2024-11-27 12:33 م

حرب سيناء 2018: محاربة الإرهاب ومخاوف التهجير

2018-02-11
ربما يكون الأسبوعان المقبلان الأقسى على سيناء المصرية خلال السنوات الأخيرة، وهي التي دفع أهلها ثمناً باهظاً للحرب ضد تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، خصوصاً بعد العام 2013، حين كثّفت مصر من عملياتها في تلك المنطقة بهدف القضاء على التنظيم، من دون نجاح كبير، على الرغم من الدعم الإسرائيلي الذي تجلّى خصوصاً بقصف جوي لقادة التنظيم وعناصره، غير أن الأخير استمر بتنفيذ اعتداءات ضد الجيش والمواطنين.
وقبل 17 يوماً من انتهاء مهلة الثلاثة أشهر التي أعطاها الرئيس عبد الفتاح السيسي للجيش المصري لإنهاء الإرهاب في سيناء، متحدثاً أكثر من مرة عن استخدام القوة الغاشمة" لتحقيق هذا الهدف، بدأ الجيش، أمس الجمعة، عملية عسكرية يُتوقع أن تكون الأضخم في سيناء تحت عنوان "سيناء 2018"، لإنهاء وجود تنظيم "ولاية سيناء" في مدن محافظة شمال سيناء بشكل كامل. غير أن نجاح هذه المهمة يواجه شكوكاً كبيرة، خصوصاً أن تطورات السنوات الماضية أظهرت أن الغارات الجوية لا تكفي للقضاء على "ولاية سيناء"، بما يستدعي عمليات برية للقضاء على مجموعات التنظيم بشكل متزامن في كافة مناطق رفح والشيخ زويد والعريش، وهو ما يعني مواجهات عنيفة قد تكون فاتورة ضحاياها كبيرة على الجيش المصري.

أما القلق الأكبر فيبقى على المدنيين في تلك المنطقة، وسط مخاوف من أن تكون الخسائر في صفوفهم كبيرة، خصوصاً أن الجيش قد يعمد لاستخدام سياسة الأرض المحروقة لضرب التنظيم، ما يعني أيضاً أن عشرات المنازل والمزارع ستكون عرضة للتدمير. وكان لافتاً كذلك إعلان السلطات رفع حالة الاستنفار الأمني للدرجة القصوى في جميع أنحاء البلاد، بالتزامن مع انطلاق عملية سيناء، بما يشير إلى مخاوف من قيام التنظيم بعمليات خارج سيناء أيضاً. وأمام هذا الواقع، قد يكون الإنجاز الذي يبحث عنه النظام في الأيام الـ17 المقبلة، إنهاء وجود "ولاية سيناء" في مدينة رفح كمرحلة أولى، ما سيوفر فرصة للسيسي لتقديم ذلك كإنجاز أمني لصالحه قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

عملية شاملة

وأعلن الجيش المصري، أمس، في بيان متلفز عبر المتحدث الرسمي باسمه، العقيد تامر الرفاعي، عن بدء عملية عسكرية شاملة في شمال ووسط سيناء، ومناطق أخرى في دلتا مصر، والظهير الصحراوي غرب وادي النيل، في إطار تنفيذ خطة مجابهة "العناصر والتنظيمات الإرهابية والإجرامية". وقال إن القوات البحرية وقوات حرس الحدود تشارك أيضاً في تنفيذ الخطة.

وبدأت العملية العسكرية بقصف جوي عنيف استهدف مناطق واسعة من مدينتي رفح والشيخ زويد. وقالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، إن طيراناً حربياً يحلق على ارتفاعات عالية، شن عشرات الغارات على مناطق ياميت والأحراش والبحر، شمال مدينة رفح، ومناطق نجع شيبانه والمهدية، جنوب رفح، وكذلك قرى جنوب مدينة الشيخ زويد. وأضافت المصادر ذاتها أن الأهالي لم يتعرفوا على هوية الطائرات، مصرية أم إسرائيلية، لارتفاعها الشاهق، عكس المعتاد في حال قصف الطائرات الحربية فإن المواطنين يتمكنون من رؤية العلم المصري على ذيل الطائرات.

وتأتي هذه الغارات تزامناً مع حشود عسكرية للجيش المصري وصلت إلى مدينة رفح والشيخ زويد خلال الأسبوعين الماضيين، في ما بدا تمهيداً للعملية العسكرية. كما أكدت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، أن السلطات المصرية منعت دخول أهالي محافظة شمال سيناء من نفق الشهيد أحمد حمدي في السويس، ليلة الجمعة، فيما جرى توجيه المسافرين إلى معديات الإسماعيلية للمرور.

