2024-11-22 01:54 ص

«مصر بعيون نسائية أوروبية» ... حكايات الشرق الغامض

2018-04-06
الباحث تساؤلات عن دوافع هؤلاء الرحالة الأوروبيات اللاتي تأثرن بالحكايات والروايات المثيرة عن الشرق الغامض الساحر وبلاد ألف ليلة وليلة وأهدافهن في الشرق العربي ومصر؛ أكان ترحالهن مدفوعاً بهوس أم هاجس أو بحثاً عن مغامرة فذّة، أو جاء أحياناً بدافع العلم والاستكشاف والسياسة أو غير ذلك. ويرى المؤلف أن الأهداف السياسية تحتل مكانة خاصة لاستكشاف «عالم راكبي الإبل وحاملي السيوف»، وربما بقصد تحويل سلوكيات المرأة العربية المسلمة لتحاكي السلوكيات الأوروبية وتحويل المجتمع من التقاليد الشرقية لينفتح على تقاليد الغرب؛ وقد أتاح لهن ولوج «عالم الحريم» وصفاً أدق لجانب مهم في الحياة الاجتماعية؛ فلم يكن مسموحاً للرجال مجرد الاقتراب منه سواء في خيمة أم بيت أم دار أحد الأثرياء أم قصر من قصور الحكام.

وكانت فولكان ضمن إرسالية «الأخوات السان سيمونيات» عام 1834م، وعاشت في مصر تجربة ثرية حتى نهاية عام 1839م.

وتعد مذكرات فولكان الأكثر شجناً من بين كل ما كتب في أدب الرحلة عن مصر. في مذكراتها، أطلقت فولكان على نفسها (بنت الشعب) وقد عنيت المكتبة الوطنية في باريس والأكاديمية الفرنسية بهذه المذكرات التي اعتبرت وثيقة نادرة لتلك الفترة. بدأت فلوكان ذكرياتها مِن الإسكندرية والظروف القاسية للعمال المصريين خلال حفر قناة المحمودية، ورصدت مظاهر الشرق على حياة الشعب، فكتبت: «إن هذا الشعب يبدو عبقرياً في صمته، وفي مواجهة صعوبة الحياة بلفظة الله كريم». وتدون فولكان انطباعاتها عن المرأة، فتكتب في تعبير بليغ: «النساء أجسادهن لا بأس بها، فهن لا يخضعن لأي نوع من القهر وبالتالي تنمو أجسادهن في شكل طبيعي أشبه بانطلاق النخيل. والفلاحة المصرية تضع البرقع، ولكن خلف هذا القناع تبدو فتنة اللون البرونزي المحبب للعيون. والمرأة المصرية– بعامة- قد لا تكون جميلة ولكنها تتميز بالرقة والجاذبية والابتسامة البيضاء والضحكة الصافية الصادرة من القلب، ما يجعل من هذا الجمال – المتواضع- إشراقة فاتنة. والقرويات أذرعهن قوية وأقدامهن صلبة ومشيتهن نبيلة مترفعة. القروية تنساب في مشيتها كما ينساب النيل، ومن الغريب أنها تحمل الكثير فوق رأسها ومع ذلك لا يهتز جسدها فتبدو راسخة فوق الأرض رسوخ الأهرامات». وفي السابع والعشرين من شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 1862 وصلت إلى مصر الليدي لوسي داني جوردون؛ التي كانت أكثر فهماً للسلوكيات والعادات والتقاليد، وأكثر تقديراً لنساء مصر، والتي ودعها ثروت عكاشة في كتابه «مصر في عيون الغرباء»؛ قائلاً: «إننا أوفياء لذكراك وذكرى تعاطفك مع أهل مصر وهيامك بهم وهيامهم بك، حتى وقف على بابك يوماً شيخ العرب يطلب يدك بكل ما يملك فقد بدوتِ في عينيه أميرة عربية عريقة جديرة بعنترة بن شداد أو بأبي زيد الهلالي». الليدي جوردون؛ هي إحدى نجمات المجتمع البريطاني، كان والدها محامياً شهيراً وأستاذاً للقانون في جامعة لندن ووالدتها كانت سيدة أرستقراطية تكثر من حفلات الاستقبال. وهي أفادت من صداقات أمها بكبار الأدباء البريطانيين، بالإضافة إلى بعض الفلاسفة ورجال السياسة، واعتادت أساليب المسلمين في حياتهم فتقول: «بسم الله الرحمن الرحيم» عندما تشرع في عمل ما، وتقول «إن شاء الله» إذا عزمت على شيء، وإذا أعجبت بشيء قالت: «ما شاء الله». وهي اهتمت بوصف مصر ومعتقداتها واحتفالاتها الدينية: «ليس مار جرجس في الواقع إلا آمون رع إله الشمس، ولا يزال موضع التقديس عند الجميع. أما السيد البدوي فهو صورة أخرى لأوزوريس، ويحتلفون به مرتين في السنة في طنطا. والنساء المصريات حتى اليوم يطفن بالتماثيل القديمة حتى ينجبن أطفالاً والاحتفالات بالموالد ليست من الإسلام إنما هي عادات مصرية قديمة». وتحدثت جوردون عن مظاهر انتشار الطاعون، كما تناولت العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وأشارت بشيء من التفصيل إلى الرفاهية التي شهدها الشعب المصري في عهد سعيد باشا، وأفكار الحداثة الأوروبية والمشاريع الطموحة التي شهدتها مصر في عهد إسماعيل؛ حيث البناء والتشييد من ناحية والإسراف والتفريط من ناحية أخرى؛ فاضطرب حال البلاد». ويتحدث الباحث عن الرحالة إميليا ب. إدواردز؛ التي تعد من أهم المؤرخين المتخصصين في وصل الحلقات التاريخية للنيل: «أحببتُ فهمها تقاليدنا المصرية، وتسجيل كل التفاصيل التي تمكن ملاحظتها واهتمامها بوصف أول مرة ركبت فيها جملاً». واستمرت إميليا بعد عودتها إلى بلادها في اهتمامها بعلم المصريات، فقد أنشأت صندوق تمويل بعثات الحفائر في مصر، كما قامت بحملات لحفظ وترميم الآثار وتوفيت عام 1892 تاركة مكتبتها لجامعة لندن، مع بعض الأموال لإنشاء أول كرسي لعلم المصريات في بريطانيا، كما تركت واحداً من أهم المؤلفات الكلاسيكية في تاريخ النيل. ولا يفوت الباحث هنا أن يكتب: «نحن ممتنون لإميليا ومعلوماتها الأثرية الغزيرة، لكننا أكثر امتناناً لذلك التصوير الدقيق للطبيعة البشرية، بما أضفى على صفحات مؤلفها من حياة، فكم أعشق سخريتها الذاتية».

