ترجمة وتحرير: نون بوست
يمكن للمواطن المصري أن يروي عطشه بشرب مياه "صاوي" المعدنية، ويستمتع بتناول طبق المعكرونة بالبشاميل، وهو طبق مصري مشهور للغاية، الذي تم إعداده باستعمال منتجات "الملكة". كما يستطيع المصريون تذوق طبق الدجاج المشوي الذي تقدمه شركة "الوطنية"، والاستمتاع بعصير "سيناء" بعد تناول الطعام. ويتاح أيضا أمام الشعب المصري فرصة أخذ قسط من الراحة خلال العطلة في فندق "الماسة"…
عموما، يستهلك الشعب المصري، بشكل يومي مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات المصنعة في مصانع الجيش، الهيئة التي نشرت مخالبها نحو جميع القطاعات الاقتصادية في البلاد. وقد تسارع نشاط الجيش المصري في القطاع الاقتصادي بشكل خاص منذ اعتلاء المشير، عبد الفتاح السيسي، سدة الحكم في بلاد الفراعنة.
في حوار لها مع صحيفة "الموندو" الإسبانية، أوضحت شانا مارشال، خبيرة العلوم السياسية في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن، أن "قائمة الشركات التي يحكم عليها الجيش المصري قبضته طويلة. كما تسجل شركات الجيش المصري حضورها في مجال تربية الماشية، وقطاع النقل، وتصنيع الأجهزة المنزلية، والمواد الإلكترونية، والأدوية والمعدات الطبية، ومجال توزيع الوقود، والبناء، والخدمات الإعلانية، وقطاع المناجم، وإدارة الفنادق". على هذا النحو، امتدت مخالب المؤسسة العسكرية، التي حكمت البلاد بقبضة من حديد خلال السنوات الست الأخيرة، لتطال مجالات وخدمات غير متوقعة.
في الأثناء، يدير جنرالات الجيش المصري امبراطوريتهم الصغيرة عن طريق "متاهة" من الكيانات المرتبطة بوزارة الإنتاج الحربي المصرية. كما يشكل كل من الهيئة القومية للإنتاج الحربي، والمنظمة العربية للتصنيع، وفيلق مهندسي القوات المسلحة المصرية، أو جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة؛ جزءا من شبكة تعتمد عليها عشرات الشركات المنتشرة في أراضي الفراعنة. وبعيدا عن التلاشي، ساهم إنقلاب سنة 2013 وقدوم السيسي إلى القصر الرئاسي، في إطلاق عنان عملية توسعة هذه الشبكة بشكل لا هوادة فيه.
من جانب آخر، أوردت زينب أبو المجد، أستاذة لمادة تاريخ الشرق في كلية أوبرلين في الولايات المتحدة، ومؤلفة كتاب "عسكرة الأمة: الجيش والاقتصاد، والثورة في مصر"، أن "وزير الإنتاج الحربي قد سلم وزارته العديد من مشاريع الإنتاج المدني بهدف زيادة أرباحه الخاصة. وتتضمن استراتيجيته إنشاء شركة صيدلة، وشركة تصنيع حليب مخصص للأطفال بالتعاون مع وزارة الصحة، بالإضافة إلى شركة أخرى لإنتاج عدادات وزارة الطاقة. ويضاف إلى هذه القائمة مشروع شركة لصناعة محركات غسالات وآلات زراعية، وغيرها من المشاريع الأخرى".
عموما، لا تتوقف مشاريع المؤسسة العسكرية المصرية عند هذا الحد. ومن بين المخططات التي يتم تطويرها في الوقت الحالي، نذكر أكبر شركة أسماك في الشرق الأوسط التي بناؤها على ضفاف نهر النيل، أو شركة إنتاج السكر عن طريق استخراجها من التمور، بالتعاون مع شركة إماراتية، أو مصنع إسمنت عملاق، أو المشروع الطموح الذي نشر في الأراضي المصرية محطات إنتاج الطاقة الشمسية. ومن بين المشاريع الأخرى، يمكن الحديث عن شبكة من المدارس الخاصة التي تتبع مناهج أمريكية أو بريطانية، ومشاريع إنشاء الطرقات الكبرى واستغلال محطات الطرقات السريعة.
في واقع الأمر، تتناقض مغامرة المؤسسة العسكرية المربحة مع حقيقة الاقتصاد المصري الذي يمر بأسوأ لحظاته، والذي يعيش على مساعدات الخليج العربي وقروض صندوق النقد الدولي المثيرة للجدل. وخلال الأسابيع الأخيرة، خفضت الحكومة المصرية الدعم على الوقود في الوقت الذي سجلت فيه أسعار البنزين والنقل العمومي ارتفاعا بنسبة ما يقارب 50 بالمائة.
