2024-11-27 01:49 م

بعد فشل "الداعشية" ستتغير الجيوستراتيجية الدولية برمتها

2018-03-30
بقلم: جورج حداد
بالرغم من كل بهلوانيات الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب، من المؤكد ان الستراتيجية الاميركية، بكل جوانبها الاعلامية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، انما ترسمها المؤسات الثابتة لـ"الحكومة العميقة" في اميركا التي تتمثل في الكارتيلات والدوائر الكبرى، الاقتصادية والمالية والاعلامية والعسكرية والمخابراتية.
ومع الاعلان عن اكتشاف النفط والغاز في شرقي المتوسط، على خلفية قرب نضوب النفط في منطقة الخليج، كان من الواضح للـ"الحكومة العميقة" الاميركية ان العالم قادم على انقلاب جذري في الجيوستراتيجيا الدولية، من خلال الانقلاب الجذري في اوضاع قطاع الطاقة العالمي، حيث ان استخراج وتسويق النفط والغاز سيتركز في منطقتين:
الاولى ـ هي "شبه القارة الروسية" التي لم تستنفد بعد مكامنها الهائلة من النفط والغاز.
والثانية ـ هي منطقة شرقي المتوسط التي لم تبدأ بعد استثمار مخزوناتها التي لا يعرف احد بعد احجامها.
وكل الاحداث التي جرت في الشرق الاوسط وحول روسيا منذ مطلع القرن الواحد والعشرين انما ترتبط بموضوع السيطرة على الطاقة التي لم يبدأ استخراجها بعد في شرقي المتوسط.
وحينما طرح الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الابن شعار "بناء الشرق الاوسط الكبير"، ثم طرحت وزيرة خارجية الرئيس السابق اوباما، غونداليزا رايس، شعار "الفوضى البناءة"، الى جانب "الديمقراطية" و"الثورة الملونة"، لم تكن هذه شعارات بروباغندا سياسية فقط، تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي الموجهة كالنار في الهشيم، بل كانت غطاء سياسيا لمخطط جهنمي يضع العالم كله على شفير حرب عالمية ثالثة، نووية طبعا، قد تقضي على الحياة تماما في الكرة الارضية.
وكان هذا المخطط يتركب من مرحلتين:
المرحلة الاولى ـ اجراء "تعديل جذري" على اتفاقية سايكس ـ بيكو وكسر الحدود بين دولها الهشة وتحطيم الانظمة القائمة فيها، واستبدالها بـ"دولة تكفيرية كبرى" (داعشية ـ جنكيزخانية ـ تتارية ـ عثمانية جديدة) تقضي على عشرات الملايين من سكان المنطقة، وتحرّم ـ تحت طائلة الموت ـ كل حياة سياسية ودينية وثقافية وتعليمية واجتماعية، غير ما يدين به "امراء" تلك الدولة، وتحويل البقية الباقية من السكان الى قطيع من البقر والثيران الوحشية، يتجند بشكل اعمى خلف أولئك "الامراء". وتتولى تلك الدولة  استخراج النفط والغاز من شرقي المتوسط، تحت السيطرة الاميركية.
ولأجل تنفيذ هذه المرحلة عملت المخابرات الاميركية على اطلاق موجة ما سمي "الربيع العربي"، كعملية كاموفلاج سياسي واسعة النطاق. وفي الوقت ذاته جندت اميركا كل امكانياتها، وامكانيات عملائها و"اصدقائها" و"حلفائها"، في الناتو والاتحاد الاوروبي و"اسرائيل" وتركيا ودول الخليج وعلى رأسها السعودية وزعانفها "اللبنانية!!!" وحتى دموع السنيورة، وعلب "حليب الاطفال" التي حملها عقاب صقر الى مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا، ـ تجندت كل تلك الامكانيات من اجل تشكيل "الجيش "الاسلاموي" ـ التكفيري العالمي". وتقاطر مئات الالاف من التكفيريين من مختلف البلدان العربية والاسلامية، ومن الشيشان وداغستان وغيرهما في روسيا ومن شتى البلدان الاسلامية السوفياتية السابقة ومن اميركا ومن جميع الدول الاوروبية بما فيها سويسرا والسويد والدول السكندنافية "المسالمة"، وتجمهروا في دول الخليج والاردن وتركيا، حيث تم تدريبهم وتسليحهم باشراف المخابرات الاميركية والاسرائيلية والتركية، ثم اطلقوا في هجوم كاسح لاسقاط ليبيا ومصر والعراق وسوريا، ثم لبنان، وبدأت حملة تقطيع الرؤوس تحت صيحات "المعارضة" السورية واشباهها "سلمية... سلمية!!!". وسقطت الموصل ومناطق واسعة من العراق، وسقطت حلب ودير الزور والرقة والغوطة الشرقية في سوريا. واصبح احتمال سقوط دمشق قاب قوسين او ادنى. ولو سقطت دمشق لسقطت بغداد وطرابلس وبيروت ذاتها. ولو نجحوا في ذلك ـ لا سمح الله ـ لتركزت جهودهم لاسقاط طهران (المركز الرئيسي للثورة في العالمين العربي والاسلامي في المرحلة التاريخية الراهنة) ولتحقق تماما مشروع السيطرة المطلقة على نفط وغاز شرقي المتوسط.
