2024-11-26 02:29 م

ماذا وراء اشاعة الحرب الباردة وتكالب الغرب على تجريم روسيا ورئيسها؟

2018-04-02
كتب الدكتور بهيج سكاكيني 
اشتد التكالب الغربي مؤخرا الذي تقوده الولايات المتحدة ضد روسيا والتي دفعت اليه المملكة المتحدة لتشكل رأس الحربة الاوروبية به على أثر محاولة "قتل" العميل الروسي الذي كان يعمل لحساب المخابرات البريطانية والذي قدم الى بريطانيا في عملية تبادل عملاء لكلا الطرفين قبل حوالي عشرة اعوام. وجهت اصابع الاتهام الى روسيا منذ البداية حتى قبل إجراء اية تحقيقات في العملية التي تعرض لها العميل وابنته في احدى المدن البريطانية الريفية. لم تقدم الحكومة البريطانية اية دليل ملموس بهذا الشأن ورفضت الدعوات الروسية للتعاون لكشف ملابسات محاولة الاغتيال بما اعتقد انه مادة أكثر فعالية بثمانية مرات من غاز الاعصاب القاتل. ولقد أدى هذا التكالب لغاية الان بقيام الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية دول حلف الناتو الى طرد اكثر من 130 دبلوماسيا روسيا العاملين في السفارات الروسية والسلك الدبلوماسي في هذه البلدان وما زالت الازمة تتطور بشكل ملحوظ. والخطورة هنا لا تكمن فقط بعودة أجواء الحرب الباردة والتي تم "تجاوزها" بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته التي اصبح العديد منها إعضاء في حلف الناتو أو في الطريق اليه بهدف محاصرة روسيا الاتحادية، بل ان الخطر الاكبر يكمن في تصعيد التوترات الدولية وذلك عن طريق تجاوز وتخطي كل المعايير القانونية والاعراف الدبلوماسية واللجوء المتعارف عليها في التعاملات الدولية، لسياسة الاتهامات التي لا اساس لها بالمطلق والتي اصبحت تحكم العلاقات الدولية ضد روسيا وغيرها من الدول. وهذا بحد ذاته اخطر بكثير من مرحلة الحرب الباردة لانه حتى في تلك المرحلة كانت هنالك ضوابط معينة قانونية ودبلوماسية شكلت الكوابح التي ضمنت عدم الوصول الى حالة الاحتكاك الذي قد يولد الانفجار. أما الان فإن تداعيات تآكل المعايير القانونية والدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة وحلف الناتو في التعامل مع روسيا الاتحادية على وجه التحديد وتصعيد الهجوم عليها بأوجه مختلفة قد تولد نتائج غير متوقعة وغير مقيدة ولا يمكن السيطرة عليها وخاصة مع وجود طاقم في البيت الابيض من أكثر الطواقم عدوانية بكل المقاييس الدبلوماسية والعسكرية. من الواضح ان مسلسل الاتهامات دون تقديم الدلائل المادية التي توجه الى روسيا الاتحادية لم ولن ينتهي فقد اتهمت روسيا بقتل عميل روسي على الارض البريطانية عام 2006 مع انه في ذلك الوقت لم يذهب الناتو الى التهديد بتفعيل المادة التي تتيح له بالدفاع عن اي من دوله فيما إذا تعرض أمنها القوي للخطر أو الاعتداء عليها من قبل دولة اخرى كما هو الادعاء الان. كما اتهمت روسيا زورا وبهتانا بالتدخل بالانتخابات الامريكية ومساعدة ترامب بالوصول الى البيت الابيض. كما اتهمت بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الالمانية والفرنسية ومرة اخرى دون تقديم اية دلائل واصبح من السخرية بمكان ان يفرض على هذه الدول مجرد "قولوا هكذا" وهو ما فعلته بريطانيا مؤخرا "خذوا بكلامي" دون تقديم اية دليل أو طرح اية اسئلة. كما اتهمت روسيا بإسقاط الطائرة المدنية التابعة للخطوط الجوية الماليزية فوق الاراضي الاوكرانية عام 2014 دون ان تؤدي نتائج التحقيقات الى ذلك. وهكذا دواليك والقائمة تطول. ويأتي الاتهام الاخير من قبل الحكومة البريطانية منسجما ومتناغما مع هذه الحملات الاعلامية لتأليب الرأي العالم الغربي على روسيا وخاصة على الرئيس بوتين الذي أعاد هيبة الدولة الروسية على الساحة الدولية. ويحق للانسان العادي مثلنا ان يتسائل لماذا كل هذا التلفيقات الاعلامية ولماذا هذا الهجوم المتصاعد في السنوات الاخيرة على روسيا الاتحادية ورئيسها بوتين والذي تسارع في الفترة الاخيرة؟ تأتي هذا الحملة الغربية الجديدة ضد روسيا الاتحادية في محاولة للضغط عليها وتحشيد الدول الغربية لفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا والذي في تقديري المتواضع يرقى الى عدوان بكل المقاييس. لا شك ان تحسن الوضع الاقتصادي لروسيا وخاصة في الفترة التي وصل فيها سعر برميل البترول الى ما يقارب 140 دولار قبل هبوطه الى درجات متدنية قد لعب دورا هاما في تصاعد الدور الروسي على الساحة الدولية حتى وصل الى الحد الذي استطاعت به لجم العربدة والعنجهية الامريكية وهيمنتها على الساحة الدولية التي تمتعت بها منذ مطلع تسعينات القرن الماضي وحتى ربما الغزو الامريكي للعراق عام 2003. وربما من المجدي ان نشير هنا ان التدهور في اسعار النفط العالمية كان متعمدا من قبل أمريكا والسعودية بهدف الضغط على الاقتصاد الروسي وإجبار روسيا على التخلي عن دورها في المنطقة وخاصة فيما يخص بالموقف تجاه سوريا وأوكرانيا. وكانت الولايات المتحدة سائرة في طريق بناء الامبراطورية الامريكية الكونية التي لا ينازعها عليها احد أو يشاركها بها أحد حتى أقرب حلفاؤها. في تلك الاثناء بدأت قوى أخرى عالمية بالنمو وخاصة في الجوانب الاقتصادية وبناء وتطوير قواها وقدراتها العسكرية وخاصة روسيا والصين. وهذا النمو وصل الى مرحلة التأثير السياسي والدبلوماسي على الساحة الدولية وخاصة في مجلس الامن الذي اصبحت قراراته تعكس بشكل واضح هذا التأثير المتنامي مما أدى الى إنزعاج واضح للادارات الامريكية المتعاقبة. الولايات المتحدة ما زالت تصر على أحقية تحكمها بالساحة الدولية وكأنه "ارادة اللاهية" "للشعب الاستثنائي" وان على الاخرين الانصياع لهذه الخرافة والبقاء العمل كأدوات أو على الاقل عدم الوقوف حجر عثرة في طريق تنفيذ الاستراتيجية الامريكية الكونية وهذا ما ترفضه كل من روسيا والصين. وفي هذا المجال اصبحت روسيا بوتين هي التي تتصدر المجابهة السياسية والى حد ما العسكرية مع الولايات المتحدة. وهنا يكمن مربط الفرس وهذه الحملات الاعلامية وفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا الاتحادية وهي التي تحررت من الهيمنة الامريكية على اقتصادها التي واكبت مجيء الرئيس يلتسن بعد كورباتشوف وعهد ما سمي بالبيروسترويكا. ويلتسن هو من أتاح الفرصة للبنك الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة بالهيمنة على اقتصاد روسيا وفرض الاملاءات عليه والذي ادى الى خصخصة القطاع العام للدولة الروسية ونشوء طبقة روسية طفيلية متعاونة مع الغرب والذي كان من المتوقع ان تستلم زمام الحكم في روسيا والحاقها بالدول الغربية. لم تجري الرياح كما تشتهي السفن منذ مجيء بوتين الى الرئاسة الذي استطاع ان يصل بروسيا الى ما هي عليه الان. المعلومات التي ادلى بها بوتين حول تطوير القدرات العسكرية الاستراتيجية لروسيا الاتحادية قد أذهلت القوى الغربية وأجهزة استخباراتها التي لم تتوقع وصول هذه القدرات الى هذا الحد المتقدم جدا في الكثير من الاسلحة الاستراتيجية على الدول