أما جولييت دي روبرسا فكانت بين الرحالات والأدبيات الأوروبيات اللاتي رحلن إلى مصر وكن مزودات بقراءاتهن عنها في المصادر الكلاسيكية والآداب المعاصرة والاستشراق الأكاديمي، إلا أن الناحية الجمالية البحتة هي التي طغت على رحلاتهن واستأثرت بأفكارهن واهتمامهن. ويشير الباحث إلى أنه من الناحية السياسية، قامت بعض الرحالات بخدمة بلادهن، في شكل فاق قدرات كثير من الرجال الديبلوماسيين والعسكريين، وعلى رأسهن جيرترود بل التي لعبت أخطر الأدوار في تاريخ العرب، وبعضهن تركن بصمات واضحة في تاريخ أدب الرحلة.

زارت الكونتيس دي ربروسا مصر في بداية عهد الخديوي إسماعيل عام 1863 ودوّنت مشاهداتها وانطباعاتها في كتابها «الشرق مصر- يوميات رحلة»؛ وتطل دي ربروسا على مدينة القاهرة من فوق سطح «شبرد أوتيل»، فتكتب: «ينفتح أمام أعيننا مشهد تتصدره مدرسة السلطان حسن – درة العمارة الإسلامية – وتموج من ورائها مدنية القاهرة، آلاف الشوارع تتوسطها الميادين وتتجاور فيها المساجد المملوكية والعثمانية والوكالات والأسبلة وقد تخلو القاهرة من أماكن اللهو والمرح ولا تجد تخطيطاً معمارياً موحداً ولكن لعل هذا التخطيط المتميز بالتحرر من قيود التماثل هو سر جمال المدينة الهادئ».

أما فلورانس نايتنغيل، رائدة علم التمريض التي ولدت في فلورنسا في إيطاليا في الثاني عشر من أيار (مايو) 1820 (وقد أصبح يوم ميلادها يوم التمريض العالمي) في عائلة بريطانية ثرية فقد لاحظت زحف ملامح المدينة الأوروبية على المدينة التي شهدت اهتماماً خاصاً من محمد علي باشا. وقد حظيت بزيارات «حريم الباشا» سراي رأس التين وحينما وصلت الى القاهرة انتفدت الكثير مما شاهدته ولكنها أحبتها فكتبت: «القاهرة هي زهرة المدائن، حديقة الصحراء ولؤلؤة العمارة إنها حقيقة أجمل مكان على وجه الأرض. ومن أعلى مسجد محمد علي باشا شاهدت أجمل منظر في العالم كله فكتبت: «فعند أقدام المسجد ترقد القاهرة العظيمة؛ غابة من المآذن والقباب والأبراج والمشربيات»، لكنها في الوقت نفسه أعربت عن أسفها لأن تطبع مصر بطابع أوروبي.
المصدر: الخياة