هذه المرة ، وبمناسبة الذكرى السبعين للنكبة (أو للكضية باللهجة البترولية الشامتة) فإنّ البعير لم يكتف من موقعه الأزلي فوق التل بالتبول العكسي على رؤوس القوم الراقدين أسفل التل ، بل راح يغني (يرغو) بروح إجترارية سجعية على وقع موسيقى نافورة بوله الرّجعية أو (الركعيّة بالكاف) : طمْ طمْ طمْ طمْ طمْ طمْ .. راكعين بقوة السلاحْ .. راكعينْ نحرر الحمى .. راكعين كما ركع الصباح من بعد ليلهْ مظلمهْ …. طمْ طم طم طم طم طم طم طمْ … طمْ طم طَم طم طم طم طم طمْ . والطمْ هنا ليست من وحي المسلسل المصري (بوكي وطمطم) بقدر ماهي لازمة طمّية يورييّة قبل أن تكون موسيقية غنائية . وطـُم من طـَمّ ، وطـَمّ : دفنَ ، فتقول (جاء البول سيلاً فطـَمَّ الراعي والرّعية ، أي دفنهم وسوّاهم بالأرض) ، وكل شيء كثر حتى علا وغلب فقد (طـَمّ) من باب ردّ ، يقال : فوق كل طامة طامة ، ومنه سُميت القيامة طامة .
وباللهجة الشامية أو لهجة (عرب الشمال) كما تسميهم الرواية العنصرية البترولية فعندما يقول أحدهم لأحدهم : روح طـُـمْ حالك ولا ، فهو يقصد ( إدفن يا عار نفسك أحسن لك) ، وبالعراقية عندما يقال: طـُمّ خـريزة فالمراد بها لعبة أطفال شعبية موروثة ذهبت مثلاً إستهزائياً يتداوله الناس أثناء استخفافهم التصغيري بلعب الكبار كما هو حال قادة عرب اليوم في لعبتهم المفضوحة مع أمريكان الصفقات التسووية السّرسَـريّة ، أما القول العراقي المأثور : طبّـك طوب ، فمن الجائز أنه يفيد المعنى طمّـك طمي ، أي دفنك الطمي مثلما دفن المارينز الأمريكان الجنود العراقيين وهم أحياء في حرب بوش الأب عام واحد وتسعين ، وقبل ذلك مثلما فعلها (جنود الرب) بالجنود المصريين عندما دفنوهم وهم أحياء في سيناء عام سبعة وستين وبعد ذلك مثلما فعلها مارينز بوش الإبن عندما دفنوا الفلاحين العراقيين وهم أحياء تحت (طوب) بيوتهم في أكثر من مكان ، وكلمة (طوب) الأخيرة تعني (الطابوق اللبني المصنوع من معجون الطين المخلوط بالقش والمجفف بإشعة الشمس) وما دامت هي كذلك فهذا يعود بنا إلى البدء فنقول ، عندما يقول أحدهم لأحدهم : طبّـك طوبْ ، فقد يريد بها (شدخَتكَ طابوقة) على رأسك ، تماماً مثلما إعتاد الثائرون الفلسطينيون العزل إلا من (الطوب) أن يشدخوا به الجنود الصهاينة ليرد هؤلاء عليهم بالرصاص الحي الخارق الحارق المتفجر .
2
بما أن بول البعير بعـراني ، لا شيعستاني أو سنستاني ، فإنه ينهال فوق جميع الرؤوس علمانستاني ، أي إنه لا يميز بين لحى المعممين الروافض ولحى المعممين النواصب ولا بين صلعات هؤلاء وصلعات المعولمين ، فكلهم سواسية تحت رشاش اليوريا ، ذلك لأن شـعار البعير الرئيسي هو (الدين لله والدش للجميع ) ، أما شعاره الإحتياطي فهو (كلنا أحفاد آدم وآدم جد طيبة الذكر كونداليزا رايس والمطربة نانسي عجرم حتى وإن كانت الثانية بالتأكيد من نسل حواء والأولى بالإستنساخ من عنزة جرباء) ولله في خلقه شؤون ، لكن ليست تلك الشؤون التي تشيب لها الولدان من مثل الفنون الإباحية وأخبار التطبيع الخلاعية في غرف النوم التطبيعية على شاشات الفضائيات البعيرية أو اليعربية أو البعرانية أو العربانية أو العبرانية (لا فرق) ، فكله معنى واحد والمعنى في مؤخرة الحمار الفائز بلقب (ستار أكاديمية صناعة الموت التدريجي تحت إضاءات شلة عبدالرحمن الراشد في مركز شارون للدراسات التلمودية على بعد فرسخين من الكعبة من دون نقطة نظام رئصني بالعربي يا شالوم على طم طم طم في مقصف المقصوفة العمر صفقة القرن ) .
