لم يعد بوسع الأمريكي ان يحقق في سوريا نتائج تذكر في المستوى الأستراتيجي، Hدوات اللعب بين يديه محدودة القدرات، كل مافي وسعه هو المشاغبة وتعطيل الحل ، حتى مناورته التقسيمية باقتطاع الجزء السوري من شرق الفرات كياناً كردياً ليست متاحة وستواجه معارضة شديدة من الاعبين الأساسين على الأرض: روسيا ايران وتركيا بالاضافة للحكومة السورية بطبيعة الحال. (أصدقاء) امريكا من الأكراد غير قادرين على تغير المعادلة ،رأسمالهم الأوحد ما تسبغه امريكا عليهم من حماية عبر قواعدها المنتشرة شمال سوريا، وهي (حماية) بالهيبة أكثر منها بالفعالية ،فكيف الحال مع قرار امريكي بالخط العريض ومؤداه: "تجنب الغوص في أوحال المنطقة "على غرار ما أصابها عند اجتياحها للعراق من مقاومة قد تواجهها مستقبلاً في سوريا شرقي الفرات ,وحيث الديموغرافيا عربية في الغالب ، وحيث الحكومة السورية هي الممسكة بمفاصلها.
الكرد الأخـرين
مقابل الكرد من (اصدقاء) امريكا هناك كرد أخرين لايثقون بها بحكم التجارب التاريخية على الأقل وأخرها استفتاء كردستان الذي حرضت امريكا اكراد العراق عليه ثم تخلت عنهم في منتصف الطريق، وعليه بات السؤال المطروح من البعض غير القليل من النخب الكردية السورية : إلى اي حد يمكن الوثوق بأمريكا ؛ طارحين السؤال :هل من المعقول التصديق بانه من الممكن إقامة (دولة كردية) أو (دولة) بسيطرة كردية شمال شرق الفرات تعارضها تركيا حليفتها الأطلسية منذ ستين سنة!، أخذين بالأعتبار أن "المسألة الكردية" لاتقبع في سوريا بل بشكل اساس في قلب تركيا بالجغرافيا والديموغرافيا مما يعني أن اي كيان كردي على حدود تركيا سيشظي هذه الأخيرة . أيضاً العقلاء من اكراد سوريا يدركون صعوبة بناء قاعدة امريكية كبيرة في سوريا شرق الفرات ودونها عائقان كبيران، الأول لوجستي من حيث عدم امكانية الوصول لأي مكان على الأراضي السورية الداخلية إلا عبر تركيا، باعتبار الأمر غير وارد من ايران او العراق .. والعائق الثاني هو في أن (الكيان) المذكور سيصبح على كف عفريت حيث لن تترك الحكومة المركزية في دمشق امكانية الأستقرار لأية سلطة انفصالية إلا وستواجهها بطريقة او أخرى مدعومةً من حلفائها. لعل مشروعية القلق الكردي من امريكا، أن هذه الأخير لم تلغ خيار "داعش" بالرغم من كل ما حصل، فأمريكا التي تتقن لعبة الخيارات تخشى من فقدان السيطرة على هذا الجزء من سوريا لهذا تركت لداعش جيبا لابأس به في الشمال السوري وعلى الحدود مع العراق يضم 30 الف مقاتل أي بما يمكنها من تحويلهم إلى سوريا أو إلى العراق بحسب مقتضيات (الفوضى) المطلوبة وإعادة خلط الأوراق !!. هذا فضلاً عن حوالي 4000 مقاتل داعشي في الرقة ومحيطها غابت أثارهم بغطاء امريكي!.
اردوغان وأمريكا
يبدو اردوغان حيال امريكا كلاعب الشطرنج يحرك بيادقه في وجهها ليسد عليها امكانية السيطرة على الرقعة وفقاً لشروطها الحالية ، فيما غايته منح تركيا دوراً في القضية السورية بوصفه احد مفاتيح اللعبة اقليمياً كما هو حال ايران، وهذا التحدي لا يتأتى له لولا أرباكات السياسة الأمريكية في المنطقة وتراجع تأثيرها. وعليه فهو يجهد نفسه لسحب الورقة الكردية من التداول في (لعبة تجميع الأوراق )، باعتبارها تشكل خطرا على تركيا كما اسلفنا، أخرها ما طرحه على وزير خارجية امريكا خلال زيارته لأنقره بتشكيل وحدات امريكية تركية مشتركة في منبج . يعتقد من يعرف شخصية اردوغان سريعة التلون، قليلة الوفاء بعهودها بأنه قد يترك الثنائي الروسي الايراني إذا ما افسحت امريكا له حضورا بحيث يعود لاعبا قويا في الشمال السوري؛ وبهذا الصدد يعتقد الكثير من المراقبين وبينهم صجفين أتراك بان اقترابه من روسيا ماهو إلا مناورة غايتها الضغط على امريكا. لكنها مناورة بسقف!، وهو السقف الأطلسي الذي لا يمكن لاردوغان ان يخرقه حتى ولو حاصرت امريكا تطلاعاته "العثمانية" أو أذته في بعض الأماكن، وهذا لأعتبارات قد يكون الأقتصادي هو الأكثر شأنا بينها من العسكري، وحيث حزب العدالة والتنمية هو من ابرز الأطر السياسية في تركيا تمثيلاً للرأسمال التركي وحمايةً لمصالحه وهو الرأسمال المرتبط وثيقاً بالعجلة الكبرى للراسمال الغربي واسواقه المالية الخاضعة للهيمنة الأمريكية.
لؤي توفيق حسن*
لهذا سيبدو من الخطاء الجسيم ان تظل الأبواب مشرعة لأردوغان، لا سيما إذا حسمت "وحدات الشعب الكردي" امرها جادة بالعودة إلى الوطن السوري عندها يجب ان تنجلي الأمور، فإذا كان اردوغان جاداً في الأعتقاد بان كياناً كرديا على حدوده كما تريد امريكا يضر بالكيان التركي مستقبلاً، فلا مخرج له إلا بحسم أمره ومد اليد إلى دمشق ، اما فكرة التغير الديموغرافي لشريط حدودي مع سوريا يملأه بالعرب من النازحين السورين إلى تركيا فهو إجراء خبيث يرمي لنقل المشكلة إلى الجانب الأخر من الحدود أي إلى سوريا التي عليها ان تتحمل نزوحاً كرديا إلى داخلها . وبالتالي استحداث احتكاك عربي كردي جديد مفاصله بيد تركيا ويصب في خانة تقسيم سوريا.
بين اضطراب الرؤية الأمريكية وحراجة الموقف التركي على اردوغان ان يقرر إما هو عضو في الشرق الأوسط المستقر أو سيجد نفسه في أتون "الشرق الأوسط الجديد"، وإذا ما قُسٍّمت تركيا سَتُنكء جراحات وتُستعاد مطالب او احلام، وعندها لن تجد من يبكي عليها بقدر من يبحث عن حصته منها !!!.
(*) كاتب لبناني ـ العهد اللبتاني