ولكن المنشار "التكفيري" الاميركي توقف عند عقدة دمشق بفضل الصمود البطولي لجبهة المقاومة التي تشكلت من ايران الثورية والمقاومة الشعبية العراقية والجيش العربي السوري والمقاومة الوطنية الاسلامية بقيادة حزب الله في لبنان. ولكن الخطر بقي قائما وكان يتفاقم يوما بعد يوم. وهذا ما دفع السلطة الشرعية السورية الى طلب المساعدة من روسيا. فكان التدخل الجوي الروسي العامل الحاسم الذي قصم ظهر المخطط الاميركي الدولي، وحوّل "الداعشية" من "قوة دولية" الى مجرد عصابات ميليشياوية  محلية. وهنا علينا ان نشير الى نقطة جوهرية وهي: ان القلاع الطائرة الروسية، التي طارت من داخل الارض الروسية ووصلت الى سوريا وألقت حممها على الدواعش واشباههم وعادت ادراجها الى روسيا، كانت تحمل رسالة واضحة وحاسمة الى اميركا والناتو والاتحاد الاوروبي، بأن هذه القاذفات البعيدة المدى هي مخصصة اصلا لحمل القنابل النووية، ومثلما جاءت الى سوريا وعادت يمكنها ان تذهب بأي اتجاه آخر وبـ"حمولة" اخرى! كما ان الصواريخ المجنحة التي اطلقت من السفن الحربية في بحر قزوين ومن الغواصات الروسية في البحر الابيض المتوسط وجربت بالدواعش هي صواريخ تطير بسرعة تفوق اضعافا سرعة الصوت وتسير بخط متعرج مما يجعلها عصية على اي درع صاروخية. كما انها يمكن ان تحمل شحنات متفجرة كلاسيكية او نووية. وهي عالية الدقة في اصابة الاهداف، ويمكنها ان تدخل من نافذة غرفة نوم اي مسؤول سياسي او عسكري او مخابراتي اميركي او اوروبي. وهي موجودة في كل الغواصات الروسية بما في ذلك قرب المياه الاقليمية الاميركية.
وفيما لو نجحت ـ لا قدر الله! ـ هذه الخطة الاميركية "التكفيرية" الجهنمية، واستقرت الامور للدولة الداعشية بقيادة تركيا في منطقة الشرق الاوسط الكبير، فإن المرحلة الثانية من الخطة كانت تقضي بشن حرب "جهاد مقدس تكفيري!!!" ضد روسيا، بدءا بتأليب الجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة ضد الروس "الكفار!". ولكن روسيا كانت تعد العدة لمثل هذا الاحتمال بسحق رأس الافعى بالذات، اي اميركا.
فمنذ اسابيع قليلة اعلن الرئيس بوتين عن وضع صاروخ "سارمات" النووي الجديد في الخدمة الفعلية. وهو يزن 200 طن ويحمل بضعة رؤوس نووية بقوة تفجيرية تبلغ قوة 20.000 قنبلة كقنبلة هيروشيما، ويمكن ان يطير بكل الاتجاهات شرقا او غربا او شمالا او جنوبا، وبشكل متعرج، وبسرعة تزيد عن عشرة اضعاف سرعة الصوت. فاذا "طارت" اميركا ماذا يستطيع ان يفعل الناتو والدولة الداعشية التي تلفظ الان انفاسها الاخيرة قبل ان تولد.
وانه لمن الغباء ان يعتقد احد ان صاروخ "سارمات" قد صمم وصنع في الشهر الماضي. والمنطق يقول ان "سارمات" بدأت صناعته كرد على اطلاق شعار "الشرق الاوسط الكبير" الاميركي، منذ عهد جورج بوش الابن!