كما اتخذت قوات الأمن المصرية إجراءات أخرى في سيناء، أهمها قطع شبكات الاتصال والإنترنت والكهرباء عن مدن محافظة شمال سيناء بشكل كامل، حرصاً على عدم تسرب أي معلومات من سيناء أو منعاً للتواصل بين مجموعات التنظيم خلال الأيام المقبلة، كما أغلقت كافة طرق شمال ووسط سيناء بشكل كامل وحتى إشعار آخر ومنعت تحرك المواطنين بين مناطق سيناء المختلفة. وعمد الأمن المصري لإغلاق محطات وقود ومحلات تجارية في المنطقة، فيما أعلنت جامعة سيناء تأجيل بدء العام الدراسي بسبب العملية العسكرية.

وأغلقت السلطات المصرية معبر رفح البري الذي يفصل أراضيها عن قطاع غزة بعد يومين من فتحه استثنائياً. وقال مسؤول أمني في المعبر من الجانب الفلسطيني لـ"العربي الجديد"، إن مصر أغلقت المعبر بعد اشتداد العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش في سيناء.

وكانت وزارة الصحة المصرية قد أصدرت منشوراً داخلياً يُفيد بإخلاء مستشفيات الإسماعيلية 30 في المائة من أسرّة تخصصات الجراحة العامة والعظام والرعايات المركّزة والحروق، إيذاناً برفع حالة الاستعداد، وحصر عدد خلايا حفظ الموتى في المستشفيات، والإبلاغ عن أي أعطال فجائية فور حدوثها، وإلغاء كل الإجازات لكل العاملين من أطباء وصيادلة وممرضين وفنيين وعمال.

مخاوف من خسائر كبيرة

وعن النتائج المتوقعة للعملية العسكرية الجديدة، فإن المؤكد، حسب مراقبين ومهتمين بالشؤون العسكرية، أن الخسائر في صفوف المدنيين والجيش وتنظيم "ولاية سيناء" على حد سواء ستكون مرتفعة مقارنةً بالحملات العسكرية السابقة، عدا عن أن عشرات المنازل والمزارع ستكون عرضةً للتدمير على يد قوات الجيش التي من المتوقع أن تتخذ سياسة الأرض المحروقة للإفلات من كمائن التنظيم التي عانى الجيش من الوقوع فيها خلال حملاته العسكرية.

وعن الخسائر في صفوف المدنيين، فإنه من المعتاد، وفقاً لمصادر قبلية، أن يدفع المواطن في سيناء ثمن هذه الحملات العسكرية باستهدافه من قبل قوات الأمن بشكل مباشر أو غير مباشر، فيما يتجهز الجيش من خلال حالة الطوارئ التي أعلنها في مستشفيات سيناء والقناة إلى خسائر بشرية فادحة، بالنظر إلى قدرات التنظيم العسكرية في المعارك البرية مع الجيش على مدار السنوات الماضية. ومما يزيد قوة التنظيم في التصدي للحملة الحالية أن العشرات من أفراده هم من الوافدين الجدد من مناطق متفرقة كسورية والعراق، وكذلك غزة وليبيا خلال الأسابيع الماضية، وغالبيتهم من المتمرسين على القتال وشاركوا في معارك مع أطراف عسكرية مختلفة.

 وثمة من يرى في سيناء أن حجم المبالغة الإعلامية الظاهرة في متابعة الهجوم الحالي على محافظة شمال سيناء، مردّه إلى السعي لخلق حالة من النزوح الشامل للمواطنين، خصوصاً مناطق الشيخ زويد والعريش، وهذا ما قد يؤتي ثماره خلال الساعات المقبلة في حال سمحت قوات الأمن للمواطنين بترك منازلهم والابتعاد عن المناطق التي ستشهد معارك عسكرية برية مع التنظيم، ما سيُعد فصلاً جديداً في مسلسل التهجير القسري للمواطنين من سيناء، والذي بدأ منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2014، وأدى إلى نزوح عشرات آلاف السكان من مدينتي رفح والشيخ زويد.

وعن فرص نجاح المؤسسة العسكرية في اختبار سيناء الجديد، خصوصاً في ظل القيادة الجديدة لرئاسة الأركان بقيادة محمد فريد حجازي، فإن الجيش بحاجة لعدة مقومات ميدانية تمكنه من السيطرة الفعلية على الأرض، وطرد التنظيم، أهمها مشاركة الأهالي بالمعلومات وخصوصاً عن تحركات التنظيم، وهذا ما لم يكن يقبله الكثير من الأهالي على مدار السنوات الماضية. كما يحتاج الجيش إلى خطة عسكرية تمكنه من إحكام السيطرة على منافذ المدن الرئيسية في المحافظة، وهذا ما لا يقدر عليه في ظل ترامي أطراف المدن ودخولها في الصحراء، وهي دروب معروفة جيداً للتنظيم في ظل أن عدداً كبيراً منهم هم من السكان المحليين.

