2024-11-24 06:25 م

قصة الملجأ المحصَّن ضد الصواريخ النووية في القدس

2018-06-18
 "عربي بوست"
لم تعد جبال القدس مكاناً مثالياً بالنسبة لمحبي ركوب الدراجات في الأرض المقدّسة، أو مكاناً يرتاده مَن يرغب في استنشاق هواء نقي فقط؛ بل أصبحت أيضاً الغطاء الذي يخفي مخبأً سرياً. وقد استضاف هذا المخبأ المحصن من الهجمات التقليدية وغير التقليدية، منذ أسابيع، اجتماعات مجلس الأمن الإسرائيلي.

حسب تقرير صحيفة El Mundo الإسبانية يتشكَّل هذا الهيكل الحكومي من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزرائه العشرة الأكثر أهمية، والمكلفين باتخاذ القرارات الأبرز المتعلقة بالعديد من المسائل التي تتراوح بين الحرب والسلام. ومن بين القرارات التي تمت مناقشتها في هذا المخبأ السري، نذكر قرار القصف ضد الترسانة الإيرانية في سوريا، والموافقة على مهمة الموساد في أراضي الخصوم، أو مناقشة وقياس الرد الدبلوماسي على الخطاب الهجومي الذي أطلقه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

تم الشروع في بناء المخبأ السري في القدس منذ 2007، وقد خُصصت له ميزانية عالية للغاية. لكن، يجهل إلى الآن القيمة الدقيقة أو حتى التقريبية لهذه الميزانية. وقد صُمم هذا المخبأ ليتم العمل فيه بحالات الطوارئ، وهو عبارة عن غرفة قيادة في أحشاء الأرض.

قرارات تُتخذ في ملجأ محصن من الصواريخ النووية

عموماً، يتمثل الهدف من بناء هذا المقر في اتخاذ قرارات في ملجأ محصن من الصواريخ النووية، والهجمات المكثفة، والتهديدات الإلكترونية، والهجمات الإرهابية، والتجسس عبر الأقمار الصناعية، وأيضاً التسريبات التي يمكن أن يقوم بها بعض الوزراء. فقد أصبح الحديث عن مخططات الحكومة الإسرائيلية أو تسريبها، بمثابة فيروس تقليدي وفطري لنتنياهو. كما تحوَّل الخوف من التسريبات إلى هوس بالنسبة له، نظراً لتعدد الصراعات على السلطة في إسرائيل وتسريبها إلى الصحف. وتنتاب كبار المسؤولين الإسرائيليين مخاوف عميقة من التسريبات في عصر شبكات التواصل الاجتماعي والوسائل التكنولوجية الحديثة.

خلال الفترة التي تولَّى فيها نتنياهو منصب رئيس الوزراء، والتي تجاوزت 10 سنوات، رسَّخ المسؤول الإسرائيلي ثقافة عدم الثقة في أي أحد، معتمداً مبدأ أن كل شيء قابل للتسريب سيكون ضده. كما يخشى نتنياهو أن يتم تسريب تصريحاته، مما جعله لا يثق إلا في زوجته سارة. وبالنسبة لمنتقدي نتنياهو، تعد سارة رئيسة الحكومة الإسرائيلية الحقيقية.

عندما يدخل أعضاء مجلس الأمن الإسرائيلي المخبأ السري، يكونون على علم بشكل مسبق بأنهم لن يتمكنوا من التواصل مع الخارج لمدة ساعات، حسب ما جاء في تقرير صحيفة El Mundo الإسبانية. كما يفرض هذا النوع من الاجتماعات إلغاء المكالمات الهاتفية خلال لقاءات مجلس الأمن الإسرائيلي، ولا يمكن أيضاً طلب "الخروج لدقيقة" للحديث مع المستشارين مثلما يحدث خلال الاجتماعات التي تنعقد في مكتب رئيس الوزراء. وفي هذا المخبأ السري، يستغني المسؤولون الإسرائيليون عن هواتفهم ومساعديهم، من أجل التركيز أكثر والحيلولة دون أي محاولات تسريب خلال هذا اللقاء.

مصاعد كهربائية قادرة على نقل عشرات الأشخاص بسرعة فائقة

ووفقاً لبعض الشهادات، يعد هذا الجيب مثيراً للإعجاب ومتطوراً للغاية، الأمر الذي يتجلَّى من خلال مدخله، والمصاعد الكهربائية الضخمة القادرة على نقل عشرات الأشخاص بسرعة فائقة. كما جُهِّز المخبأ السري بغرفة طعام يُشرف عليها طاقم جاهز على مدار ساعات اليوم، فضلاً عن غرفة للراحة، وقاعة اجتماعات تتضمن جميع الأجهزة التكنولوجية الحديثة.

