نجت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي بصعوبة في اليومين الماضيين من تمرد داخل حزبها كان يهدد بالإطاحة بها، لكن أمامها الآن مهمة إقناع الناخبين والاتحاد الأوروبي بخطتها حول "بريكست".
وأجرت ماي هذا الأسبوع زيارة إلى إيرلندا الشمالية ضمن جولة في بريطانيا لإقناع الناخبين بخطتها الإبقاء على علاقات تجارية وثيقة بالاتحاد الأوروبي بعد "بريكست" في آذار (مارس) المقبل.
وأجرى وزيرها الجديد لـ "بريكست" دومينيك راب - المعين الأسبوع الماضي بعد استقالة سلفه - محادثاته الأولى في بروكسل أمس الأول، وتعهد "تكثيف" مفاوضات الانسحاب.
ولا تزال ماي تواجه غضبا كبيرا من حزب المحافظين الذي تنتمي له، إزاء خطتها تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي في تجارة البضائع بعد "بريكست"، التي أطلق عليها "بالاسم بريكست".
لكن فيما لا يزال الخطر محدقا بزعامتها، نجت عقب استقالة اثنين من وزرائها وتفادت هزيمة في البرلمان من جانب المؤيدين للاتحاد الأوروبي.
وقال اناند منون، مدير قسم المملكة المتحدة في مركز الأبحاث "تشينجينج يوروب" (تغيير أوروبا) ومقره في جامعة كينجز كولدج في لندن، "للمرة الأولى لديها حكومة ملتفة حول رؤيتها".
وأكد أن استقالة وزير "بريكست" ديفيد ديفيس ووزير الخارجية بوريس جونسون ربما أسهمتا بالفعل في إقناع بروكسلبأخذ خطتها بجدية.
وقال منون "ذلك يسمح لها بطريقة مقنعة أن تلتفت إلى الاتحاد الأوروبي لتقول (إني أواجه هؤلاء الأشخاص وأحتاج إلى بعض المساعدة)".
وأضاف "الاتحاد الأوروبي لا تعجبه "الخطة" لكن الصمت دليل على أنهم يتفهمون مدى حساسية الأمر".
وأيد البريطانيون في استفتاء في حزيران (يونيو) 2016 مغادرة الاتحاد لأوروبي، لكن الحكومة منقسمة حول مسألة العلاقات المستقبلية.
وفيما الوقت داهم، جمعت ماي وزراءها المتحاربين في 6 تموز (يوليو) الجاري، وأقنعتهم بتأييد منطقة تجارة حرة للبضائع.
وأدت الخطة إلى تفجر غضب مؤيدي الانفصال التام عن الاتحاد الأوروبي واستقال عدد من المساعدين في أعقاب استقالة ديفيس وجونسون.
وواجهت ماي عدائية علنية من نواب حزبها، وسألها أحد هؤلاء النواب في مجلس العموم إن كانت تستطيع أن تفسر "في أي مرحلة اتخذ القرار بأن "بريكست" يعني البقاء"؟
وخشية نواب مشتتين قد يحاولون التخطيط ضدها، سعت ماي إلى تقريب عطلة البرلمان، قبل أن تتخلى عن الفكرة لغياب التأييد لها.
غير أنها نجت في تصويت حاسم كان من شأنه أن يجبرها على محاولة إبقاء بريطانيا في اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما رفضته تكرارا.
وفي اجتماع لنوابها الأربعاء الماضي، حصلت على وعود بالتأييد، وأعلن أحد أولئك النواب أنه سيتراجع عن رسالة سحب الثقة التي قدمها قبل أسبوع.
وذكر سايمون كلارك للصحافيين أنه لا يزال يعارض خطة ماي لكنه يشعر بالصدمة للاقتتال داخل الحزب.
وقال "كنا على حافة الهاوية في الأيام الأخيرة. لسنا بحاجة إلى حرب داخل حزب المحافظين".
