بدأت أستاذة اللاهوت في جامعة برمنجهام، كانديدا موس تقريرها المنشور في صحيفة «ديلي بيست»، بالتأكيد على أن التاريخ مسرحٌ تتغير فيه الأدوار والأحداث، ولكن نبوءات الإنجيليين تؤكد على حدث أساسي بالنسبة للتاريخ الإنساني، وهو عودة المسيح لاستعادة أرض إسرائيل.
ذكرت كانديدا الجدل الكبير القائم حول افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، والذي نتج عنه إزهاق 50 روحًا من الفلسطينيين من قبل القوات الإسرائيلية، وتعجبت قائلة: إن الإنجيليين لا يدعمون ما حدث فقط، بل يحتفلون به!
واستشهدت الكاتبة بمباركة القس المعمداني روبيرت جيفرس افتتاح السفارة الأمريكية في القدس بالصلاة فيها، والدعاء للرئيس دونالد ترامب، ومدحه الرئيس باستقامته وسيره على طريق الحق، كما أشاد بدور إسرائيل في التزامها برسائل الأنبياء السابقين والنصوص المقدسة وأخلاق المسيح، ومن المعروف عن جيفرس عنصريته تجاه المسلمين والمورمون.
وأكدت كانديدا على أن المشكلة ليست فقط في تبريكات جيفرس للسفارة الأمريكية ودولة إسرائيل، ولكن بقناعته الراسخة في العقيدة المسيحية اليمينية، التي تُفسر أن افتتاح السفارة في القدس، سيتبعه دمارًا كونيًا. كما هو معروف عن «التدبيريون»، وهم جماعة يفسرون افتتاح السفارة على أنها خطوة هامة ببدء حقبة نهاية العالم وأحداثه المريعة!
لكثيرٍ من الناس، يعتبر نهاية العالم حالة يشهد فيها الكون دمارًا شاملًا، ويُقام فيه الحساب، وانهيارٌ للقوة العظمى، كما أنه في نهاية العالم يعود المسيح، ليحكم بالعدل بين الناس، ويبدأ رحلة الخلود مع المؤمنين الصادقين.
الكثير من نصوص الإنجيل تكلمت عن «يوم الرب» ويوم الحساب القادم، ويؤخذ «سفر الرؤيا» (الكتاب الأخير في العهد الجديد) مصدرًا رئيسًا لشرح تفاصيل أحداث هذا اليوم. يحمل سفر الرؤيا أدبيات نهاية العالم، وهي نوع من الأدب القديم المليء بالرموز ونبوءات المستقبل. في الغالب تمت كتابة سفر الرؤيا في نهاية القرن الأول، أثناء حكم الإمبراطور الروماني دوميتيان. تعلّق المسيحيون كثيرًا في هذه الأدبيات، وبدأوا يتخذون من سفر الرؤيا، جدولًا زمنيًا لنهاية العالم منذ تدوينه.
تعود بنا الكاتبة إلى بداية القرن السادس عشر، حيث بدأ الأصوليون الإنجليز بالتنظير للتاريخ الإنساني، وقسموه إلى عدة حقب زمنية، وسير كل حقبة وفقة الخطة الإلهية الكونية. ونهاية التاريخ الإنساني، أي قبل يوم الحساب، تُسمى هذه الحقبة «المملكة الألفيّة»، حيث عودة عيسى للحكم لمدة ألف سنة وفقًا لسفر الرؤيا، كما يشارك الكثير من المسيحيين على أنه سيكون هناك ألفيّة من الحكم العيسوي قبل الكارثة النهائية.
يعتبر الإرث اللاهوتي لهؤلاء الأصوليين، وهم الإنجيليون أمثال جيفرس، المُعتقدين أن سفر الرؤيا يقدم قالبًا لنهاية العالم، ومن العناصر المركزية لهذه العقيدة هي أن للمسيحيين الحقّ الذين يلقبوا بالـ«مختطفون» (وفقًا لسفر الرؤيا سيتم اختيار المؤمنين اختيارًا واختطاف أرواحهم)، ستقبض أرواحهم للخلود في الجنّة قبل بداية الأحداث الكارثية، ليعانوا بقية الناس، وذكرت الكاتبة أنه من الجدير بالذكر أن رواية ليفت بيهاند – التي تحولت إلى فيلم يحمل العنوان ذاته – والتي تقوم على أدبيات نهاية العالم، بيع منها أكثر من 80 مليون نسخة.
