القدس/المنـار/ الى أين تتجه السياسة الخارجية الأمريكية في المرحلة القادمة؟ هذا السؤال تحاول دوائر عديدة في عواصم مختلفة مناقشته وتوقع ما تحمله الايام القادمة خاصة في ظل الاقالات والتعيينات الأخيرة التي أقدم عليها الرئيس الامريكي دونالد ترامب، مٌدعماً من خلالها صفوف "الصقور" في ادارته، وأبرزها استبدال وزير الخارجية الامريكي "ريكس تيلرسون" بالسياسي الامريكي ورجل الأعمال "مايكل بومباو" الذي كان يتولى منصب رئيس وكالة المخابرات الامريكية الـ (السي.اي.ايه)، قبل أن يُقرر تعيين نائبته صاحبة المواقف المتشددة، جينا هاسبيل على رأس الوكالة، ليُلحق خطوته هذه باقالة مستشاره لشؤون الامن القومي الجنرال "هربرت ماكماستر" وتعيين الدبلوماسي الامريكي السابق "جون بولتون" في هذا المنصب المهم والحيوي. والمُلفت في هذه التعيينات (وحدة الموقف) اتجاه قضايا ومسائل مهمة تتصدر اهتمامات الولايات المتحدة على المستوى الخارجي، والتشدد في طرق حلها والتعامل معها، وعلى رأسها المشروع النووي الايراني والمفاوضات المرتقبة مع كوريا الشمالية، هذا بالاضافة الى التوتر المتصاعد بين واشنطن وبكين في بحر الصين الجنوبي. فالرئيس الامريكي يرى بان فريقا صقوريا يمينيا متعصبا داخل الادارة الامريكية قادر على توفير الأجواء المناسبة لصالح واشنطن ورغباتها وتحقيق ما يتمناه ويتطلع اليه، لكن دون الانزلاق نحو مواجهة عسكرية قد تدفع فيها امريكا اثمانا باهظة.
دوائر مراقبة، ترى أن سياسة دونالد ترامب الخارجية في المرحلة المقبلة، ستُبنى بشكل اساسي على ما يمكن وصفه بـسياسة أو دبلوماسية (حافة الهاوية) في تعامله مع كافة الازمات والتحديات، وانه سيحاول من خلال هذه السياسة تحقيق انتصارات على الساحة الخارجية. وتضيف الدوائر أن التعيينات الصقورية الأخيرة لا تعني أن واشنطن تتجه نحو صدامات عسكرية في ساحات مختلفة، الا أن هذه السياسة قد تجعلها تجد نفسها وقد انزلقت نحو الهاوية بالفعل، لتغرق في مستنقعات مواجهات عسكرية مؤلمة.
أما بالنسبة لتأثير تلك التعيينات وسياسة (حافة الهاوية) على مصالح اسرائيل في المنطقة وعلى الصراع بينها وبين الفلسطينيين، تقول الدوائر أن الاصوات والاراء المحيطة بالرئيس الامريكي باتت اليوم تتناغم في دعمها لاسرائيل، وتتفق مع وجهة النظر الاسرائيلية بشأن الاتفاق النووي الايراني، وهذا الدعم ينبع بالاساس من أسباب ايديلوجية وعقائدية.
هذا التلاقي بين فريق ترامب وبين اسرائيل عكسته تصريحات وتعليقات العديد من المسؤولين الاسرائيليين الحاليين والسابقين على تعيين جون بولتون مستشارا لترامب لشؤون الأمن القومي، ووصفهم لهذا التعيين بـ(الايجابي بالنسبة لاسرائيل)، فمواقف بولتون من حل الدولتين لا يختلف كثيرا عن مواقف السفير الأمريكي في تل أبيب "دافيد فريدمان"، فكلاهما يعتقدان أن رؤية الدولتين أصبحت من الماضي وأن هناك ضرورة للبحث عن حلول خلاقة برداء وغطاء اقليمي، وفي حزيران من العام الماضي، قال بولتون في مقابلة معه أجرتها صحيفة (معاريف) الاسرائيلية، أن (حل الدولتين قد انتهى)، مقترحا خطة تقوم على (سيادة مصرية على القطاع ومسؤولية مشتركة اسرائيلية ـ اردنية على الضفة الغربية، على ان تكون غالبية مناطق الضفة تحت السيطرة والسيادة الاسرائيلية وأن يتم تطوير الاقتصاد وتحسينه في المناطق التي ستبقى تحت المسؤولية الاردنية). كما يرى بولتون أن البناء الاستيطاني في الضفة الغربية لا يتعارض مع القانون الدولي، وأن نقل السفارة الامريكية الى القدس يعني أن القدس لن تكون عاصمة لدولتين.
هذه المواقف التي يعكسها بولتون وغيره في الفريق الرئاسي الامريكي، هي مواقف أكثر تطرفا ويمينية من مواقف حزب البيت اليهودي، وهذا يجعل المرحلة القادمة بالنسبة للفلسطينيين أكثر "سوداوية" في ظل حالة عدم الاستقرار في الساحة الفلسطينية، وهو ما سيوفر لاسرائيل الوقت والاسناد لتمرير المزيد من مخططاتها الاستيطانية وسيسمح لها باستكمال ما تقوم به من اعادة لرسم خارطة الضفة الغربية عبر اجراءات وخطوات عديدة تصب في مصلحة انتزاع مناطق (ج) وفصلها عن باقي اراضي الضفة الغربية وضمها الى اسرائيل. فالدوائر الاسرائيلية المقربة من الخط اليميني الحاكم في اسرائيل تعتبر الفترة الراهنة فترة لـ (تحقيق الاحلام) وتحويلها الى امر واقع.