2024-11-28 03:42 م

تجاهل أمريكا للقانون الدولي ينذر بحرب عالمية وشيكة

2018-02-07
محمد أمين

أودت الحروب التي اندلعت خلال رُبع القرن المنصرم بحياة الملايين حول العالم. ولكن – ومع اندلاع حروب أهلية ودينية في سوريا وأفريقيا الوسطى وأفغانستان والعراق – ظل حدوث صدامات مدمرة بين القوى العالمية العظمى أمراً مستبعداً.

أصدر البنتاغون، الأسبوع الماضي، استراتيجية جديدة للدفاع الوطني وضع فيها الصين وروسيا فوق الحركات الجهادية باعتبارهما التهديد الأكبر للولايات المتحدة. وحذر رئيس هيئة الأركان العامة البريطانية هذا الأسبوع من تعرض بلاده إلى هجوم روسي. والآن، لا تزال الولايات المتحدة وكوريا الشمالية قريبتين جدا من اندلاع حرب بينهما تهدد بجر الصين أو ان تتصاعد إلى كارثة نووية.

وكما ورد في تقريرنا الخاص هذا الأسبوع حول مستقبل الحرب، فإن التحولات القوية والطويلة الأجل في الجغرافيا السياسية وانتشار التكنولوجيات الجديدة تؤدي إلى تآكل الهيمنة العسكرية غير العادية التي تتمتع بها أميركا وحلفاؤها. فمن الممكن اندلاع صراع على نطاق وشدة لم يسبق لهما مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. والعالم ليس مستعدا لذلك.

ضربة وقائية

الخطر الأشد الآن، هو احتمال اندلاع الحرب في شبه الجزيرة الكورية، وربما هذا العام. فقد تعهد دونالد ترامب بحرمان كيم جونغ اون زعيم كوريا الشمالية من القدرة على ضرب اميركا بصواريخ باليستية تحمل رؤوسا نووية، وهي القدرة التي تشير الاختبارات الأخيرة إلى انه قد يمتلكها خلال اشهر، ان لم يكن يمتلكها بالفعل. ومن بين خطط الطوارئ، التي تدرسها وزارة الدفاع الأميركية، توجيه ضربة وقائية لتعطيل المواقع النووية في كوريا الشمالية. وعلى الرغم من انخفاض الثقة في نجاح مثل هذه الضربة، إلا أن المؤسسة العسكرية يجب أن تكون على استعداد لتنفيذ أوامر الرئيس في حال صدورها.

وحتى إذا نفذت الولايات المتحدة هجوما محدوداً، فإنه قد يؤدي إلى حرب شاملة. ويعتقد المحللون ان المدفعية الكورية الشمالية يمكن ان تقصف العاصمة الكورية الجنوبية سيئول. ويمكن أن تنشر الطائرات من دون طيار والغواصات والقوات الخاصة، وقد تستخدم الأسلحة البيولوجية والكيميائية وحتى النووية. وسوف يموت عشرات الآلاف من الناس، وربما أكثر من ذلك بكثير، إذا تم استخدام الأسلحة النووية.

لقد سبق لهذه الصحيفة أن جادلت بأن احتمال حدوث مثل هذا الرعب يعني أنه إذا فشلت الدبلوماسية، ينبغي احتواء كوريا الشمالية وردعها بدلاً من شن الحرب. وعلى الرغم من ذلك، فإن اندلاع الحرب يظل احتمالاً قوياً. فقد يخلص ترامب ومستشاروه إلى أن كوريا الشمالية النووية ستكون متهورة جدًا، وتسبب انتشار السلاح النووي وأنه من الأفضل المخاطرة بالحرب في شبه الجزيرة الكورية اليوم من هجوم نووي على مدينة أميركية غدًا.

ركائز أساسية

وحتى لو ظلت الصين خارج أي حرب كورية ثانية، فإن كلا من روسيا والصين تدخلان في السباق على تبوؤ مركز القوة العظمى مع الغرب. وسيكون التعاطي مع طموحاتهما أكثر صعوبة من طموحات كوريا الشمالية. لقد وفرت ثلاثة عقود من النمو الاقتصادي غير المسبوق للصين ثروة لتطوير قواتها المسلحة، وإعطاء زعمائها الشعور بأن اللحظة المناسبة قد حانت. ومن المفارقات أن روسيا، بحاجة إلى تأكيد نفسها الآن، لأنها في تراجع على المدى الطويل. وقد بذل قادتها جهودًا مضنية لاستعادة قوة روسيا، وهم على استعداد لتحمل المخاطر لإثبات أنهم يستحقون الاحترام والتعامل معهم على قدم المساواة.

وقد استفاد البلدان من النظام الدولي الذي بذلت أميركا أكثر من غيرها، جهدًا لإقامته وضمان بقائه. لكنهما تنظران إلى ركائزه الأساسية – حقوق الإنسان والديموقراطية وسيادة القانون – باعتبارها سبيلاً لفرض اجندة خارجية والتدخل الأجنبي الذي يُضعف شرعيتها. وتقوم هاتان الدولتان الآن، بمراجعة سياساتهما من أجل تحدي الوضع الراهن والنظر إلى محيطهما باعتباره مناطق نفوذ ينبغي السطرة عليها. وهذا يعني بالنسبة للصين، شرق آسيا. وبالنسبة لروسيا، يعني أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى.