الغربية. هذه الاسلحة الاستراتيجية التي اعلن عنها اصبحت تشكل تحديا واضحا للغرب وهذا بحد ذاته سيلعب دورا اكبر في تحجيم التدخلات الامريكية وعربدتها على المستوى العالمي وربما تشكل ضغطا على الدول الاوروبية التي ستكون اول من سيتضرر في حالة نشوء اية احتكاكات عسكرية بين حلف الناتو وروسيا الاتحادية. والمتتبع للامور على الساحة الاقليمية والدولية يرى بوضوح الاثر الروسي في لجم العربدة الامريكية سواء في منطقتنا فيما يخص الاوضاع في سوريا حيث لعبت روسيا دورا رئيسيا في دعم صمود الدولة السورية وحكومتها وقيادتها الشرعية وقامت بتقديم كل الدعم العسكري والدبلوماسي والسياسي للقيادة والجيش العربي السوري. وتمكنت روسيا من خلال هذا الدعم المتواصل الى إحباط ما كان يخطط للوطن السوري من اسقاط النظام السوري وتمزيق سوريا الى كانتونات طائفية ومذهبية خدمة للمخططات الصهيو- أمريكية. وهذا الامر يتضح إذا ما قارنا الموقف الروسي الضعيف في الامم المتحدة أثناء الغزو الامريكي للعراق عام 2003 وما تلاه من تمزيق العراق وإقامة نظام طائفي والذي ما زال الشعب العراق يعاني منه للان. الى جانب ذلك وقفت روسيا داعمة لايران في مباحثاتها مع الدول الكبرى للوصول الى الاتفاق بشأن برنامجها النووي كما وقفت ضد الولايات المتحدة وادارة ترامب التي تحاول إعادة المفاوضات بشأن بعض النقاط في البرنامج الموقع والمتفق عليه سابقا. أما على الساحة الدولية فقد وسعت وطورت روسيا علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية على سبيل المثال وخاصة فنزويلا التي تعرضت وما زالت تتعرض لضغوطات أمريكية وتسعى الى تغيير النظام هنالك بواسطة تسليح المعارضة وتدريبها في البلدان المجاورة الى جانب دعم نشاطات المنظمات الغير حكومية وتشجيعها الى أحزاب المعارضة بالنزول الى الشارع لنشر الفوضى على أمل إحداث ثورة ملونة على غرار ما حدث في أوكرانيا وجورجيا. أمريكا اللاتينية التي كانت تعتبر الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ولعقود من الزمن وداعمة لاعتى الديكتاتوريات في العالم. ما يجب ان يقال ان روسيا الاتحادية أصبحت تمتلك من عناصر القوة في المرحلة الحالية التي تؤهلها للتصدي للعربدة الامريكية وبقوة ولقد نالت الدبلوماسية الروسية وخاصة في مجال التزامها بالمواثيق والقرارات الدولية وعدم إتباع سياسة الكيل بمكيالين فيما يخص التعامل مع الصراعات الدولية وطرق حلها سلميا احتراما واسعا على المستوى الدولي. هذا الاحترام تجلى بالزيارات المتكررة للعديد من حلفاء وأدوات الولايات المتحدة في المنطقة والتي اتت لتشكل اعترافا منهم وتأكيدا على الدور البارز الذي لا يمكن تجاوزه أو إهماله في إيجاد الحلول للصراعات القائمة في المنطقة وكذلك في العالم. هذا بعض فقط مما يجب ذكره عن هذا الدور الروسي المتقدم والمتنامي على الساحة الاقليمية والدولية. ولا شك ان الصعود الروسي والصيني قد ادى الى تآكل النظام العالمي ذو القطب الواحد التي صالت وجالت به الولايات المتحدة لاكثر من ربع قرن دون رادع أو تحدي من اية قوة عالمية اخرى. هذا الوضع قد انتهى دون رجعة وهذا ما لا يرضى الولايات المتحدة. وهذا هو السبب الحقيقي وراء كل هذه الحملات المسعورة ضد روسيا ورئيسها بشكل خاص. أمريكا لم تعد تلك الدولة التي تستطيع ان تصول وتجول في الكون دون تصدي ورادع للهمجية التي تمارسها كما فعلت في أثناء غزوها للعراق او غزوها لافغانستان وتدمير البلد عام 2001 .