 بني أكثر من 95% من هذا المخبأ السري تحت الأرض. وقد اعترف أحد الذين دخل إلى هذا المخبأ الكبير، الذي يتخذ شكل غواصة، لصحيفة "Yedioth Ahronoth"، أنه "بمجرد النزول إلى هذا الجيب، سيشعر الفرد وكأنه معزول عن العالم". وعلى الأرجح يعد هذا الشخص أحد المسؤولين عن مشروع المخبأ السري منذ أكثر من عقد من الزمن، الذي كان يتولى منصب السكرتير العسكري السابق لرئيس الوزراء، وهو يوآف غالانت. وقد خدم هذا المسؤول في وحدة شايطيت 13، التابعة للبحرية الإسرائيلية. وفي الوقت الحالي، يعد غالانت عضواً في مجلس الوزراء بصفته وزير الإسكان ومسؤولاً عسكرياً سابقاً.

نظراً للسرية الفائقة حول المخبأ السري، ما زال الموقع المحدد لهذا الجيب مجهولاً. فضلاً عن ذلك، تعد تكلفة إنجازه ومساحته تحت الأرض لغزاً لم يتم الكشف عنه بعد. وقد اتخذ هذا المخبأ اسم "المركز الوطني لإدارة الأزمات"، إلا أنه يلقب "بمخبأ الحكم النهائي"، أو ببساطة "المخبأ".

يتوقعون وابلاً هائلاً من الصواريخ المكثفة من إيران

رغم الحديث عن هجمات نووية محتملة، أو هجمات كيميائية وبيولوجية، إلا أن المخاوف الحقيقية متمحورة حول وابل هائل من الصواريخ المكثفة من إيران وحليفها اللبناني، حزب الله؛ وذلك في حال اندلعت حرب بين الطرفين: إسرائيل وإيران. وخلال الأشهر الأخيرة، أصبح هذا السيناريو وارداً أكثر من أي وقت مضى.

منذ بداية 2018، استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية في عدة مناسبات مواقع عسكرية إيرانية في سوريا، خاصة أن السماح للعدو الأكبر لإسرائيل بالتمركز على حدود سوريا المجاورة لها، من الخطوط الحمراء التي تمنع الحكومة الإسرائيلية تخطيها. بداية شهر مايو/أيار 2018، ردَّت إيران بتوجيه عشرات الصواريخ على أحد المواقع الإسرائيلية، بعد ساعات من شنِّ هجوم مكثف ضد الحرس الثوري الإيراني على الأراضي السورية.

مستفيداً من الدعم الكامل للرئيس الأميركي، دونالد ترمب، يمكن لنتنياهو أن يواصل الضغط على إيران عبر تنفيذ هجمات دون مبرر. لكن، يهدد هذا الوضع بزيادة خطر نشوب حرب. ورغم أن جيش نتنياهو متفوق على قوات بشار الأسد، وأيضاً على جيش آيات الله الخميني، إلا أن المحور (سوريا- إيران- حزب الله) قادر على التسبب بأضرار جسيمة لإسرائيل في حال نشبت حرب بين هذه الأطراف.

المسؤولون الإسرائيليون يريدون القول بأنهم محصنون

عقب عدة اجتماعات في المخبأ، يتمثل السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة في هذه المرحلة في: "ما السبب الذي جعل القيادات الإسرائيلية تسمح بالحديث عن قصة المخبأ علناً، وفي هذا الوقت بالتحديد؟". في هذا الصدد، يحلل البعض هذه التحركات على أنها رسالة موجَّهة لطهران تفيد بأن القيادة الإسرائيلية مستعدة لأي سيناريو، وأنها آمنة من أي هجوم.

أشار المحلل شلومو بيوتروفسكي إلى أن "الرسالة التي يروم المسؤولون الإسرائيليون توجيهها، تتمثل في أنهم في مكان آمن لا يمكن أن يتسرب منه أي شيء وإلى أي مكان". أما بعض المحللين الآخرين الأكثر انتقاداً لمثل هذه الخطوات، فقد ربطوا هذه الرسالة بأسباب سياسية وانتخابية، يسعى من خلالها نتنياهو إلى تعزيز الشعور بحالة الطوارئ والإنذار في البلاد.

في الوقت الراهن، يتمتع السياسي، الذي أنقذ مسيرته من الاضمحلال آلاف المرات، بأفضل لحظاته منذ عاد إلى الساحة السياسية خلال 2009، الأمر الذي أكدته استطلاعات الرأي بالفعل. وبعد أن بلغت معدلات البطالة مستوى قياسياً في تاريخ البلاد (3.6%)، وبفضل العرض الإعلامي لما سمَّاه "الملف السري للخطة النووية الإيرانية" بعد عملية الموساد في طهران، وافتتاح السفارة الأميركية في القدس، التي أمر بها الرئيس الأميركي الذي يطبق المنهج ذاته على إيران؛ يشعر نتنياهو بأنه محصن، وليس فقط من خلال المخبأ السري.