في الحقيقة، أصبح النشاط التجاري لعناصر الجيش المصري، الذي تم التأسيس له خلال سنة 1954 على يد الرئيس جمال عبد الناصر من أجل تغطية النقص في الترسانة العسكرية، "وحشا" يصعب تحديد حجمه. في ظل هذا الوضع، يقدر بعض الخبراء أن المؤسسة العسكرية المصرية تسيطر على حوالي 40 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي، والذي وصل إلى حدود 336 مليار دولار سنة 2016. في المقابل، صرح السيسي أن هذه النسبة لا تتجاوز 1.5 بالمائة، وهي قيمة بعيدة كل البعد عن نسبة "20 أو 25 بالمائة التي يقدرها البعض". لكن، يمنع التعتيم المطلق حول ميزانية الجيش، التي بلغت حدود 4.500 مليون دولار خلال سنة 2016، توضيح أي بيانات في هذا الصدد.
من جانب آخر، أشارت كندة حتر، المستشار الإقليمي للمنطقة العربية بمنظمة الشفافية الدولية غير الحكومية، إلى أن "الجيش المصري يعاني من غياب الشفافية على غرار بقية الدول العربية. عموما، هناك جزء من الميزانية الذي يجب أن ينشر للعلن لأن لا علاقة له بالأمن القومي". وأضافت أن "الأشخاص تغيرت إلا أن الأنظمة بقيت على حالها. كما الأنظمة القديمة لا زالت متواصلة في البلدان العربية، ولم يسجل أي تحسّن ملموس فيما يتعلق بمكافحة الفساد".
من جهته، نقل خبير القوات المسلحة المصرية، روبرت سبرنجبورج، أن "الجيش المصري قد سيطر على جزء كبير من الاقتصاد، وهي نفس الاستراتيجية التي اتبعها ناصر خلال سنوات الخمسينات. وبهذه الطريقة، سيهيمن الجيش على الاقتصاد المصري مرة أخرى في تاريخها؛ وهي الخطة التي حققت فشلا ذريعا في السابق… وسيتكرر نفس الأمر في المستقبل القريب".
في هذا الصدد، أورد الخبير مثال الصينيين "الذين عملوا منذ فترة على خصخصة القطاع المدني، الذي كان بحوزة الجيش؛ الخطوة التي ساهمت بدرجة كبرى في تحسين اقتصاد بلادهم". وعلق أن "البنك الدولي حذر المصريين مما يحدث في بلادهم، الأمر الذي تم تجاهله. وفي ظل حكم السيسي، تدخل الجيش في القطاع المدني بشكل أكثر عمقا، مما أدى إلى إغراق اقتصاده وعرض مهنية قواته المسلحة إلى الخطر".
بشكل عام، تثير الضجة التي أحدثها جنرالات الجيش المصري انزعاج رجال الأعمال وحالة من الريبة بين صفوف المستثمرين الأجانب الذين أصبحوا غير قادرين على منافسة المؤسسة العسكرية في ظل غياب التشريعات اللازمة. ومن العراقيل الأخرى التي تزعج هذه الجهات نذكر الامتيازات الكبرى التي يتمتع بها الجنرالات، على غرار الإعفاء من الضرائب أو استلام العقود العمومية. واعترفت أبو المجد بأن "العمل في الشركات التابعة للجيش المصري لا يخضع لتشريعات عمل أو اتفاقيات منظمة العمل الدولية. ويعمل في شركات الجيش المصري أولئك الذين يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية أو المدنيون المحظورون من النقابات، أو الذين تم إرسالهم لمحاكم عسكرية لتلقي عقاب إداري".
علاوة على ذلك، صدر منذ سنتين تقريبا قانون جديد يتعلق بالضرائب على القيمة المضافة، يعفي شركات الجيش وبعض وكالات الأمن القومي في مصر من هذه الرسومات إذا تعلق الأمر بإنتاج المواد أو المعدات أو الخدمات أو المواد المستخدمة لأغراض الدفاع أو الأمن القومي. ومن الناحية العملية، تعدّ وزارة الدفاع الجهة الوحيدة المختصة في تحديد ما إذا كانت خدماتها ومنتجاتها خاضعة للرسومات الضريبية.
من ناحية أخرى، لا تحتاج مشاريع المؤسسة العسكرية إلى تراخيص، وتحظى أيضا بمزايا غير محدودة في التصدير والاستيراد أو الائتمان. وفي حزيران/ يونيو من سنة 2015، تم إصدار مرسوم أعفى بموجبه نصف مليون منشأة عسكرية من الضرائب العقارية، من بينها نوادي، وفنادق، وقاعات سينما ومسرح، ومحلات تجارية كبرى، ومصانع.
من جانب آخر، تسلط سلسلة الفوائد التي حاول نظام السيسي إخفاءها الضوء على كفاءة وسرعة تنفيذ المشاريع من قبل الشركات العسكرية، التي أشرفت على عملية بناء العاصمة المصرية الجديدة، والتي جنبت البلاد مشاكل إمدادات الخبز والأدوية المتكررة بين الحين والآخر.
في السابق، اعتاد السيسي الاحتفال بسرعة شركاته في تنفيذ مشاريع محطات معالجة المياه أو غيره، التي يحتاج القطاع الخاص إلى إنجازها "ثلاث أو أربع سنوات". في هذا السياق، يرى يزيد صايغ، المحلل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أن "إشراك الجيش في الاقتصاد لا يعد أفضل بديل لحل المشاكل الهيكلية الحادة في مصر".
المصدر: الموندو الإسبانية