تفاصيل الأحداث في نهاية العالم قد تختلف من مُبشر إلى مُبشر، ومن جماعة إلى جماعة، ولكن بشكل عام جميعهم يشتركون في عودة المسيح نهاية العالم، وإعادة بناءه المعبد اليهودي في القدس، واستعادة دولة اسرائيل من اليهود. كما ذكر الدكتور جريج كاري بروفسور العهد الجديد في جامعة لانيستر لديلي بيست «معلموا الاختطاف يعلمون أن أحداث نهاية العالم ستقوم في إسرائيل والقدس».
هذه الأدبيات والأفكار لا تصب في مصلحة إسرائيل واليهود بشكل خاص، كما يشرح كاري أن ولاء الإنجيليين لدولة إسرائيل مرهونٌ باستشرافٍ مستقبلي لعداء عالمي تجاه دولة إسرائيل، وإعادة بناء الهيكل اليهودي ليس إلا نقطة بداية للصراع النهائي.
مشكلة هذا الحدث السعيد بالنسبة لهذه الجماعة المسيحية، هي تعاسة ودمار بالنسبة لأتباع الديانات الأخرى، ودمار بالنسبة لأهل القدس والعرب واليهود، يقول كاري إن جيفرس نفسه يظن أن اليهود لن ينجوا من الدمار من غير اعتناق المسيحية، وبالتالي فإن دعمهم لإسرائيل لا يجب أن يفهم على أنه دفاع عن الديانة اليهودية، ففي نهاية العالم إن لم يعتنقوا اليهود المسيحية، فجزاؤهم كبقية الناس، العذاب.
كل ما يذكره المسيحيون من أحداث مرتقبة في نهاية العالم، لا تُقنع اليهودي كونه غير مؤمن بالمسيحية، المهم بالنسبة لليهودي هو دعم هذه الجماعة لوجود إسرائيل، وتصدي الدولة للأعداء الواضحين، وتؤكد الكاتبة أن التهديد الحقيقي والمجهول هو إذا اقتنعت هذه الجماعة من المسيحيين أنهم يعيشون في نهاية العالم، حيث يصف الإنجيل أن الإبادة الجماعية ستشمل معظم الناس، وبالنسبة لجيفرس الإبادة ستكون شاملة للمورمون، واليهود، والرومانيين، الكاثوليكيين، والمسلمين، ومجتمع الشذوذ الجنسي.
تؤكد الكاتبة على أن استحضار العنف في هذه الحالة يكون له شكل أخلاقي بالنسبة للمؤمنين بهذه المقولات؛ لأنّ التقسيم السياسي يبنى على مبادئ دينية، والعالم مقسم إلى أهل الإله وأهل الشيطان، ولا يوجد أسس أخلاقية؛ لمحاولة إنقاذ أهل الشيطان. في سفر الرؤيا يستشرف الموقف الإلهي العادل لغير التابعين لمبادئه وعقيدته، بما يشمل الأطفال. تعتبر هذه الفئة من المسيحيين من المعارضين لفكرة الإجهاض، ولكن بالنسبة لهم، فمصير الأطفال في نهاية العالم قضية غير مهمة.
تذكر الكاتبة مستنكرة على أن المفارقة الساخرة هُنا أنّ معظم الأكاديميين وعلماء الإنجيل، لا يتخذوا من سفر الرؤيا جدولًا زمنيًا لنهاية العالم، بل يذكرون أن مستندات القرن الأول من سفر الرؤيا، كُتبت كردة فعل من مجموعة يهودية، مهمشة اجتماعيًا، تسكن في آسيا الصغرى (تركيا اليوم)، وبحسب الأستاذة عديلة ياربارو كولينز، الكاتبة والأكاديمية الأمريكية، فتنبؤات سفر الرؤيا تخفف نفسيًا عن المنتسبين لهذه المجموعة المسيحية؛ لأنها تضعهم في سياق الخطة الإلهية، وفي حقيقة الأمر فإن معظم تنبؤات سفر الرؤيا موجودة، ولكن في عقل مؤلفها فقط.
تنهي الكاتبة تقريرها بالقول: لو أن جميع ما ذُكر يظهر للقارئ الحالي على أنها أعمال غير أخلاقية، فهذا شيء يستدعي السرور. وتؤكد على أن أحداث نهاية العالم من وجهة نظرها، هي تجلي للمثل العُليا، كالرحمة والعدل، وعلى الناس الحذر من الأخلاق المسيحية الحاملة لأدبيات نهاية العالم، ليس لأنها حقًا ستحدث، وإنما خوفًا من ردة فعل بعض الأفراد إن اعتقدوا أنهم يعيشون أحداث نهاية العالم.