مهند بتار
3
ما زال البعير يرغو بحماسته القومية الهادرة : (صورا صورا صورا … كلنا كدا عايزين صورا … صورا للشعب العربي المطمور تحت خراب المعمورا ….. ، يا زمن طمْ صورنا طمْ … صورنا طمْ يا زمن ..) ، وهذه المرة فإن الطم من الطامة التي تعني القيامة ، القيامة التي تقوم على كل من يقوم أو يقول أو يلوّح أو يصرّح أو يهمس أو يحلم بالمقاومة سبيلاً لإستعادة الحق والكرامة ، فإن بدرت هذه الكبيرة من أي مسلم فقد كفر وصار على دين المجوس قال الشيخ الجليل سفيه الدين بن إسرائيل ، وأضاف : حين يجنح عدوك للسلم فاجنح للسلم ، فإن لم يجنح للسلم فاجنح للسلم وإن جنح للحرب فاجنح للسلم فإن غزى دارك فابسط له جناح الذل سجادة سلم وتوكل على بيان جامعة السلم العربية أو فاقرأ عليه للمرة المليون (مبادرة السلم الإستراتيجي) فإن أوغل في العدوان فأوغل أنت في السلم حتى إذا ما أوشك أن ينزع عنك سروالك فاستنجد بالسلم فإن تمادى فحسبك السلم ، قال وإن تجاسر فملاذك السلم وإن أفصح عن غرضه فأعطه دُبر السلم وإن سدد سهمه في دُبر السلم فاصبر على ما أصاب سلمك واكتم ، إنّ مع العسـر يسـرا ، إنّ مع العسـر يسـرا ، إنّ مع العســ ـ ـ ـ ، كرّرَها لمرتين ونصف قبل أن يفطس على حين غرّة .
4
في وسط المنامة ترتفع شامخة زلعة ماء ممجوج هائلة (وقيل زير كبير غوير ، وقيل برميل عريض طويل ، وكله صحيح) ، ومنها شرب البعير الماء الممجوج حد التخمة قبل أن يقصد غزة ، وفي الطريق إلى غزة أوجعته معدته وأزحمته حتى إذا ما أوشك أن يفعلها صادفه أعرابي يرفع بكلتي يديه لافتة تقول : (نعادي إسرائيل لأنها إسرائيل وليس لخطرها . ربينا على ذلك وكذلك ربيوا هم على ذلك فكان الحاجز النفسي بين الطرفين . الخطر الحقيقي في الخليج هو إيران ، ولكن غشاوة الحقد التقليدي على إسرائيل تمنع تبين هذه الحقيقة . سيقال متصهين ، ليكن ، ولكن صهينة من أجل بلدي خير من قومجية أوردتنا المهالك) . ولما انتهى البعير من مطالعة اللافتة سأل الأعرابي عن إسمه ، فأجابه هذا : أنا النجدي تركي بن الحمد بن شديد النفاق الكافري ، وأنا صابر بن صامد بن مكابر بن مجالد ، قال له البعير قبل يطمّه بغتة بجبل من معجون البعر الحار ، فطفق الأعرابي يتلوى تحت ثقل البعر اللاهب لأربع دقائق ثم همد وانقطعت أنفاسه ، وعندها استأنف البعير مسيره إلى غزة وهو يردد بحرقة : وسوى الروم خلف ظهركَ رومٌ … فعلى أي جانبيكَ تميلُ .
5
الأخيرة مردودها عليكم ، قالها البعير بعد أن أفرغ إحليله مما يسـد به رمق العطاشى ثم برك على التل وراح يجتر وعينه على المطمومين ببوله أسفل التل حتى داهمه النعاس فنام ، وفي المنام لم ير الحلم العربي … لم ير شيئ … لم يحلم بأي شيئ .
مهند بتار