسجد الأقصى والمسجد الحرام مربوطان معًا عقائديًا في القرآن الكريم". 

ما سياسيًا، فيقول: "القدس والضفة الغربية كانتا تابعتين للمملكة الأردنية الهاشمية عام 1967، ثم جاء قرار فك الارتباط القانوني والإداري، لكن بقيت القدس والمقدسات تابعة قانونيًا للمملكة، ومنصوص على ذلك في المادة التاسعة من اتفاقية السلام، ولولا ذلك لأصبح هناك فراغ كبير، ولسيطر الاحتلال على كل المقدسات، وغيرت الوضع القائم، خلافًا للقانون الدولي". 

وعن محاولة بعض الدول فرض وصايتها على المقدسات، دعا العبادي الدول العربية والإسلامية لدعم الوصاية الهاشمية في المحافظة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. 

وتعود الأصول التاريخية لسيادة الأردن على المقدسات في القدس لعام 1924، عندما بويع الشريف حسين، مطلق الثورة العربية الكبرى، وصيًا على القدس، مرورًا بسيادة الأردن على القدس الشرقية عام 1948 و1967، وحتى بعد فك الارتباط بين الضفتين عام 1988، لم يتخل الأردن عن السيادة على المقدسات. 

دعم عمان 

كما يدعو النائب أحمد الرقب مقرر لجنة فلسطين النيابية في البرلمان الأردني، إلى "العودة بالقدس والقضية الفلسطينية إلى العمق العربي والإسلامي؛ لتشكيل درع قوي يضيق الخناق دبلوماسيًا وسياسيًا على الاحتلال". 

ويقول: "الوصاية الهاشمية بعمقها العربي والإسلامي أمر مبتوت به تاريخيًا ودينيًا وسياسيًا، وبالتالي فأي محاولة لخطف هذه الوصاية هي خارج السياق، ستؤدي إلى حالة من الاتهام والتآمر إلى أي دولة، سواء كانت خليجية أم إسلامية، تحاول انتزاع هذه الوصاية". 

وثبتت المملكة الأردنية وصايتها على المقدسات قانونيًا، من خلال الاتفاقية الموقعة بين الملك عبد الله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، عام 2013، بالإضافة لإعلان واشنطن الذي أكد على هذا الحق. 

ونصت الاتفاقية مع عباس على المبادئ التاريخية المتفق عليها أردنيًا وفلسطينيًا بشأن القدس، التي تمكّن الأردن وفلسطين من بذل جميع الجهود بشكل مشترك لحماية القدس والأماكن المقدّسة من محاولات التهويد الإسرائيلية. 

وفي ذات السياق يقول المحلل السياسي طلال عوكل: "اهتمام السعودية المفاجئ لسحب الوصاية الأردنية ونقلها إليها، هي لإحداث الضغط على الأردن من أجل تغيير موقفه الرافض لصفقة القرن الأمريكية التي بدأت بإخراج مدينة القدس من طاولة مفاوضات السلام بين الفلسطينيين و"إسرائيل" باعتراف واشنطن في ديسمبر/كانون الأول من عام 2017 بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل". 

وأوضح أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتمد بشكل كبير على السعودية للعب الدور المحوري في تمرير صفقة القرن، باعتبارها شريكة أساسية للإدارة الأمريكية، وتمثّل قاعدة الوطن العربي والإسلامي. 

وتوقع عوكل وجود عراقيل صعبة أمام المساعي السعودية لنيل الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، أهمها عدم وجود ارتباط جغرافي بين السعودية والقدس، كما أن عملية الحصول على هذه الوصاية تحتاج إلى نيل تأييد الرموز الدينية في القدس ورؤساء دول العالم العربي، وهو أمر لا يزال بعيد المنال أمام السعودية.



*كاتب وصحفي فلسطيني