شَّكل وجود تنظيم «داعش» الإرهابى تهديدا خطيرا لكل دول العالم، خلال السنوات الأخيرة، التى نشط فيها التنظيم، وامتد إرهابه إلى أعتى ديمقراطيات العالم. والآن، ومع إعلان العراق، على لسان رئيس وزرائه، تحرير كامل أراضيه من عناصر التنظيم، ثم إعلان «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من قوات التحالف الدولى، بقيادة واشنطن، سيطرتها الكاملة على مدينة الرَّقَّة السورية التى كانت المركز الأقوى والمعقل الأبرز للتنظيم فى الأراضى السورية، ثم إعلان روسيا سحبَ قواتها من سوريا لانتهاء العمليات ضد التنظيم هناك، يُطِلّ علينا سؤالٌ منطقى: أين تذهب عناصر داعش؟ خاصّةً أن قادة الدول المعنيّة بمكافحة تنظيم داعش فى العراق وسوريا، يعلنون نهاية هذا التنظيم، إلا أنهم فى الوقت ذاتِه يشيرون إلى ضرورة تكاتف المجتمع الدولى من أجل مواجهة الخطر الداعشى المتناثر فى شتّى بقاع العالم من ذئابه المنفردة، ودعايته المنتشرة فى الفضاء الإلكترونى، وخلاياه النائمة، والعائدين إلى بلدانهم الأصلية، وهذا ما يعنى بعبارةٍ أخرى أن الخطر الداعشى مازال قائمًا. ومنذ ذلك الحين والمراكز البحثية والمتخصصة فى مجال مكافحة التطرف والإرهاب تبحث عن إجابةٍ للسؤال: أين ذهب الدواعش بعد خروجهم من سوريا والعراق؟، ولعل ذلك هو ما دعا مؤسسة الأزهر الشريف، من خلال مرصدها لمكافحة التطرف، إلى محاولة توقع خط سير «الدواعش». وبالفعل، أعدت وحدات المرصد، التى تعمل بـ 11لغة، دراسة عن المسارات المتوقعة للآلاف من مسلحى التنظيم الإرهابى، افترضت 3 سيناريوهات لتحرك عناصر التنظيم.
6 آلاف يتسللون لصحراء إفريقيا.. التفكير فى سيناء يجعلها مقبرة لهم.. وليبيا الهدف الأكبر
رأت الدراسة- عمومًا- أنه لم يعد أمام «داعش» سوى 3 خيارات، الأول: اللجوء إلى مناطق ودول يوجد له فيها موطئُ قدم، مثل سيناء، أو ليبيا، أو الحدود العراقية، والثانى هو تنفيذ عملياتٍ إرهابية فى أوروبا، ينقل خلالها المعركةَ من الشرق إلى الغرب، أما الثالث فيتلخص فى الانتقال إلى حرب العصابات والذوبان فى الصحراء.
وذكر عدد من المحللين السياسيين أن التنظيم قد يلجأ إلى ليبيا فى غرب إفريقيا، أو سيناء، أو أفغانستان، أو باكستان ومناطق آسيا الوسطى، وهى آراءٌ لها ما يؤيّدها على أرض الواقع.
كذلك فإن قارة إفريقيا، وبالتحديد منطقة الساحل والصحراء، من الجهات المحتمَل بقوّةٍ تَوَجُّه «الدواعش» إليها، ويؤيد هذا ما ورد على أكثرَ من موقعٍ الكترونى ممن له اهتمام بمسألة نزوحُ بعض المقاتلين الأفارقة الذين كانوا يقاتلون فى صفوف «داعش» بالشرق الأوسط إلى موطنهم، ونقلتْ أكثرُ من وكالةِ أنباءٍ خبر نزوح «الدواعش» إلى بعض هذه البلاد بوسط وجنوب إفريقيا.
