يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو زيارته إلى واشنطن، تستغرق خمسة أيام، حيث يلتقي خلالها مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وبعض أعضاء الكونغرس، كما أنه من المقرر أن يلقي خطاباً في مؤتمر لجنة العلاقات العامة الأمريكية ـ الإسرائيلية، "أيباك".
الزيارة وإن كانت تقليدية في سياق العلاقات الثنائية الخاصة بين واشنطن وتل أبيب، الأمر نفسه ينسحب على المشاركة في مؤتمر "إيباك"، إلا أن هذا اللقاء تحديدًا بين نتنياهو وترامب والذي يعد الخامس بينهما منذ تنصيب الأخير رئيسًا لأمريكا، يضفي نوعا من الخصوصية والأهمية على الزيارة برمتها نظرا للظروف المحيطة بالمسؤولين من جانب، والملفات التي من المقرر أن يتم طرحها على جدول أعمال تلك الاجتماعات الثنائية من جانب آخر.
جولدا مآير – نيسكون 1973.. ما أشبه اليوم بالبارحة
تتشابه الأجواء التي تتم فيها الزيارة بتلك التي كانت عليها زيارة رئيسة وزراء الكيان الصهيوني ، جولدا مائير، للولايات المتحدة، في خريف 1973، حين التقت والرئيس الأمريكي – آنذاك – ريتشارد نيسكون، في الوقت الذي كانا فيه يواجهان هجومًا حادًا من قبل شعبيهما تسبب بشكل أو بآخر في تدهور شعبيتهما بصورة كبيرة.
نيكسون دخل هذا اللقاء بعد فضيحة "ووترغيت" التي كانت بمثابة "القشة" التي قصمت ظهر البعير، فيما كانت تواجه مائير الكثير من المتاعب بسبب تقصير حكومة بلادها قبل اندلاع حرب السادس من أكتوبر/ تشرين 1973، وبعد مرور ما يقرب من 45 عامًا على هذا الزيارة يأتي لقاء ترامب- نتنياهو في ذات الأجواء.
ترامب لا زال يعاني من الضعوط الممارسة عليه جرًاء التحقيقات حول التورط الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي كادت أن تطيح به خارج البيت الأبيض قبل أن يكمل مدته الرئاسية الأولى، فيما يواجه نتنياهو حزمة من الاتهامات بالرشوة واحتمالات انهيار التحالف الحكومي، في ظل استمرار موجات المعارضة والاحتجاجات الأسبوعية، ومن ثم يرى مراقبون أن جدول هذه الزيارة وما يتخللها من ملفات سيكون مسخرًا لتبييض صفحة الاثنين حيال مشكلات الداخل أكثر من أي ملف خارجي على صلة بمشكلات العالم.
القضية الفلسطينية
يعد ملف نقل السفارة الأمريكية للقدس الورقة الأبرز حضورًا في حقيبة ترامب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على المستوى الداخلي، كونها اللحن الأكثر طربًا للوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة وهو ما يعي الرئيس الأمريكي دوره وتأثيره في استتباب الأوضاع وغض الطرف عن الملاحقات القضائية الأخرى بشأن التورط الروسي في الانتخابات.
ترامب لم يكتف فقط بقرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، بل صعد من مغازلته للصهاينة عن طريق مزيد من الضغط على الفلسطينيين من خلال تجميد عشرات ملايين الدولارات من المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ليختتمها بالتلويح بنقل السفارة عمليًا في الرابع عشر من مايو / أيار القادم، تزامنًا مع الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية وإعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي المقابل يذهب نتنياهو وعينيه على إنجاز يغض طرف معارضيه ويخفض من صوت الاحتجاجات المستمرة مساء كل سبت طيلة الأشهر الأخيرة، وليس هناك إنجاز يمكن لرئيس الوزراء الصهيوني تحقيقه أفضل من اتخاذ الإجراءات التنفيذية لنقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، وهو الحلم الذي طالما داعب مخيلة الصهاينة طيلة العقود الماضية، وكان رؤساء الولايات المتحدة السابقين أكثر اتزانا من التورط في الإقدام على اتخاذ مثل هذه الخطوة.
موقف حرج آخر ربما يواجهه نتنياهو خلال كلمته التي من المقرر أن يلقيها خلال مؤتمر «الأيباك» ذاته، وذلك بعد الضربة القاصمة التي تلقاها أعضاء المؤتمر - المنتمين أغلبهم إلى التيار الليبرالي- من الوزراء المتدينين في ائتلاف نتنياهو حول عدد من المسائل الدينية والقانونية منها ما يتعلق بشرائع الصلاة عند حائط المبكى، ومشروع قانون لسحب سلطة المحكمة العليا في تطبيق مبدأ المساواة على الشؤون المتصلة بالتوراة، وتأجيل سوق طلاب المدارس الدينية إلى الخدمة العسكرية.
