جرائم السعودية العشوائية في اليمن وصلت إلى مرحلة “هستيرية” تشبه حالة “الذبيحة” التي لم تمت بعد وما زالت تقاوم للبقاء على قيد الحياة، هذا هو حال المشروع السعودي في اليمن الذي يدفع بكل ما أوتي من عزم وقوة وجموح لإبقاء مشروعه حيّاً على أرضٍ لم تعتد يوماً على “التبعية” لأحد ولم تعتدِ على أحد، كل همها العيش بكرامة وتأمين حياة كريمة لأبنائها.
مصاب اليمن الذي أُعلن عنه منذ يومين كان وقعه قاسياً على أبناء اليمن على اختلاف انتماءاتهم لأن الذي استهدف كان رجلاً سياسياً بارزاً يملك شعبية لا يستهان بها تكونت بعد مسير نضالي طويل دافع فيه عن وحدة اليمن داعياً للحوار بين جميع الأطراف رافضاً العدوان على بلاده متحدياً ماكينات العدوان العسكرية وأسيادهم الأمريكيين قائلاً لرجلهم في اليمن في آخر تصريح له: ” سنستقبلك على خناجر بنادقنا” موجهاً كلامه للسفير اليمني هناك، نعم نحن نتكلم عن الشهيد “صالح الصماد” الذي سبّب نبأ استشهاده غصة لجميع اليمنيين لن تبرد نارها قبل أن يتم الانتقام له من خلال الرد على هذا الاغتيال بجميع الوسائل الممكنة، وهذا ما أشار إليه زعيم “أنصار الله” عبد الملك الحوثي عندما أعلن نبأ استشهاد الصماد.
طالت يد الغدر السعودي الصماد يوم الخميس الماضي إثر غارة جوية شنتها مقاتلات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، على محافظة الحديدة، ولكن لم تُعلن “أنصار الله” نبأ استشهاده حتى يوم الاثنين؛ الصماد كان يشغل منصب رئيس المجلس السياسي الأعلى وكان له أيادٍ بيضاء في إقامة حوار بين أطراف الصراع في اليمن وهذا ما لا تريده السعودية ومن خلفها الإمارات اللتان عجزتا عن إحداث أي تغيير سياسي لمصلحتهما في اليمن، فكان الرد باغتيال رجل السياسة الأول في اليمن وهذا دليل عجز حقيقي لمخابرات البلدين الذين عجزا عن تثبيت أقدامهما في المناطق التي تدّعي أنها حررتها.
ولكن السؤال الذي يدور في أذهننا لماذا تأخرت “أنصار الله” في إعلان الخبر ولماذا لم تسرع السعودية في إعلانه طالما أنها لم تخفِ فرحتها العارمة بتحقيق هذا الإنجاز “الاستخباراتي”؟ّ
أولاً: كانت “أنصار الله” ترتب البيت الداخلي للحركة وتعمل على اختيار بديل للشهيد “الصماد” لكي توكل إليه المهام الجديدة والتي تحتاج إلى سياسي يعمل عليها بشكل “ذكي” نظراً لحساسية المرحلة، وبالفعل اختار “أنصار الله” مهدي المشاط ليكون خلفاً للشهيد الصماد، وكان المشاط ممثلاً لجماعة “أنصار الله” في المفاوضات مع هادي قبل الحرب، وهو شخصية صلبة وقاسية.
ثانياً: توحيد القيادات في صنعاء والعمل على توحيد الصفوف بين أبناء الحركة لمنع حدوث أي اختراق أمني قد يقوّض عمل “أنصار الله” وبالفعل خرجت الحركة بخطاب مطمئن تحدث عن متانة الجبهة الداخلية وتماسكها.
ثالثاً: البحث عن خيارات الردّ واتخاذ موقف حاسم من عملية الاغتيال، وقد عبّر عن هذا الأمر السيد الحوثي الذي قال عقب الاجتماع الطارئ للمجلس السياسي الأعلى، بأن “هذه الجريمة لن تمرّ من دون محاسبة”.
رابعاً: كان محيّراً عدم إعلان السعودية خبر اغتيال الشهيد الصماد علماً أنها سعيدة جداً بهذا النبأ، لكن هذا يوحي لنا بأمر آخر وهو الضعف الأمني السعودي، وعدم وجود أي معلومات أمنية حول من قتلت الغارة الجوية، والسبب بسيط وهو أن السعودية تقصف اليمنيين بشكل عشوائي ومتواصل ومن حسن حظها أن الشهيد الصماد كان في النقطة التي استهدفتها الطائرات السعودية، لأن الشهيد يزور شهرياً الحديدة ولا يختبئ في القصور، إنما كان يتابع بشكل شخصي مجريات الأحداث على الأرض، وما يؤكد عشوائية القصف المجزرة الأخيرة التي ارتُكبت ليل الأحد ــ الإثنين في محافظة حجة، وأدت إلى مصرع 33 مدنياً معظمهم نساء وأطفال، وجرح 55 آخرين.
في مقابل هذا العنف غير المبرر دعونا ننقل لكم ما قاله الإعلامي محمد العرب، خلال حديث له بجامعة حائل في السعودية حول آلية عمل السعودية في اليمن: “إن دول التحالف العربي ليسوا غزاة، بل هم فزعوا لنجدة أبناء عمومتهم في اليمن، لافتاً إلى أن التحالف يستطيع بطلعة جوية واحدة أن يحرق الأخضر واليابس في اليمن”، مؤكداً: “أن الصماد كان تحت هدف إحدى مقاتلات التحالف العربي ولكن الطيار رفض استهدافه بسبب وجود أطفال، لافتاً إلى أن هناك حوادث كثيرة مشابهة لهذا الأمر”.
هذا الوجه السموح لم يظهر أبداً في العدوان السعودي على اليمن الذي أغلق جميع منافذ البلاد وهدد حياة الملايين، وتسبّب بإصابة مليون طفل يمني بالكوليرا وكان سبباً رئيساً في تجويع 10 ملايين يمني، لدرجة أن الأمم المتحدة، التي تحاول غضّ الطرف عن جرائم آل سعود خرجت عن صمتها وقالت: يشهد اليمن “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، كما يواجه خطر المجاعة.
في الختام؛ خيارات الرد على اغتيال الصماد قد يترجمها “أنصار الله” عبر شقين، الشق الأول: الوفاء للصماد بجعل هذا العام عاماً بالستياً بامتياز، الثاني: تنفيذ عمليات اغتيال بحق قادة التحالف وربما داخل السعودية نفسها خاصةً أن عملية الاختراق سهلة نظراً للحدود البرية الواسعة من جهة، والضعف الأمني في البنية السعوديّة من جهة أخرى، لا ندري ما يجول في أذهان قادة أنصار الله، لكن كل الخيارات متاحة ولطالما عودونا على المفاجأت.
(الوقت)