وحذّر مفوّض السلم والأمن فى الاتحاد الإفريقى، إسماعيل شرقى، من أن حوالَى 6 آلاف إفريقى قاتلوا فى صفوف «داعش»، يمكن أن يعودوا إلى القارة السمراء، داعيًا الدول الإفريقية إلى الاستعداد بقوّةٍ للتعامل مع عودتهم.
وأشار إلى وجود تقاريرَ تفيد بوجود 6000 مقاتلٍ أفريقىٍّ ضمن 30 ألفا انضموا إلى هذا التنظيم الإرهابى فى الشرق الأوسط، الأمر الذى يثير مخاوفَ من أن يتكرر مثلُ ما حدث فى الجزائر من عودة مقاتلين من أفغانستان وإنشاء جماعات مستقلة.
ورأى مرصد الأزهر أن عودة هذه العناصر إلى إفريقيا، وبالأخَصّ فى منطقة الساحل والصحراء، يُمثِّل خطورةً على القارة الإفريقية، وعلى أمن واستقرار المواطنين بشكلٍ عامّ.
وفيما يتعلق بالقاهرة، أو سيناء تحديدًا، أكد التنظيم بالفعل فى العديد من إصداراته المرئية، أنه سيستهدف أفراد الشرطة والجيش المصرى، والأقباط، والصوفيين، ورموزَ الدين الإسلامى، الذين تمّ وصْفُهم بـ«علماءِ الشر».
وعلى الرغم من ذلك لايزال فاشلًا فى تحويل مصرَ إلى بؤرةِ صراعٍ وانقسام، وذلك بفضل رجال الجيش والشرطة البواسل، الذين يواجهونه بكل شجاعة، ويُقدِّمون شهداءَ فى هذا السبيل، ومِن ثَمّ يلعب التنظيم على وَتَر الطائفية، ليُسَهِّلَ بذلك عملياتِ تجنيد المحليين وإيجاد مواقعِ سيطرةٍ له فى الداخل، على غِرار ما حدث فى عددٍ من دول المنطقة.
أمّا ليبيا، فنظرًا لغياب الدولة الليبية، والانقسامات التى تعيشها منذ سقوط نظام معمر القذافى، فالأسباب تسمح لأىِّ تنظيمٍ إرهابى بالاستقرار فى هذه الدولة دون مقاومةٍ حقيقية، لذلك يسعى تنظيم «داعش» إلى الاستقرار فيها.
لكن ليبيا لا تتوافر فيها بعض الظروف التى تساعد التنظيمَ على تحقيقِ مكاسبَ سريعةٍ على أرض الواقع، فلا يوجد بها اختلافاتٌ مذهبية حادّة، أو عدوٌّ مشترَك يمكن حشد الدعم ضده، ولذلك يسعى التنظيم فى ليبيا إلى التعجيل بانهيار الدولة وتقويض مشاعر القومية المشترَكة لدى الليبيين، ولذلك يعمل على تعزيز الظروف التى من شأنها أن تتيح له ترسيخ نفوذه.
ومن أهم الأسباب التى ترى الدراسة أن عناصر «داعش» اعتمدت عليها للتوجه نحو ليبيا، موقعها الجيوسياسى، الذى يقع على حافَة منطقة الساحل، مما يسمح له بالتوسُّع نحو غرب إفريقيا، ومحاولة التحالف مع «بوكو حرام»، التى تنشر الرعب فى نيجيريا. وبحسب الدراسة، فإن التنظيم سبق أن أعلن قبل ذلك أن له فى ليبيا ثلاثَ ولاياتٍ فى كلٍّ من طربلس، وبرقة، وفزان، ومن ثَمّ جعَل التنظيم من ليبيا فى الفترة من 2015 - 2016 قلعةً له فى شمال إفريقيا، واستولى على مدينة سرت فى 2015، وصرّح البنتاجون فى 2016 بأن عدد مقاتلى تنظيم داعش فى ليبيا فى حدود 6500 مقاتل.