كما يحتاج الجيش من أجل السيطرة ونجاح الحملة إلى أن يكون هناك تواصل مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية على الحدود مع قطاع غزة، منعاً لهروب أي مجموعات من التنظيم إلى الشق الآخر من الحدود. وفي هذا السياق، قالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، إن قوات الأمن الفلسطينية عززت من تواجدها على الحدود، ومنعت أي حركة في تلك المنطقة بعد أن تحوّلت لمنطقة عسكرية مغلقة، في مقابل أن قوات حرس الحدود المصرية دفعت بكتائب جديدة على الحدود مع غزة بشكل لافت خلال الساعات القليلة الماضية.

وثمة من يربط بين الحملة العسكرية والتنسيق مع أمن غزة، وزيارة وفد رفيع المستوى من حركة "حماس" برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية إلى القاهرة أمس، في اليوم نفسه الذي بدأت فيه الحملة العسكرية في سيناء، خصوصاً بعد تصاعد العداء بين تنظيم "ولاية سيناء" وحركة "حماس" في الأسابيع القليلة الماضية، في ظل استمرار الحديث الموسمي عن مشروع تبادل أراضٍ بين الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية على أن يتم تحويل أجزاء من سيناء المصرية إلى أراض فلسطينية بديلة عن أراضٍ مصادرة في الضفة الغربية مثلاً.

مخاطر التدخل البري

وفي تفاصيل المشهد في سيناء، قالت مصادر قبلية من مدينة رفح، إن مجموعات عسكرية تتبع لتنظيم "ولاية سيناء" نصبت حواجز عسكرية خلال اليومين الماضيين اللذين سبقا بدء العملية العسكرية، لقطع الطريق على أي تحركات من المواطنين قد تدعم الجيش، فيما أقدمت على تفتيش السيارات والمارة بشكل دقيق، بحثاً عن أي معلومات قد تكون لديهم عما يخطط له الجيش.

وأوضحت المصادر ذاتها أن القصف الجوي لا يؤذي التنظيم كثيراً، نظراً إلى أن التنظيم قد أعدّ خنادق وأنفاقاً صغيرة يمكنه الاختباء بها خلال الغارات الجوية، ما يستدعي تدخلاً برياً للقضاء على مجموعات التنظيم بشكل متزامن في كافة مناطق رفح والشيخ زويد والعريش، كي لا تستطيع أي مجموعة إسناد أخرى. وأكدت أن حالة من القلق تسود في أوساط المدنيين الذين بقوا في مدينة رفح بعد إزالة غالبية مناطقها خلال تنفيذ المنطقة العازلة مع قطاع غزة، مشيرة إلى أن القصف الجوي شبه عشوائي لعدم توافر معلومات دقيقة عن أماكن تواجد مجموعات التنظيم.

في السياق، قال باحث في شؤون سيناء، إنه في حال قرر النظام المصري بشكل جدي إنهاء وجود "داعش" في سيناء سيستطيع تنفيذ ذلك، من خلال استخدام القوة التي عززها في الآونة الأخيرة عبر الدفع بقوات عسكرية غير مسبوقة إلى مدن محافظة شمال سيناء، وهي ذاتها "القوة الغاشمة" التي تحدث عنها السيسي في أكثر من مناسبة، مضيفاً أن القصف الجوي لن يحسم المعركة، لأن التنظيم ليست لديه مواقع عسكرية أو منشآت يمكن استهدافها. وأوضح أن الأيام المتبقية على انتهاء المهلة والبالغة 17 يوماً من أصل ثلاثة أشهر، قد تكون كافية لتنفيذ حملة عسكرية واسعة النطاق، تنهي وجود "داعش" في مدينة رفح على الأقل كمرحلة أولى، وإنْ كان ذلك على حساب إنهاء الوجود السكاني فيها، بتدمير ما تبقى من أحياء ومنازل متناثرة على حدود المدينة، مشيراً إلى أن العملية العسكرية الحالية تأخذ زخماً إعلامياً غير مسبوق من قبل النظام، وهو ما يزيد الضغط على المؤسسة العسكرية من أجل إنجاحها.

*محمود خليل - العربي الجديد