2024-11-25 05:00 م

هل أدمن الأردن عقاقير صندوق النقد الدولي؟

2018-03-31
طوال ثلاثة عقود، لم يكف الأردن عن الاستنجاد بـ«صندوق النقد الدولي» في كل أزمة ألمت باقتصاده، فقد أدمنت الأردن فيما يبدو وصفات «الصندوق»، ولم يعد مسؤولوها يعيرون الكثير من الاهتمام لنتائج برامج «الإصلاح الاقتصادي» التي تشرف عليها المؤسسة الدولية. صندوق النقد الدولي صار حاضرًا في الاقتصاد الأردني في كل وقت وفي كل حين.
بدأت رحلة الأردن مع صندوق النقد الدولي في عام 1989، حيث عرف الأردن خلال عقد الثمانينيات أكبر الأزمات الاقتصادية في تاريخه، بدأت بوادرها منذ بداية العقد الذي شهد انخفاض أسعار النفط، فتراجع الطلب على الصادرات الأردنية، وعلى الأيدي العاملة الأردنية في دول الخليج، وانعكس ذلك سلبًا على التحويلات المالية – الرسمية والخاصة – إلى داخل البلاد، كما انخفضت المساعدات الخليجية إلى عمّان، فلم تتمكن من امتصاص آثار ذلك الركود.

بنهاية العقد كان الاقتصاد الأردني قد دخل مرحلة خطيرة، ففقدت العملة الرسمية نصف قيمتها في فترة قصيرة (هبطت قيمة الدينار الأردني من ثلاثة دولارات في 1988 إلى دولار ونصف في 1990)، وانخفضت معدلات النمو ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة، كما ظهر جليًا العجز في الميزان التجاري، وفي الموازنة العامة، وانخفض حجم الاحتياطات الأجنبية بشكل مقلق، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية التي أظهرت اختلالات هيكلية في الاقتصاد الكلي للبلاد.

تلفت الأردن حوله يمينًا ويسارًا – وفي ظل إحجام عربي عن المساعدة – فلم يجد من ينتشله من تلك الأزمة غير المؤسسات النقدية الدولية، وأبرزها «صندوق النقد الدولي»، وقد كانت تلك بداية سلسلة لن تنتهي من اللجوء الأردني إلى الصندوق عبر ثلاثة عقود، وبين عامي 1989- 2004، نفذ الأردن مع الصندوق ستة برامج اقتصادية يشار إليها بأنها «برامج إصلاح اقتصادي» (برنامجين للاستعداد الائتماني وأربعة برامج للتسهيل الممتد).


وبرغم ما حققته هذه البرامج من بعض التحسن في الاقتصاد الكلي للبلاد – انخفض حجم الدين الخارجي وشهدت أوضاع المالية العامة بعض التحسن -، فقد خلصت دراسة أجراها الصندوق في عام 2005 إلى أن نجاح هذه البرامج كان متواضعًا، إذ لم يحقق الأردن خلال أغلب السنوات معدلات النمو المتوقعة من قبل الصندوق.

فضلًا عن ذلك، يتذكر الأردنيون التدابير التقشفية التي اتخذتها الحكومة، في سبيل الحد من عجز الموازنة، مثل رفع الدعم عن المحروقات وبعض السلع، وما تلا ذلك من احتجاجات شعبية أبرزها ما يعرف بـ«ثورة الخبز» عام 1996، التي أطاحت بحكومة عبد المجيد الكباريتي الذي رفع سعر الخبز، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات شعبية في مدن الجنوب.


«هدنة» لم تطُل

خرج الاقتصاد الأردني من تحت عباءة «الصندوق» بعد عام 2004، ليشهد سنوات قليلة من النشاط، نما الناتج المحلي الحقيقي بين عامي 2005-2008 بمعدل 7.9%، حيث أدى الاحتلال الأمريكي للعراق إلى  تدفق أعداد كبيرة من العراقيين على الأردن، وكان كثير منهم من أصحاب رؤوس الأموال الذين استثمروها في الأردن، كما زاد الطلب على السلع والخدمات الأردنية، وتم استعادة الثقة في الدينار الأردني بعد أن تم ربطه بالدولار الأمريكي منتصف التسعينيات.

