جرت القاعدة العامة في العلاقة بين الأردن والولايات المتحدة على ألّا يغيب الأول عن موازنات الإدارات الأميركية المتعاقبة. حتى بعد أن حبست عمان أنفاسها إزاء تأخر إدارة دونالد ترامب بداية العام الجاري إعلان حجم المساعدات المخصصة للمملكة، جاءت أخيراً زيارة وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، في منتصف شباط الماضي، حاملاً معه مذكرة تفاهم لخمس سنوات، تتلقى السلطات الأردنية بموجبها ما مجموعه ستة مليارات دولار كمساعدات اقتصادية وعسكرية.
أوجه الإنفاق لهذه المليارات متعددة، وخصوصاً مع تغلغل مشاريع «الوكالة الأميركية للتنمية» (USAID) في القطاع الحكومي أو عبر برامجها «التنموية» المباشرة مع المجتمع المحلي في مختلف محافظات المملكة. من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال الدور العسكري والأمني الذي تلعبه واشنطن على الأرض الأردنية، باعتبار النظام أحد أهم حلفائها في الإقليم في ما يخص محاربة «الإرهاب»، خاصة أنه يمتلك حدوداً مشتركة مع العراق وسوريا معاً، إلى جانب أطول خط حدودي «هادئ» مع فلسطين المحتلة.
الحدود أولاً
انتهت السجالات المحمومة حول الإنفاق الحكومي الأميركي الأسبوع الماضي بموافقة ترامب ــ في الساعات الأخيرة ــ على مشروع قانون فاتورة الإنفاق الحكومي الشامل لمدة ستة شهور لكل القطاعات، والمقدرة بـ1.3 تريليون دولار. ومع أن الأمر يبدو شأناً داخلياً خالصاً، فإن القانون الذي تجاوز نصّه ألفي صفحة ذكر الأردن عدة مرات في معرض الإنفاق الدفاعي، إذ خُصّصت مساعدات بموجبه تصل إلى نصف مليار دولار للحكومة الأردنية تقدّم إلى القوات المسلحة عن طريق «وكالة التعاون الأمني الدفاعي» التابعة للبنتاغون، وذلك بهدف تعزيز الأمن على طول الحدود.
مشروع أمن الحدود الأردنية المدعوم أميركياً، والمقدر بمبلغ 300 مليون دولار، وقّعه الأردن مع شركة «رايثيون» المتخصصة في مجالات الدفاع والحكومة المدنية وحلول الأمن الإلكتروني، وذلك في عقد يغطي 115 ميلاً (كامل الحدود مع العراق) و160 ميلاً من الحدود مع سوريا. كذلك هناك تعاقد إضافي ستكتمل به المرحلة الأخيرة من الحدود الشمالية القريبة من فلسطين المحتلة بطول 12ميلاً، طبقاً لما أوردته الشركة في موقعها، علماً بأن هذا المثلث من الأرض السورية يسيطر عليه تنظيم «داعش».
وهذا العام يتسلم الجيش الأردني إدارة العمليات التشغيلية بصورة دائمة، وستتمركز محطات المراقبة المتنقلة وقوات الرد السريع في «نقاط الضعف» أو «النقاط الساخنة الناشئة»، في وقت تكفّلت فيه «وكالة الدفاع والحد من التهديد» (DTRA)، التابعة أيضاً للبنتاغون، بالتكلفة المالية للمشروع، أي إن وكالات وزارة الدفاع الأميركية تعمل بالتنسيق في ما بينها لتنفيذ خططها الاستراتيجية في المملكة. وقبل يومين، زار المدير العام لـ«DTRA» فايل أكسفورد الأردن والتقى رئيس هيئة الأركان المشتركة، الفريق الركن محمود فريحات، من دون إعلان أي تفاصيل للزيارة، لكنها بالضرورة متعلقة بموضوع أمن الحدود الذي يُذكر بصورة مكثفة منذ بداية العام في بيانات الجيش.