كما أن من أهم مميزات ليبيا بالنسبة للتنظيم امتلاكُها ثروةً نفطية هائلة توفّر لهم، حال السيطرة عليها، مواردَ ماليّةً ضخمة، وإذا كانت ليبيا قد نجحت فى دحر التنظيم فى سرت، إلّا أنه مازالت له خلايا فى الصحراء.
أفغانستان أفضل خيار.. باكستان مرشحة و22 جماعة فى جنوب شرق آسيا تعلن الولاء
تمثل أفغانستان مناخا مناسبًا لتنظيم «داعش»، إذ تتشابه مع العراق وسوريا، فى وجود أقليةٌ شيعيةٌ، مما يُمَكِّنه من اللعب على وَتَر الطائفية، وهذا بالفعل ما حدث، وتَوَجّه عددٌ كبير من الدواعش إلى أفغانستان بعد هزيمتهم فى سوريا والعراق.
أمّا باكستان، فهى الأخرى من أهداف «داعش»، وذكرتْ جريدة «تايم ترك» التركية أن التطوراتِ الأخيرةَ تشير إلى أن الهدف الجديد لمقاتليه القابعين فى أفغانستان هو مشروع الصين، والمعروف بـ«طريق الحرير الجديد»، الذى يُرى كأكبرِ خَطِّ مواصلاتٍ وأكبرِ مشروعٍ تجارى فى العالم، سوف يربط الصينَ بتركيا وأوروبا وجمهوريات آسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان ودولٍ أخرى.
وترى الدراسة أن وِجهة النظر هذه ربما تكون الأقربَ للحقيقة، لاسيّما وأننا إذا نظرنا إلى استراتيجية الصين فى إعادتها لبناء طريق الحرير الجديد، لوجدناها تقع ضمن استراتيجية تنظيم «داعش» التوسعية بعد هزيمته فى كلٍّ من سوريا والعراق.
وعلى سبيل المثال فإن استراتيجية الصين فى باكستان الخاصّة بالمشروع قائمةٌ على إنشاء الطريق التجارى من مدينة «كاشغر» غرب الصين، الذى سيمتد حتى ميناء «غوادار» جنوب باكستان على بحر العرب، فى إقليم «بلوشستان» القريب من الحدود الإيرانية - الباكستانية، على أن يلتف بعدها إلى «شنجيانج» الصينية، وهذا سيحقق للصين منفذًا إلى المحيط الهندى والشرق الأوسط، وسيربط المدن الباكستانية بعضَها ببعض.
الأمر ذاته مع بنجلاديش، وميانمار، واللتين تقعان ضمن الممرات البرية الستة التى تُشَكِّل طريقَ الحرير البَرّى، وهذا المَمَرّ يمتد من جنوب الصين إلى الهند، وإذا كان 2016 هو العام الذى شهد انضمام بنجلاديش إلى المشروع الصينى، فإنه أيضًا العام نفسه الذى شهد إعلان «داعش» بداية الجهاد فى أرض «البنغال».
وبالفعل أعلن «داعش» مسئوليته عن عدّة عملياتٍ إرهابية حدثت فى بنجلاديش، كذلك أيضًا حذّر الكثير من الكُتّاب والمتخصّصين فى مكافحة التطرف والسياسيين، من أن أحداث العنف غير العادية والإبادة الجماعية والتطهير العِرْقى ضد مسلمى «الروهينجا» فى إقليم «أراكان»، تُشَكِّل مُناخًا مساعِدًا ومهيّئًا لظهور تنظيم «داعش» وغيرِه من الجماعات المتطرفة فى البلاد.
وكشف مرصد الأزهر- فى دراسته- أن من ضمن هذه الدول، التى ذكرها القادة السياسيون دولتَى الفلبين وإندونيسيا، ويسعى تنظيم «داعش» إلى وضع أقدامه فى جنوب شرق آسيا، لاسيّما فى الفلبين. وشارَك فى الفترة الماضية نحو