منطقة رمادية

وربما الصين وروسيا ترغبان عن مواجهة عسكرية مباشرة مع أميركا ستخسرانها، بالتأكيد. لكنهما تستخدمان قوتهما الصلبة والمتنامية بطرق أخرى، لا سيما عن طريق استغلال «منطقة رمادية» حيث يكون العدوان دون المستوى الذي يهدد بمواجهة عسكرية مع الغرب. ففي أوكرانيا، مزجت روسيا بين القوة والتضليل واختراق الحدود والحرب الالكترونية والابتزاز الاقتصادي، بطرق لا تستطيع المجتمعات الديموقراطية أن تنسخها كما تجد صعوبة في الرد عليها. وكانت الصين أكثر حذرًا، لكنها طالبت واحتلت وحاصرت الشعاب المرجانية والمياه الضحلة في المياه المتنازع عليها.

وقد سخرت الصين وروسيا التكنولوجيات العسكرية التي اخترعتها أميركا، مثل الضربة الدقيقة البعيدة المدى والحرب الكهرومغناطيسية الطيفية، لرفع تكلفة التدخل ضدها بشكل دراماتيكي. وتهدف الصين إلى اخراج القوات البحرية الأميركية من منطقة المحيط الهادي حيث لم يعد بإمكانهم استعراض قوتهم، بسلام في بحر الصين الشرقي والجنوبي. وتريد روسيا أن يعرف العالم أنها تمتلك قوة نيران في المنطقة الواقعة من القطب الشمالي إلى البحر الأسود، أكبر من خصومها، وأنها لن تتردد في استخدام هذه القوة.

ضوء أخضر

فإذا كانت أميركا تسمح للصين وروسيا بإقامة مناطق نفوذ إقليمية، فإنها ستمنحها ــ إما عن وعي أو لأن سياساتها عاجزة عن الرد ــ الضوء الأخضر لتحقيق مصالحها بالقوة الغاشمة. فعندما تمت تجربة مثل هذه السياسة آخر مرة، كانت النتيجة، اندلاع الحرب العالمية الأولى.

وقد تضيف الأسلحة النووية، التي شكلت مصدرا للاستقرار منذ عام 1945، المزيد من المخاطر. فأنظمة القيادة والتحكم أصبحت معرضة للقرصنة أو «تعمية» الأقمار الصناعية، التي تعتمد عليها هذه الأنظمة. وتعرض أي دولة لمثل هذا الهجوم قد تجد نفسها مضطرة للاختيار بين فقدان السيطرة على أسلحتها النووية أو استخدامها.

ما الذي ينبغي للولايات المتحدة عمله؟ لقد صبّت عشرون عاماً من التراجع الاستراتيجي في مصلحة روسيا والصين. فالحربان الفاشلتان اللتان شنهما جورج بوش الابن في العراق وافغانستان استنفدتا طاقة الولايات المتحدة، وقضتا على التأييد الداخلي لأي دور عالمي للولايات المتحدة. لقد أنتج باراك أوباما سياسة تقوم على تقليص النفقات، وكان يشكك علانية بجدوى القوة العسكرية، والآن، يقول ترامب انه يريد أن يُعيد أميركا قوية مرة أخرى، لكنه ينتهج طريقاً خاطئاً تماماً. فهو ينبذ المنظمات المتعددة الجنسية، ويتعامل مع الاحلاف باعتبارها عبئاً غير مرغوب فيه, ويبدي إعجابه علانية، بقادة طغاة من اعداء الولايات المتحدة. فهو يبدو وكأنه يريد للولايات المتحدة ان تتخلى عن الدفاع عن النظام، الذي أنشأته، والانضمام لروسيا والصين.

القوة الناعمة

ولعل الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تقبل بأنها المستفيد الأكبر من النظام الدولي، وأنها القوة الوحيدة التي لها القدرة والموارد لحمايته من اي هجوم. القوة الناعمة للدبلوماسية المتأنية والدؤوبة تعتبر أمراً حيوياً، لكن يجب اسنادها بالقوة العسكرية التي تحظى باحترام روسيا والصين.

وكذلك، فإن الولايات المتحدة، بحاجة إلى الاستثمار بأنظمة جديدة مبنية على الروبوت والذكاء الصناعي والأسلحة القائمة على المعلومات والطاقة الموجهة. ويتعين على ترامب والرؤساء من بعده، مضاعفة الجهود لضمان تفوق الولايات المتحدة على هذا الصعيد.

إن أميركا القوية هي أكبر ضمانة للسلم الدولي. ولحسن الحظ انها تتمتع بالأفضلية. فلديها حلفاء اثرياء وأقوياء، ولديها الجيش الأقوى في العالم، والخبرة التي لا تضاهى في ساحات القتال، وأفضل الأنظمة الهندسية، وأبرز شركات التكنولوجيا المتقدمة. ولكن يمكن تبديد كل هذه الامتيازات بسهولة. فمن دون التزام أميركي بالقانون الدولي، وبالقوة المسلحة لحمايته، فإن الأخطار سوف تتنامى. واذا حدث ذلك، فإن الحرب المقبلة ستكون أقرب مما نعتقد.

 ايكونوميست