لكن «ربيع» الاقتصاد هذا لم يدم طويلًا، إذ سرعان ما تعرض الاقتصاد الأردني لانتكاسات من جراء الازمة المالية العالمية عام 2008، ثم ارتفاع أسعار النفط، مع تعرض إمدادات الغاز المصري إلى الأردن إلى هجمات أدت إلى اضطرار عمّان لاستيراد مشتقات نفطية باهظة التكلفة لتوليد الكهرباء، وفضلًا عن ذلك، ساهم اضطراب الأوضاع الأمنية في كل من سوريا والعراق في تفاقم مشكلة الأردن الاقتصادية، مع تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى المملكة، كما أدى إغلاق الحدود مع سوريا والعراق إلى تأثيرات سلبية كبرى على الصادرات الأردنية لهذين البلدين.


من يمد يد العون هذه المرة أيضًا؟ الصندوق بالطبع، وهو الذي قد أدمن الأردن «روشتاته» حتى ثماني سنوات مضت، لجأت الحكومة للمؤسسة الدولية بهدف تنفيذ برنامج استعداد ائتماني جديد يعالج الاقتصاد ويحفظ الاستقرار، وفي مقابل ذلك، اتخذت عدة إجراءات بهدف تخفيض عجز الموازنة، مثل خفض دعم المشتقات النفطية، ورفع تعريفة الكهرباء.

وبرغم أن برنامج صندوق النقد هذا لم يحقق نتائج مبهرة، فظلت معدلات النمو أقل من المتوقع، كما سجل عامًا 2012 و2013 ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة التضخم – نظرًا لارتفاع أسعار المحروقات -، كما أن التحسن في الموازنة العامة والدين العام كان محدودًا، إلا أن السياسة الاقتصادية للمملكة قد استمرت في الرهان على «الصندوق»، لـتوقع على اتفاقية «التسهيل الائتماني الممتد» التي تغطي ثلاث سنوات من 2016 وحتى 2019.

الرهان على الصندوق «إلى الأبد»

بحسب بيان «صندوق النقد الدولي» فقد وافق مجلسه التنفيذي في 24 أغسطس (آب) 2016 على طلب أردني لعقد اتفاقممتد يغطي ثلاث سنوات، يُعطى للأردن تمويل قدره 723 مليون دولار أمريكي، وقد جاء طلب الأردن بسبب تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي؛ وتزايد نسب البطالة؛ فضلًا عن كلفة استضافة العدد الكبير من اللاجئين السوريين، كما ارتفع الدين العام لحوالي 93% من الناتج المحلي.

ووفق الاتفاق، فإن على الحكومة الأردنية أن تركز على عدة جوانب في سبيل تخفض عجز الموازنة العامة، أهمها التركيز على جانب الإيرادات والضرائب، حيث يتم تخفيض الإعفاءات على ضريبة المبيعات والجمارك، مع تعديل قانون ضريبة الدخل وتوسيع القاعدة الضريبية.


وقد كشفت تقارير صحفية مؤخرًا أن الصندوق طالب الحكومة الاردنية بالإسراع في تعديل قانون ضريبة الدخل، بما يزيد شريحة دافعي الضرائب، بما في ذلك إلغاء الإعفاءات الممنوحة لقطاعي التعليم والصحة، وهو ما وصفه رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب الأردني (أحمد الصفدي) بأنه «سيؤدي إلى تقليص الطبقة المتوسطة، ويزيد الأعباء المعيشية على كاهل المواطنين».

وتنفيذًا للاتفاق، فقد قامت الحكومة الأردنية مطلع العام الجاري بإجراءات تقشفية غير مسبوقة، مثل رفع الدعم عن الخبز ليرتفع سعره بمقدار الضعف، ورفع ضريبة المبيعات على عدد كبير من السلع والمواد الغذائية، إلى جانب فرض ضرائب نوعية على المحروقات والسيارات والمشروبات الغازية والدخان، كما تم رفع أسعار الكهرباء للمرة الثانية خلال أقل من شهر.

الأردن على فوهة بركان؟

في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وعلى إثر احتدام الجدل في المجتمع الأردني حول قضية رفع أسعار الخبز – أحد الخطوط الحمراء في الاقتصاد الأردني منذ عقود – أصدر «صندوق النقد الدولي» بيانًا أخلى فيه مسؤوليته، مؤكدًا أنه «لم يوصِ برفع الدعم عن الخبز»، وأن بعض تقارير وسائل الإعلام «أعطت فكرة خاطئة عن موقفه في هذه المسألة»، واستطرد البيان: «تصميم إجراءات السياسة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تأثيرها على الاقتصاد الأردني وعلى الفقراء».