وحتى إذا تمسكت ماي بخطة "بريكست" وضمنت تأييدا كافيا للمصادقة عليها في البرلمان، فإنه من غير الواضح بعد إن كانت ستحظى بموافقة الاتحاد الأوروبي.
وقال المنتقدون "إن الخطة لا يمكن تطبيقها والاتحاد الأوروبي حذر مرارا من أنه لن يسمح لبريطانيا بأن تختار الأجزاء التي تريد الالتزام بها من السوق الموحدة".
وكل من المفوضية الأوروبية وبريطانيا تقولان "إنهما تريدان اتفاقا"، لكنهما تكثفان الاستعدادات لاحتمال فشل المحادثات.
وبالنسبة إلى البعض في بريطانيا، فإنهم يعتبرون الخلافات داخل حزب المحافظين مؤشراً على أن البرلمان لن يوافق على طريق للمضي قدما وأن الطرق الوحيدة المتاحة هي مغادرة الاتحاد الأوروبي من دون التوصل إلى اتفاق أو طرح القرار أمام تصويت آخر.
وهذا الأسبوع انضمت جاستين جرينينج، وزيرة التعليم السابقة في حكومة ماي، إلى أصوات كبار أعضاء حزب المحافظين المطالبين باستفتاء ثان.
وعبر رئيس الحكومة العمالي السابق توني بلير عن رأي مماثل قائلا "بما أن هذه المسألة بدأت باستفتاء، بصراحة فلا يمكن إنهاؤها إلا بتصويت جديد".
إلى ذلك، طالبت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، في خطابها في بلفاست أمس، بالحصول على تنازلات من الاتحاد الأوروبي بشأن قضية مراقبة الحدود بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا المثيرة للنزاع والمرتبطة بخروج بريطانيا من التكتل، وفقا لـ "الألمانية".
وستخرج إيرلندا الشمالية من الاتحاد الأوروبي مع بقية بريطانيا في آذار (مارس) المقبل، بينما ستبقى إيرلندا دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ما يجعل الحدود المستقبلية بينهما القضية الأكثر صعوبة في مفاوضات خروج بريطانيامن الاتحاد الأوروبي بين حكومة ماي ومسؤولي الاتحاد الأوروبي.
واجتمع وزراء الشؤون الأوروبية في الاتحاد الأوروبي، أمس، لإجراء مناقشات أولية حول المقترحات البريطانية بشأن العلاقة المستقبلية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وطرحوا عديدا من الأسئلة حول "الورقة البيضاء" التي قدمتها الحكومة البريطانية.
ويتصور المقترح البريطاني إنشاء منطقة تجارة حرة مشتركة للسلع، الأمر الذي من شأنه أن يشهد موافقة البلاد على معايير الاتحاد الأوروبي، فيما يتم التوصل إلى ترتيبات مختلفة بشأن الخدمات التي من شأنها أن تسمح للندن بوضع قواعدها الخاصة لقطاعات مثل صناعتها المالية الكبيرة.
ورغم ذلك، يصر الاتحاد الأوروبي دوما على أن بريطانيا لا تستطيع الاختيار وفق إرادتها بين الحريات الأربع للتكتل، وهي حرية انتقال السلع والخدمات والأفراد ورأس المال.
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي حدد رؤيته للعلاقات المستقبلية في وقت سابق من العام الجاري.
وأكد وزير الشؤون الأوروبية الألماني، ميشائيل روت، أن الورقة البيضاء متناقضة مع المبادئ الإرشادية للاتحاد الأوروبي للتفاوض. وقال للصحافيين قبل محادثات أمس "لكن الخطوط الإرشادية ليست خطوطا حمراء".
أضاف جان أسيلبورن وزير خارجية لوكسمبورج "هناك قواعد ويتعين الالتزام بها، لا ينبغي أن نتلاعب مع هذا. هناك عشرات الآلاف من الوظائف أو أكثر على المحك. وبمعنى ما، الأمر يتعلق بالاستقرار في أوروبا".