2024-11-30 06:35 م

حدّة صراعات الغاز تتصاعد في شرق المتوسط

2018-03-12
تسبّبت اكتشافات الغاز في منطقة شرق المتوسط في تصاعد حدة التوترات الإقليمية التي تُنذر باحتمالات حدوث مواجهات عسكرية بين الدول المطلة على المتوسط، حيث تسببت الصراعات على تقاسم مناطق الاستكشاف وترسيم الحدود، ومسارات أنابيب التصدير، والتنافس بين المراكز الإقليمية للطاقة، في تغيير خريطة التحالفات الإقليمية، وتصاعد التحفّز العسكري بين مختلف الأطراف في المتوسط، وصعود حدة التهديدات الجيوسياسية في المنطقة، ما قد ينعكس سلباً على عمليات الاستكشاف، إذا ما تسببت التوترات في عرقلة أنشطة التنقيب والإنتاج، أو إعاقة تأسيس مسارات التصدير للقارة الأوروبية مستقبلاً.

مؤشرات التصعيد المتبادل

تقدّر هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية أن المنطقة البحرية من لبنان وقبرص إلى مصر، قد تحتجز أكثر من 340 تريليون قدم مكعبة من الغاز، إلا أن المخاطر الجيوسياسية والنزاعات الحدودية المتحكمة بالمنطقة، أدت إلى نشوب صراع حاد حول حقول الغاز، ومن أبرز المؤشرات التي تدل على هذا الصراع ما يلي:

1- الطعن على الاتفاقيات

أعلنت تركيا أنها ستقدم طعناً على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المُوقَّعة بين مصر وقبرص في عام 2013، مدّعية أنها غير قانونية، وتنتهك الجرف القاري التركي، زاعمة أنه لا يمكن لأي دولة أجنبية أو شركة، أو حتى سفينة، إجراء أبحاث والقيام بالتنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري التركي والمناطق المتداخلة معه، وهو ما رفضته مصر، مؤكدة أنه لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونية الاتفاقية، خصوصاً أنها تتسق مع قواعد القانون الدولي، وقد تم إيداعها كاتفاقية دولية في الأمم المتحدة، وبالتالي تُعد الاتفاقية سارية وملزمة قانونيّاً. كما ترفض تركيا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين قبرص وإسرائيل في عام 2010، وقد رأت أن هذه الاتفاقيات تتجاهل السيادة التركية على شمال الجزيرة.


2- التهديد بالتصعيد العسكري
حذّر الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» من المساس بالحقوق السيادية لتركيا على سواحل شمال جزيرة قبرص، مهدداً باستخدام القوة العسكرية، إذ صرح «أردوغان» في فبراير 2018 قائلاً: «نحذّر من يتجاوزون حدودهم في بحر إيجة وقبرص، ويقومون بحسابات خاطئة، مستغلين تركيزنا على التطورات عند حدودنا الجنوبية. حقوقنا في الدفاع عن الأمن القومي في منطقة عفرين شمال غربي سورية هي نفسها في بحر إيجة وقبرص». إذن فإن أنقرة ترى أن لها حقوقاً في حقول الغاز بمنطقتي 3 و6 الواقعة بينها وبين قبرص.

فيما تصاعد النزاع بين لبنان وإسرائيل، بعد طرح بيروت مناقصة للتنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9، حيث دفعت هذه الخطوة «ليبرمان» للتصريح في فبراير 2018 بأن هذا الأمر استفزازي للغاية، ودعا الشركات الدولية إلى الامتناع عن المشاركة في هذه المناقصة، كما أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي «يوفال شتاينتز» أن جزءاً من البلوك رقم 9، الذي يطرح لبنان امتيازات فيه للمناقصة هو تابع لإسرائيل، وتبلغ مساحة البلوك 9 ما يقدّر بنحو 83 ألف كلم مربع، وتقدّر المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل بنحو 854 كيلومتراً مربعاً، وامتدت الاستفزازات الإسرائيلية إلى حد قيام البحرية الإسرائيلية بمنع أي سفن تنقيب عن الغاز من العمل في المياه الإقليمية اللبنانية.