صفقة القرن
في الوقت الذي تسير فيه خطة ما يسمى بـ "صفقة القرن" على قدم وساق بين الأطراف المعنية وفي سبق للزمن، إلا أن المستجدات الأخيرة التي طرأت على المشهد ربما تدفع بالصفقة إلى التعثر مرة أخرى، خاصة الفضائح التي طالت صهر ترامب، جاريد كوشنر، الملقب بـ "مهندس الصفقة" والتي دفعت البعض إلى المطالبة بإبعاده نهائيًا عن هذا الملف.
العديد من أصابع الاتهام بدأت توجه لكوشنر بشأن تورطه في تقديم خدمات خاصة إلى أربع دول أجنبية، هي "إسرائيل" والصين والإمارات والمكسيك، على حساب دول أخرى، ما أجبر البيت الأبيض في النهاية على تخفيض مستوى تصنيفه الأمني وحرمانه من الاطلاع على الملفات الحساسة، وهذا يعني كفّ يده عملياً وحتى إشعار آخر.
عضو مجلس الشيوخ الأميركي، كريس مورفي، قال في تصريحات له إنه إذا ثبت حرص الإدارة الأميركية على حماية مصالح عائلة كوشنر المالية بالوقوف إلى جانب السعوديين والإماراتيين ضد قطر، والذي تم الكشف عنه مؤخرًا، فإن ذلك يستدعي تغييرات كبرى في البيت الأبيض، مضيفًا "إذا صحت هذه الأنباء فإنها تستدعي كل الإدانة، وتستدعي رحيل جاريد كوشنر من منصبه"، مشيرا إلى أن الكثير من المتابعين لأحوال الشرق الأوسط لم يستطيعوا فهم سبب وقوف إدارة ترمب بعناد إلى الجانبين السعودي والإماراتي ضد قطر.
الحاكم السابق لولاية نيوجيرسي، كريس كريستي، قال أن تمسك الرئيس الأميركي بصهره بصفته مستشارا رئيسيا له في إدارته يضر به، لافتًا في حديث لشبكة "أي بي سي" إلى أنه "بالنسبة إلى جاريد وإيفانكا وأفراد العائلة الآخرين أعتقد أن على الجميع أن يركز على ما هو أفضل شيء للرئيس"، وأضاف "للأسف بسبب المعركة الداخلية (في البيت الأبيض) والتسريبات فإنهم يضرون بالرئيس".
ورغم المناشدات والنداءات الصادرة عن مقربين من البيت الأبيض فضلا عن عدد من أعضاء الكونجرس بضرورة إبعاد كوشنر عن فريق عمل الرئيس إلا أن دونالد ترامب نفسه لا يبدو أنه مستعد للتخلي عن صهره الذي سلمه ملفات شائكة كالشرق الأوسط والصين والمكسيك وإصلاح النظام القضائي، إذ قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز قبل أيام إن "جاريد لا يزال عنصرا مهما في الإدارة"، وهو ما يعني احتمالية تعثر "صفقة القرن" إن استمر الوضع على ما هو عليه.
الملف الإيراني
يبقى الملف الإيراني أبرز الملفات المتفق عليها بين الجانبين، الإسرائيلي والأمريكي، إذ يحمل كليهما ذات الموقف من ضرورة تحجيم نفوذ طهران إقليميًا، خاصة داخل سوريا ولبنان واليمن، وهو ما توليه تل أبيب أهمية كبرى ربما تفوق في بعض الأحيان ملف المقاومة الفلسطينية.
ترامب أعرب أكثر من مرة عن رغبته في نسف الاتفاق النووي الموقع في 2015 وهو ما تدفعه إليه دولة الاحتلال بصورة مكثفة، غير أن الموقف الأوروبي المناوئ لمثل هذه الخطوة لا زال يمثل حجر عثرة أمام الرئيس الأمريكي في تنفيذ أحد أبرز وعوده الانتخابية التي قطعها على نفسه في السابق.
تمسك أوروبا بالاتفاق وتأكيدها على عدم السماح لواشنطن باللعب فيه مجددًا نظرًا لما يمثله من خطورة تهدد الأمن القومي الدولي، والتقارب الشديد بين طهران من جانب وموسكو وبكين من جانب آخر، فضلا عن المعادلات العسكرية الأخرى على الأرض والتي باتت أكثر تعقيدًا بعد النفوذ الإيراني المتمدد في عدد من الاتجاهات قد يجعل علاقات الحب الأمريكية ـ الإسرائيلية أضعف من أن تفكك مثل هذا التشابك الواضح في هذا الملف.
من ثم فإن الزيارة الحالية لنتنياهو لواشنطن رغم تقليديتها غير أن الملفات المدرجة على جدول أعمالها يضفي عليها الكثير من الأهمية والخصوصية، ليبقى السؤال: هل من الممكن أن تقود الاتهامات التي تلاحق كل من ترامب وصهره بجانب رئيس الوزراء الصهيوني إلى قلب الطاولة لصالح الفلسطينيين، خاصة بعد الكشف عن المؤامرة الأخيرة التي تضرب بنزاهة وحيادية الدور الأمريكي عرض الحائط؟ وهل يمكن أن يستغل الفلسطينيون هذا التعثر في عرقلة "صفقة القرن" وإفشال مخطط التمدد الصهيوني على حساب العرب؟