أراد الصندوق أن يعلن براءته من الاتهامات التي لم تزل تطارده في الأردن، بأن اشتراطاته على الحكومة الأردنية هيالسبب في ضيق عيش الأردنيين وبطالتهم، وقد عبر سياسيون ووجهاء أردنيون عن سخطهم إزاء توجه الحكومة بالتعاون مع صندوق النقد، مثل عضو حزب الوحدة الشعبي اليساري (فاخر داعس) الذي اعتبره مجرد أداة من أدوات التآمر الغربي على الأردن  وسياستها قائلًا: «من خلال نظرة سريعة لإملاءات الصندوق؛ تتأكد أن أنه لا يهدف للارتقاء بالاقتصاد الأردني، بل يرمي لربط هذا الاقتصاد أكثر وأكثر بالصندوق، وإغراقه بالمديونية؛ كي يبقى قراره السياسي بيد الأمريكان، ما حدث في الأعوام الأربعة الأخيرة من إغراق للأردن بالمديونية، لا يمكن أن يكون بريئا، وخاصة في ظل تسارع الحديث عن دور أردني رئيس في المشاريع الأمريكية لحل القضية الفلسطينية، أو تصفيتها بمعنى أدق».


وقد أدت سياسات التقشف الحكومية – التي تعود المسؤولون الأردنيون على إلقاء كرة المسؤولية فيها في ملعب صندوق النقد الدولي وشروطه – إلى اندلاع احتجاجات شعبية عمت العاصمة وأماكن أخرى، تخلل بعضها أعمال شغب غاضبة، طالب فيها المحتجون برحيل الحكومة، وبالتراجع عن القرارات الاقتصادية القاسية واللجوء إلى طرق أخرى لسد عجز الموازنة، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي ووسط ظروف اقتصادية مشابهة.

الاقتصاد الأردني «مريض».. والصندوق لا يملك الدواء الصحيح

في دراسة حملت عنوان «الاقتصاد الأردني: اختلالات وتحديات» يشير الأكاديمي في جامعة طيبة بالمدينة المنورة (مالك خصاونة) إلى أوجه خلل مزمنة في الاقتصاد الأردني، أولها أنه اقتصاد غير منتج، يعتمد فقط على قطاع الخدمات والتجارة والسياحة، مع بعض الصناعات الاستخراجية، كما أنه يعاني من ارتفاع مستمر في عجز الموازنة، والدين العام الداخلي والخارجي، مع زيادة معدلات البطالة.

ويعاني الاقتصاد الأردني حاليًا من انخفاض في المساعدات الخارجية، خاصة الخليجية منها، بالنظر إلى اهتزازات اقتصادات الدول المانحة ذاتها، فضلًا عن الموقف الأردني «المحايد» من الأزمة الخليجية، كما انخفضت عائدات السياحة بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة في الإقليم، في مقابل ارتفاع تكلفة إيواء اللاجئين السوريين في الأردن، والذين يقدر عددهم رسميًا بـ1.3 مليون لاجئ، بالإضافة إلى العديد من قضايا الفساد التي هزت الاقتصاد الأردني، والتي كان لها أثر كبير في اهتزاز مصداقيته.


وكانت دراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الأردنية قد خلصت إلى أن أهداف برامج صندوق النقد الدولي التي تم تطبيقها في الأردن لم تتحقق، وأن جميع برامج الصندوق لا تتوافر فيها سياسات اقتصادية ذات بعد تنموي، بل تركز على الإصلاح المالي والنقدي، كما أن عدم الالتزام بالإطار الزمني المتفق عليه بين الحكم والصندوق قد ترك أثرًا سلبيًا على الاقتصاد.

وأوصت الدراسة التي حملت عنوان «برامج صندوق النقد الدولي (الأردن): 1989-2016 النتائج والدروس المستفادة»بإعادة النظر باستمرار بتطبيق برامج الصندوق، مع العمل على إيجاد خطط اقتصادية بديلة – إذ لا يمكن اعتبار برامج الصندوق بديلًا عن الخطط الاقتصادية الوطنية التي تهدف إلى زيادة النمو ورفع مستويات التنمية -، مع محاولة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في عملية الإصلاح الاقتصادي بعد خروجها من برامج الصندوق.
(ساسة بوست)