2024-11-26 07:25 م

يوم تُنحر فيه فلسطين وقدسها برضى "العرب" والعالم

2018-05-15
بقلم: ميشيل كلاغاصي
لأجلكِ يسقطون شهداء , لأجلكِ يُهراق الدم الزكي , لأجلكِ يا مدينة الصلاة نُصلي .. نقل السفارة يومٌ تُنحر فيه فلسطين برضى "العرب" والعالم , وما يقارب الخمسون شهيدا ً وألفي جريح حصيلة مسيراتِ حق العودة في بضعة ساعات لمواجهةٍ رهيبة في يومٍ يكاد لا ينتهي , لا أحد يعرف ما ستكون عليه حصيلة الاّلام في هذا اليوم الدامي , مواجهةٌ تحت أنظار العالم الصامت المتخاذل , الذي جاء ليحتفل وليرقص بين ذراعي إيفانكا ترامب شاهدة الزور على قرار أبيها الذي وهب القدس لليهود عاصمة ً أبدية , وعلى وقع كلام السفير الأمريكي هناك : "اليوم نفي بوعدنا". فقد نزع دونالد ترامب قناعه الأمريكي ليظهر وجهه الصهيوني القبيح، فالقدس بنظره هي عاصمة "إسرائيل" ونقل السفارة الأمريكية إليها أصبح واقعا ًوتنفيذا ً لأمرٍ رئاسي أمريكي ، لا يعدو أكثر من جريمة لا أخلاقية سياسية متهورة تشكل مخالفة سافرة لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والتي منها ما يمنع "إسرائيل" بالمطالبة بفرض سيادتها على كامل المدينة، ويبقى الأهم هو التلاعب بمصير الفلسطينيين بعدما ضحوا ودافعوا عن حقوقهم ووجودهم وأسوار مدينتهم المقدسة سبعين عاما ً. فقد اعتبر ترامب أنّه ل "إسرائيل" الحق في"تحديد عاصمتها كغيرها من الدول"، وأن القدس هي "العاصمة التي أسسها الشعب اليهودي منذ قديم الزمان" ، وجعلوها بلدًا عاش فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون بحرية ويمارسون عباداتهم وفق معتقداتهم، متجاهلًا حقيقتها العدوانية العنصرية التي قامت على أساس إغتصاب الأراضي الفلسطينية وتهويدها، كما تجاهل أهدافها بإقامةٍ دولة يهودية وأفعالها التي لم تحترم يومًا مقدسات الغير ولم تتورع عن تدنيس مساجدهم وكنائسهم, والأهم فقد تجاهل عروبتها وأصالة شعبها وتاريخية وجودهم وجذورهم فيها، وأنها عاصمتهم منذ الأزل والتي خاضوا من أجلها عشرات الحروب وتمسكوا بالقدس كعاصمة لهم عبر التاريخ. لقد توّج وترجم دونالد ترامب جملة العوامل المتعلقة بولائه الشخصي وكرئيس أمريكي للصهيونية وعلى خطى من سبقوه من الرؤساء الأمريكيين, بالإضافة إلى حالة الشرذمة والضعف والتفكك العربي والتي وصلت حد العمالة والخيانة لمعظم الحكام والحكومات العربية، الذين نقلوا عروشهم وإمكاناتهم من كتف العروبة إلى كتف الصهيونية ، وبلغوا من الوقاحة حد الإعلان والكشف عن علاقاتهم السرية والعلنية وتحوّلهم عن العداء الصهيوني واستبداله بالعداء لأعداء واشنطن و"إسرائيل"، فأصبحت إيران وسورية وحركات وأحزاب وفصائل المقاومة وكل من حمل راية الدفاع عن الإنتماء والهوية والحقوق العربية عدوهم الأول ، وباتت "إسرائيل" الحليف والصديق وربما الشقيق.. وخاضوا بالنيابة عنها حروب "الربيع العربي" المزور، وتصدروا معركة تصفية القضية الفلسطينية وتدمير عواصم المقاومة ، وسعوا إلى تسويق مفهوم المقاومة تحت مسمى الإرهاب كمقدمة لتقديم الوطن الفلسطيني هدية ً للكيان الصهيوني على طبقٍ من خذلانٍ وتآمرٍ عربي - صهيو- أميركي. وياللأسف .. فقد سار العرب بركب تحويل الصراع القومي إلى صراعٍ ديني ، ولم يعرفوا أن دفاعهم الأساسي هو عن دولة فلسطين وهويتها وانتماءها العربي بما يشمل الأرض والشعب والمقدسات، وما يشكل من واجبٍ وطني وقومي وإنساني مقدس يُلزم جميع الفلسطينيين وجميع العرب والأحرار في العالم بالدفاع والوقوف معهم، ولو فعلها العرب لما وقعوا فريسة الفتن الطائفية والمذهبية التي استغلها أعداء الأمة في تحقيق كامل أهدافهم لولا صمود الدولة السورية وحلفائها وشرفاء العالم الحر.. ولكانت نصف الدول العربية الآن تحت حكم الإخوان المسلمين بالقيادة التركية ونصفهم الآخر تحت القيادة التلمودية الوهابية بالقيادة الإسرائيلية المباشرة، ولكان عدد الدول والدويلات العربية يسجل رقمًا قياسيًا بين الأمم. ويبقى من اللافت إختيار دونالد ترامب توقيت نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وبالتوازي مع ما يسمى إسرائيليا ً ب"عيد الإستقلال" ، كهدفٍ سيكولوجي يعالج فيها خيباته وأزمات فريقه الإرهابي الدولي- الإسرائيلي- الخليجي، ولإخراجهم من أزمة حصاد هزائمهم في سورية والعراق واليمن ولبنان، والهزائم الكبرى إقليميا ً في مواجهة إيران ، ودوليا ً بمواجهة روسيا وحلفائها بمواجهة خصومها ومنافسيها في أوروبا والشرق الأقصى والأدنى. نقف بخشوع وإجلال أمام تضحيات شعبنا الفلسطيني الأعزل الذي أثبت أنه شعب لا يقهر وأن كباره لا يموتون وأن صغاره لا ينسون , وكم يليق بقادة الدولة الفلسطينية وقادة حركات المقاومة وفصائلها المسلحة أن تضع خلافاتها جانبا ً، وأن يحذو حذوهم جميع من تخاذلوا من قادة وحكام النظام الرسمي العربي، فالشعوب العربية بلغت من الوعي والرشد ما سبق قادتها بأضعاف وربما يكون الوقت مناسبا ً للمّ الشمل والوقوف وقفة رجل واحد ، ففلسطين تحتاج لجهود ومقدرات كل الأمة ، ولا بأس أن تتقدم الشعوب حكامها، وأن تصل متأخرا ً خيرا ً من ألّا تصل.