وفي هذا السياق، هدّد الأمين العام لـ«حزب الله»، «حسن نصرالله»، قائلاً: «إذا قصفتمونا سنهاجمكم، وإذا هاجمتمونا سنهاجمكم، وإن منعتوننا سنمنعكم.. إننا نأخذ في الاعتبار استجابة المقاومة، ولا أحد يستطيع أن يسلب لبنان حقوقه في البر والبحر»، كما صرّح مجلس الدفاع الأعلى في لبنان، في فبراير 2018، عقب اجتماع استثنائي له «أنه يمنح الغطاء السياسي للقوى العسكرية لمواجهة أي اعتداء إسرائيلي على الحدود في البر والبحر».

وتتخوف إسرائيل من أن تقوم إيران بتزويد «حزب الله» بصواريخ تمكّنه من الهجوم على إسرائيل، وهو ما اتضح في تصريح «نتنياهو» في مؤتمر ميونيخ للأمن: «إذا أرادت إيران تزويد (حزب الله) بصواريخ، فسوف يتم تغير ميزان القوى، وبالتالي سيكون الرد الإسرائيلي عنيفاً».

3- إيقاف عمليات التنقيب

قامت السفن الحربية التركية في 9 فبراير 2018 بمنع السفينة سايبم 12000 التابعة لشركة إيني الإيطالية، من ممارسة أعمال الحفر والتنقيب في حقل «سوبيا» بالمنطقة رقم 3 التي تقع تحديداً في جنوب شرقي جزيرة قبرص، حيث أبلغ العسكريون الأتراك طاقم السفينة بوقف الرحلة، لأن المنطقة ستشهد مناورات عسكرية، وذلك في إطار استمرار حدة الخلاف بين تركيا وقبرص حول تقسيم مناطق النفوذ البحرية بينهما، وهو ما دفع الحكومة الإيطالية إلى اتخاذ إجراء احترازي لتأمين تنقيب شركاتها في المنطقة، حيث أمرت القوات البحرية بنقل وحدة عسكرية إلى شرق البحر المتوسط.

وقد تلقى قائد هذه الوحدة أوامر بعدم القيام بأي تصرفات من شأنها أن تؤدي إلى زيادة التوتر بينها وبين القوات التركية التي تحاصر السفينة، على أن تكون على استعداد لتقديم المساعدة اللازمة للسفينة سايبم بالتنسيق مع الفرقاطة اليونانية والإسبانية. وفي هذا الإطار، صرح الرئيس التنفيذي لشركة إيني، كلاوديو ديسكالزي، في 22 فبراير 2018، قائلاً: «إن من المرجح جدّاً أن يتم تحريك سفينة الحفر في الأيام المقبلة إلى موقع جديد، ربما يكون المغرب».

لماذا الآن؟

على الرغم من أن أعمال التنقيب والحفر في هذه المنطقة قد تصاعدت منذ عام 2009، بيد أن النزاع حول هذه الحقول، لم يحتدم بشكل واضح إلا خلال هذا العام، وهو ما يرجع إلى عدد من الأسباب التي يتمثل أهمها في ما يلي:

1- اكتشافات حقول الغاز

تزايدت أنشطة التنقيب والحفر في منطقة شرق البحر المتوسط من قبل شركات الطاقة العالمية، وتشير تقديرات بعض هذه الشركات إلى أن هذه المنطقة تقوم على بحيرة من الغاز تكفي لسد حاجة الأسواق الأوروبية لمدة 30 عاماً، وهو ما تأكد بعد اكتشاف حقل «تمار» من قبل شركة نوبل إنرجي الأميركية في عام 2009، ويخضع هذا الحقل لسيطرة الحكومة الإسرائيلية.

كما اكتشف في عام 2010 حقل «ليفياثان» الذي يقع على مسافة 135 كلم من شواطئ شمال مدينة حيفا بعمق 1600 متر تحت سطح البحر، إضافة إلى اكتشاف حقل «غزة مارين» بواسطة شركة بريتش غاز التابعة لشركة بريتش بتروليوم على مسافة 36 كلم من شواطئ قطاع غزة، إضافة إلى حقل غاز «أفروديت» على مسافة 180 كلم من الشاطئ الجنوبي الغربي لقبرص.

