لم تقتصر زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لواشنطن التي تستمر قرابة 3 أسابيع، على لقاء مسؤولي البيت الأبيض ورجال الأمن والأعمال الأمريكيين فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى لقاءات إعلامية وفنية أخرى شملت بعض أباطرة الإعلام ونجوم هوليوود.
الزيارة تخطت بُعدها السياسي والاقتصادي والأمني إلى آفاق أخرى تصب في منهجية ابن سلمان الساعي من خلالها إلى تقديم أوراق اعتماده لخلافة والده على عرش المملكة، استنادًا إلى تصدير صورة جديدة للسعودية ينسف من خلالها النظرة القديمة التي طالما كانت محط انتقاد غربي، حتى لو كان ذلك عبر الإطاحة بمرتكزات بلاده الأساسية.
الصحف الأمريكية والأوروبية على حد سواء، تطرقت إلى تلك الإستراتيجية الجديدة التي يتبناها الأمير الشاب نحو التسويق للسعودية الجديدة وذلك بعد الإجراءات التي اتخذها وتوصف بـ"الإصلاحية" سواء فيما يتعلق بحقوق المرأة والشباب أو تقليم أظافر التيار الديني وتحجيم نفوذه داخليًا.
تسويق للسعودية الجديدة
التقى ابن سلمان خلال حفل عشاء على هامش الزيارة بعدد من كبار رجال الإعلام والفن، منهم إمبراطور الإعلام روبرت مردوخ، كذلك الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري، وتيم كوك، هذا بخلاف عدد من نجوم السينما الأمريكية، بحسب ما نقلته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
الصحيفة التي عنونت لموضوعها بـ"الأمير السعودي يبيع صورة السعودية المتطورة من واشنطن دي سي إلى هوليوود" تطرقت إلى عرض ولي العهد السعودي فرص لمشاريع تجارية واستثمارية مع هؤلاء النجوم، سواء داخل المملكة أو في الولايات المتحدة، في محاولة لتفعيل العلاقات بين هوليوود والرياض، وفتح صفحة جديدة بينهما على أساس من الشراكة والمنفعة المتبادلة.
شادي حميد الباحث في معهد بروكينجز، أوضح في التقرير الذي نشرته "الغارديان" قائلًا: "هناك اهتمام وانفتاح تجاه محمد بن سلمان، أعتقد أنه نجح في تقديم صورة السعودية الجديدة، لدى الأمريكيين نقطة ضعف؛ فهم يعتقدون أن العرب لا يمكنهم أن يقرّروا أفعالهم، وبغض النظر عن حقيقة ذلك فإن الطروحات التي قدمها ابن سلمان بالتأكيد ستجد لها جمهورًا هنا في أمريكا".
غسل السمعة خارجيًا
حرص ابن سلمان منذ تعيينه وليًا للعهد يونيو/حزيران الماضي، على تقديم نفسه أنه مصلح، ويسعى إلى تحديث النظام في بلاده والتصدي للتيار السعودي المحافظ القوي، بحسب ما ذكرت "الغارديان"، مضيفة أنه سعى لترجمة ذلك فعليًا عبر عدد من الخطوات التي سعى من خلالها إلى تعهّده "بأن يحطم القيود الاجتماعية الصارمة في بلاده التي أكسبت السعودية سمعة سيئة دوليًا بوصفها أكثر الأنظمة قمعية في العالم، فعمل على رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، وسمح بإعادة افتتاح دور السينما".
حملة العلاقات العامة التي يقودها ابن سلمان في الولايات المتحدة من الواضح أنها كانت سخيّة جدًا، إلا أن ذلك لم يمنع الكثير من المتابعين للشأن السعودي من اليقين "بأن تلك الخطوات ليست سوى قشرة ناعمة وستار دخان بهدف إخفاء الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، والسياسة العدوانية بالشرق الأوسط التي انتهجها ولي العهد السعودي"، وهو ما أكدته الصحيفة بإشارتها إلى أنه "واجه معارضة قوية من مشرّعين في الكونغرس الأمريكي، بسبب الحرب الكارثية التي تقودها السعودية في اليمن التي أدت إلى مقتل الآلاف من المدنيين".
الصحيفة اختتمت تقريرها بتوبيخ نادر تعرضت له المملكة، حين قالت لجنة من الخبراء المستقلّين في الأمم المتحدة "أكثر من 60 ناشطًا معروفًا، بينهم صحفيون ورجال دين وأكاديميون، اعتُقلوا منذ سبتمبر الماضي"، مشيرة إلى أن الخبراء وصفوا في بيان لهم نظام الرياض بأنه "نظام استبدادي وأصبح أكثر استبدادية".
يذكر أن الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية الأخرى خلال الآونة وجهت إدانات للرياض بسبب ما ترتكبه في اليمن من قتل للأطفال وتشريد للأسر، واستخدام أسلحة عليها العديد من علامات الاستفهام في حربها المستمرة هناك منذ 3 سنوات، وهو ما دفع العديد من أعضاء البرلمان سواء في بريطانيا أو فرنسا أو حتى أمريكا للمطالبة بوقف الدعم المقدم للسعودية وحظر تصدير السلاح لها.