إلى جانب ذلك، يُدرج الأردن في موازنة الدفاع الأميركية للتشغيل والإدارة عن عام 2018، المتعلقة بالتعاون للحد من التهديد بالأسلحة في عدة مجالات، كتدمير الأسلحة الكيميائية، وأيضاً تحضر المملكة في مشاريع الأمن النووي العالمي، إذ يُشرك أردنيون في ورشات العمل وحلقات تدريبية، ما يؤهل قيادات أردنية لتأمين أمن مواد الطاقة النووية وضمان أمن المواد الإشعاعية النووية المحظورة وذات المخاطر العالية. وبنهاية 2018، ستنتقل أيضاً مسؤولية عمليات التدريب على التهديدات بالأسلحة البيولوجية إلى المملكة، فضلاً على إشراك عمّان في خطة منع انتشار هذه الأنواع من الأسلحة.
مكافحة «الإرهاب»
تنخرط الخارجية الأميركية في مشاريع داخل الساحة الأردنية تعلن بوضوح على موقع السفارة الأميركية، وكان آخرها افتتاح الخارجية والحكومة الأردنية «أكاديمية إقليمية جديدة للتدريب على مكافحة الإرهاب»، وذلك بإشراف مساعد وزير الخارجية الأميركي للأمن الدبلوماسي، مايكل إيفانوف، والقائم بالأعمال في السفارة لدى عمان هنري وستر (لم يُعيّن سفير أميركي منذ عام إلى الآن). وحضر عن الجانب الأردني قائد الشرطة الخاصة الأمير راشد (ابن عم الملك عبد الله)، والمدير العام لقوات الدرك، اللواء الركن حسين الحواتمة، فيما أعلن أن تمويل الأكاديمية وتجهيزها كانا على يد «برنامج المساعدة على مكافحة الإرهاب»، التابع لوزارة الخارجية، وهو متصل أيضاً بقوات الدرك الأردنية. ووفق تصريح للسفارة الأميركية، نجحت الحكومة الأردنية على مدى 30 عاماً في إثبات نفسها «كشريك ثابت لبرنامج المساعدة على مكافحة الإرهاب... أصبح الأردن مركزاً إقليمياً رئيسياً، حيث يدرّب برنامج المساعدة على مكافحة الإرهاب الشرطة الأردنية ومثيلاتها، ممّا لا يقل عن 21 دولة أخرى».
بصورة عامة، تمثل الولايات المتحدة أكبر جهة مانحة في الأردن، إذ تلقّى الأخير عام 2017 قرابة 1.3 مليار دولار من المساعدات الخارجية الثنائية، و200 مليون دولار كدعم من وزارة الدفاع للقوات المسلحة الأردنية. أما مذكرة التفاهم الخمسية (2018 ــ 2022)، فتتضمن زيادة سنوية قدرها 275 مليوناً من المساعدات الخارجية الثنائية مقارنة بمذكرة التفاهم 2015 ــ 2017. وتمثل هذه الزيادة، وفق الخارجية الأميركية، «الالتزام المستمر بالشراكة الأميركية ــ الأردنية». كذلك، تدعم مذكرة التفاهم «جدول أعمال الإصلاح السياسي والاقتصادي للملك عبد الله الثاني، وتخفف في الوقت عينه عبء اللجوء السوري»، لكن المبالغ المرصودة للاجئين أنفسهم، والمقدّرة وفق وزارة الخارجية بـ1.1 مليار دولار منذ بدء الحرب على سوريا، غير مشمولة بمذكرة التفاهم.
أخيراً، تلزم مذكرة التفاهم بتوفير ما لا يقل عن 750 مليون دولار من صناديق الدعم الاقتصادي و350 مليوناً من التمويل العسكري الخارجي للأردن على مدار خمس سنوات مقبلة، فيما على عمّان التزام «إعطاء الأولوية لإصلاحات القطاع الاقتصادي والأمني التي تهدف إلى دعم الاعتماد على الذات»، وهذا ما يروّج له الفريق الاقتصادي الجديد للحكومة بعد التعديل الأخير في حقائبها من جهة، ويتطابق مع اشتراطات البنك وصندوق النقد الدوليين من جهة أخرى.
(الاخبار)