واكتشفت شركة «إيني» الإيطالية في عام 2015 حقل «ظهر» الذي يقع داخل المنطقة المصرية الاقتصادية في البحر المتوسط، ويبلغ حجم احتياطياته 30 تريليون قدم مكعبة، ويُعد أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في مصر والبحر المتوسط. وأخيراً اكتشفت «إيني» الإيطالية، بالتعاون مع «توتال» الفرنسية، حقل «كاليبسو» في المنطقة 6 المتنازع عليها بين قبرص وتركيا، وذلك في فبراير 2018.

وظهرت تحالفات عدة بين الشركات الدولية في هذه المنطقة، على رأسها الشركات الأميركية: نوبل إنرجي، وإكس موبيل، والإيطالية إيني، والفرنسية توتال، والروسية نوفاتك. كما ضمت المنطقة أعمالاً نشطة لشركة بريتش بيتروليوم البريطانية، لاسيما في مصر، وكوجار الكورية الجنوبية في مياه قبرص، وديليك الإسرائيلية في حقلي أفروديت وليفياثان، كما ستبدأ شركة تابعة للحكومة التركية في الحفر في المنطقة رقم 6.

2- الطموح التركي

تسعى تركيا إلى أن تتحول إلى مركز نقل للطاقة، وهو ما يتضح في قيامها ببناء وتطوير خطوط نقل الطاقة من روسيا وإيران وأذربيجان وقبرص وإسرائيل إلى أوروبا، ويأتي على رأس هذه المشروعات «السيل التركي» الذي يهدف إلى نقل الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا، ويبدو أن تركيا باتت ترغب أيضاً في أن تتحول إلى مصدر للطاقة من خلال سيطرتها على الغاز الذي يحيط بالجزيرة القبرصية. وفي هذا السياق، بدأت تركيا في توسيع نفوذها في البحر الأحمر، خصوصاً بعد تحركها للحصول على امتياز بميناء سواكن، وذلك في إطار سعيها لمد وتوسيع نطاق نفوذها في نقل الطاقة بالشرق الأوسط.

3- صعود الدور المصري

تواجه الدول المنتجة للغاز في منطقة المتوسط صعوبات تتعلق بكيفية نقل الغاز المنتج إلى الأسواق العالمية، فعلى سبيل المثال قامت إسرائيل بالإعلان في أبريل 2017 عن إنشائها خط أنابيب بالبحر المتوسط لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، حيث يمتد لمسافة طويلة وصولاً إلى قبرص باليونان، وربما إيطاليا، بكلفة تصل إلى ستة مليارات يورو، بيد أنه مكلف، وفي تقرير نشرته صحيفة «فايننشيال تايمز» تحت عنوان «العداء الجيوسياسي يخيّم على آفاق اكتشافات الغاز في المتوسط» تم طرح مسارات بديلة لنقل الغاز الإسرائيلي، حيث رأى التقرير أن الخيار الأقل كلفة هو خط بين تركيا وإسرائيل، بيد أن هناك خلافات بين الدولتين، كما أن حالة العداء العربية الإسرائيلية تحول دون مد الأنبوب في المياه الإقليمية لكل من لبنان وسورية.

في المقابل، لا تواجه مصر مثل هذه الصعوبات، حيث تمتلك محطتين للغاز الطبيعي المسال، ويمكن نقل الغاز المصري بسهولة إلى كل من أوروبا وآسيا عبر قناة السويس، وذلك بحسب التقرير، ويمكن لدول أخرى في منطقة شرق المتوسط أن تقوم بشحن غازها عبر الموانئ المصرية، ويبدو أن مصر تسعى لاستثمار هذه الفرصة بشكل جيد، حيث صرح وزير البترول والثروة المعدنية المصري، «طارق الملا»، في فبراير 2018، قائلاً: «نسعى لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز والبترول، يكون بمثابة مركز إقليمي استراتيجي للطاقة، من خلال إنتاج هذه الطاقة من موارد مصر، أو عبر استيرادها من الدول المجاورة لتلبية جانب من احتياجات السوق المحلية حال الاحتياج إليها، وأيضاً للأسواق الرئيسة في دول أخرى»، وهو ما عبّر عنه تقرير صادر عن البرلمان الأوروبي في عام 2017: «يبدو أن مصر تمتلك مفتاح مستقبل غاز شرق المتوسط».