الاتهامات الموجهة للمملكة لم تقتصر على ما يحدث في اليمن وحسب، بل إن اعتماد سياسة التنكيل بالمعارضة وإسكات أي صوت يغرد خارج السرب بالقوة كان أحد أبرز سهام النقد التي وجهت للسلطات السعودية؛ مما دفع ولي العهد إلى طرق الأبواب الممكنة كافة لتحسين تلك الصورة السلبية، معتمدًا على المال في شراء نفوذ إعلامي وسياسي خارجي قادر على القيام بهذه المهمة.
تساؤلات مشروعة
في الـ31 من يوليو/تموز الماضي طرحت صحيفة "truth out" الأمريكية المتخصصة في التحليلات السياسية، 3 أسئلة في تقرير سعت من خلاله إلى الإجابة عنها، السؤال الأول: لماذا لم تتحدث وسائل الإعلام الغربية عما تمارسه السعودية في اليمن من قصف وتنكيل بالمدنيين مقارنة بالتغطية الميدانية المكثفة لما يحدث في سوريا مثلًا؟
السؤال الثاني: كيف حصلت السعودية على مقعد في منظمة العمل الدولية وتشارك في وضع سياساتها وميزانيتها رغم ما تعاني منه قوانين العمل لديها من خروقات واضحة لمواثيق وقوانين العمل الدولية؟
السؤال الثالث: كيف تفوز المملكة بفترة ولاية ثالثة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كذلك لجنة المرأة وهي التي لم تعط لنسائها حتى رخصة القيادة فضلًا عن بقية حقوقها الأخرى؟
واختتمت أسئلتها الأربعة بـ: كيف تحول الرئيس الأمريكي ترامب صاحب التصريحات القاسية والساخرة ضد النظام السعودي الذي اتهم منافسته هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الماضية بالتعاون مع السعودية وتلقي أموال منها إلى أكبر داعم للعاهل السعودي ونظامه؟
الصحيفة في تقريرها خلصت إلى أن إجابة تلك الأسئلة جميعها يدور حول محور واحد فقط، وهو توظيف الرياض لسلطة المال من أجل تجنيد المؤسسات والشخصيات عبر شراء توجهات ومواقف البعض تارة، والسيطرة على كيانات بعينها إداريًا وماليًا تارة أخرى، إضافة إلى نفوذها القوي في مجال الإعلام وهو ما يفسر لماذا تركز بعض وسائل الإعلام الغربية على حدث وتغض الطرف عن آخر.
الرياض خلال السنوات الأخيرة نجحت في شراء العديد من أصوات السياسيين والإعلاميين في المراكز الفكرية الأمريكية والأوروبية، وهو ما يعزز شراكة البترودولار الخليجية، بحسب التقرير، ملفتًا إلى أن "معظم الجامعات الغربية والمعاهد السياسية تتلقى تمويلًا سخيًا من الممالك الخليجية"، وفي المقابل تغض تلك المراكز ووسائل الإعلام في الغرب وأمريكا على حد سواء الطرف عن الانتهاكات التي تمارسها الرياض في مجال حقوق الإنسان، فضلًا عن مساعيها لاحتضان حكام تلك الدول الخليجية حفاظًا على العلاقات التجارية.
في تقرير سابق لـ"نون بوست" كشف تلقي بعض الكيانات الأمريكية تبرعات كبيرة من المملكة على رأسها مجلس سياسة الشرق الأوسط ومعهد الشرق الأوسط ومتحف سميثسونيان فرير للفنون، هذا بخلاف عدد من البرلمانيين المقربين من نظام آل سعود داخل مجلس الشيوخ، على رأسهم السيناتور الجمهوري بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس، كذلك زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل من ولاية كنتاكي، كذلك رجل الأعمال اللبناني الأصل جورج نادر الملقب بذراع ابن سلمان وابن زايد في أمريكا، والمتهم مؤخرًا بالتورط في تقديم مال سياسي لدعم حملة ترامب الانتخابية والتأثير في صناعة القرار الأمريكي.
علاوة على ذلك فقد سعت السعودية مبكرًا لإحكام السيطرة على بعض المؤسسات الإعلامية الضخمة في أمريكا وأوروبا لدعم توجهاتها وتشويه صورة المعارضين لها، كان آخر تلك الصفقات الاستحواذ على الصحيفة البريطانية الشهيرة "إندبندنت"، كذلك شراء شركة يونايتد برس العالمية عن طريق شركة الشرق الأوسط للإذاعة المحدودة المملوكة لشقيق العاهل السعودي الراحل الملك فهد، ويدعى وليد الإبراهيمي، وكانت الصفقة بقيمة 395 مليون دولار، لتبلغ عدد الكيانات الإعلامية المملوكة للرياض في الغرب منذ عام 1992 وحتى الآن ما يقرب من 12 وسيلة إعلامية، وإن كان العدد قابل للزيادة خلال الفترات القادمة، إضافة إلى أحدث الإصدارات الصحفية التي تروج لولي العهد والمسماة بـ"المملكة الجديدة" وتوزع في متاجر أمريكا.