4- تزايد الطلب الأوروبي

يتجه العالم حاليّاً إلى الاعتماد على مصادر طاقة أكثر أمناً وأقل تلوثاً، لذا فإن الغاز الطبيعي يصبح أكثر جاذبية من النفط، علاوة على ذلك فإن حقول الغاز الطبيعي المكتشفة في شرق البحر المتوسط تمثل فرصة استراتيجية لأوروبا، خصوصاً أن مخزون شمال المتوسط في تراجع، كما أن اعتماد أوروبا بشكل كبير على الغاز الروسي الذي أصبح يُعتمد كأداة ضغط يمثل تهديداً لأمن الطاقة الأوروبي.

5- الأزمات الاقتصادية

تعاني معظم دول منطقة شرق المتوسط حاليّاً من أزمات اقتصادية، وعلى رأسها ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، كما تعاني تركيا وقبرص تناقص إيرادات النقد الأجنبي، أما إسرائيل فتعاني نقصاً في موارد الطاقة والغذاء والمياه، ما يجعلها مضطرة دائماً للاعتماد على جيرانها في تأمين احتياجاتها في بيئة تعج بالنزاعات.

وتمثل احتياطيات الغاز الطبيعي في المناطق الاقتصادية لمياه هذه الدول أداة لتغطية الطلب المحلي من الطاقة، إضافة إلى أنها مصدر ضخم للإيرادات العامة، وتدفقات النقد الأجنبي، ناهيك عن دورها في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وخلق وظائف جديدة. وعليه فإن هذه الثروة من حقول الغاز يمكن الاعتماد عليها لحل الأزمات الاقتصادية بعض الشيء، والإسراع في عملية التنمية للدول المعنية.

سيناريوهات التصعيد والتسوية



تتعدّد احتمالات تطور صراعات الغاز في منطقة شرق المتوسط، فالتصعيد الراهن بين الدول المطلة على المتوسط لا يعني وجود احتمالات قائمة لتسوية الخلافات، وفي هذا الصدد تتمثل أهم سيناريوهات تطور صراعات الغاز في شرق المتوسط في ما يلي:

تشكل تحالفات جديدة

قد تسعى تركيا لإنشاء تحالفات جديدة تضم الأطراف التي لم تنخرط في أي تحالفات واضحة حتى الآن، مثل لبنان وسورية والسلطة الفلسطينية، لتحقيق هدفين، الأول هو الحصول على حصة من الغاز تغطي الطلب المحلي لها على الأقل، والثاني للتعاون مع هذه الدول لإنشاء خطوط غاز تمر إلى السوق العالمية. فلبنان وإن بدأ في الاستكشاف إلا أنه لم يدخل في أي تحالف بعد يؤمّن طريقاً لتصدير إنتاجه المستقبلي، أما سورية فقد منع مناخها المضطرب الشركات من الاستكشاف بها.

ويتوقع أن يتم اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في المياه السورية، ويشير العديد من المحللين إلى أن انخراط تركيا في الصراع السوري قد زاد أخيراً، رغبة في تأمين مصالحها، لاسيما ما يتعلق بالغاز عند الوصول إلى حل سياسي للصراع، بينما تمتلك السلطة الفلسطينية حق استغلال حقول الغاز الموجودة بالقرب من قطاع غزة، إلا أن ظروف الاحتلال والانقسام الفلسطيني تحول دون المطالبة به.

نشوب اشتباكات محدودة

قد تنشب اشتباكات عسكرية محدودة في هذه المنطقة، فعلى الرغم من قيام تركيا بالتلويح باستخدام القوة العسكرية، إلا أن قبرص صرحت بأنها لا ترغب في الدخول بمواجهات عسكرية، كما أن بعض التحليلات ترى أن إسرائيل لا ترغب في تحمّل كلفة خوض حرب جديدة في لبنان، خصوصاً في ظل تعقّد الأوضاع في قطاع غزة والضفة الغربية.

نجاح الوساطات الدولية

يتلخّص السيناريو الثالث في الوصول إلى اتفاق نهائي بوساطة دولية، حيث إن ثروة الغاز القابعة تحت شرق المتوسط لها أهميتها الكبرى في تغطية احتياجات السوق العالمية للطاقة، وعليه، فإن قوى دولية ستتحرك لتأمين إنتاجها، وبالفعل بدأت الولايات المتحدة في ممارسة دور الوسيط بين لبنان وإسرائيل، كما أعلن الاتحاد الأوروبي تأييده للموقف القبرصي واليوناني في الخلاف مع تركيا.

"الامارات اليوم"