عندما يُذكر الأدب الأفريقي قد تتجه أذهان القارئ العربي بطبيعة الحال إلى الكُتاب العرب في المغرب، أو مصر، أو السودان، أو غيرها من الدول العربية في أفريقيا بمثابة رواد لهذا الفرع من فروع الأدب، ولكن في الحقيقة هناك ما هو أبعد من الأدب العربي الأفريقي –حرفيًّا ومجازيًّا-، وهناك العديد من المصادر التي عرفت الأدب الأفريقي؛ اتفق أغلبها بأنه الأدب المكتوب في الأصل بلغة أفريقية أو أوروبية بواسطة كاتب أفريقي الأصل والمنشأ.
لذلك نظر العالم إلى الأدب الأفريقي نظرة شاملة لا تقتصر على الأدب العربي فقط الذي اختص نفسة بفئة غنية مستقلة بذاتها بالفعل، اختلفت بشكل ما عن الأدب الأفريقي الذي احتوى على العديد من الأعمال الأدبية الثرية، التي كان لبعضها أثر كبير في ترسيخ مفاهيم، أو مناصرة قضايا بعينها من بين الكثير من الأحداث التي شهدتها القارة السمراء، التي كانت يومًا ما مسرحًا لواحد من أكثر فصول التاريخ الإنساني مأساويةً وعنصريةً: حقبة الاستعمار الأوروبي، التي كان لها الأثر الأكبر في ما يعرف الآن بالأدب الأفريقي المعاصر إلى جانب العديد من مشاكل القارة العتيدة، مثل: التطرف، وعدم المساواة، وحتى نُظم الحكم الشمولية.
1- حالات عصابية.. المرأة والقهر والفقر
رواية حالات عصابية أو Nervous Conditions من تأليف الكاتبة الزيمبابوية «تسيتي دانجاريبمجا»، وتسرد فيها الكاتبة، بخبرات اكتسبتها ما بين الحياة في وطنها وتعليمها في ألمانيا، قصة الفتاة «تامبو» التي تعاني من القهر في أسرتها وفي وطنها، وتحلم أن تذهب إلى المدرسة، وتتعلم مثل أخيها المفضل لدى الأسرة، بدلًا من العمل في الحقول والزواج المبكر، وتلتحق بمدرسة يقيم عليها عمها الذي تلقى تعليمه في إنجلترا، وتمتزج قصتها بقصة ابنة عمها -أوروبية التعليم- التي تعاني من مشاكل الفتاة الغربية أكثر من الفتاة الأفريقية المقهورة من أسرتها ومجتمعها، وتكافح فقط لمجرد أن تتعلم لتنقذ عائلتها الفقيرة من حياة بلا آدمية.
نشرت الرواية لأول مرة عام 1988، وتم اختيارها من ضمن أفضل 100 رواية أفريقية في القرن العشرين بواسطة مركز الدراسات الأفريقي في جامعة «ليدن» الهولندية، وتعد واحدة من أولى الروايات التي تعرضت لحياة الفتاة الأفريقية في الأجيال المعاصرة بين نجاحات وإخفاقات، وصراع لنيل الحقوق.
2- بتلات الدم.. إسكات الأصوات في كينيا
رواية بتلات الدم أو Petals of Blood للكاتب الكيني «نجوجي واثيونجو» تتمحور حول التحقيق في جريمة مقتل ثلاث شخصيات بارزة في المجتمع الكيني أثناء نشوب حريق كبير وملابساتها، وتتنقل الرواية بين أربعة مشتبهين بهم في ارتكابها، وتتوالى الأحداث الدرامية لأبطال الرواية لتجذب أطراف الكثير من الخيوط المنسوجة في سياق الرواية المُحكمة السرد؛ بالاعتراض على كُل من الفساد السياسي والمالي في الدولة الكينية، خاصةً مع تزامن وقت صدورها وارتفاع وتيرة السخط الشعبي في كينيا من جراء التربح السلطوي، وشمولية نظام الحكم.
لجدير بالذكر أن «واثيونجو» الكاتب الكيني المُعارض سجنته الحكومة الكينية عام 1977، إثر انتقاداته الحادة للدولة في تلك الرواية، وفي مسرحية أخرى ألفها بعنوان «سوف أتزوج عندما أريد»، وقضى في السجن عامًا كاملًا دون محاكمة؛ مما جعل العديد من الصحافيين الحقوقيين والنشطاء ينادون بالإفراج عنه، ويهاجمون النظام الكيني بحدة آنذاك.
3- حصاد الجماجم.. إبادة التوتسي
رواية حصاد الجماجم أو Harvest of Skulls للكاتب الجيبوتي «عبد الله وابيري» تعود بالزمن إلى أفريقيا عام 1994، وتحديدًا في رواندا إبان الأحداث المأساوية المعروفة بـ«الإبادة الجماعية لقبائل التوتسي» على يد جماعة عرقية أخرى من قبائل «الهوتو»، والتي راح ضحيتها ما بين 500 ألف إلى مليون شخص، إثر ما يعتقد أنه تخطيط من أحد أحزاب الصفوة في المجتمع الرواندي، والمسمى «أكازو»
لرواية ذات اللغة الشعرية تمتزج بالواقع، وتستلهم الكثير من أحداثها بناءً على خبرات وشهادات الناجين من الإبادة التي قام بجمعها المؤلف بنفسه بعد زيارة إلى رواندا، قام فيها بمقابلة الكثير ممن شهدوا الأحداث المأساوية بأنفسهم، وحكوا للكاتب خبرات معقدة، ومشاعر متضاربة بين أفراد الجماعتين المتنازعتين.
4- الجاز ونبيذ النخيل.. الخيال ورمزية التعايش
مجموعة الجاز ونبيذ النخيل القصصية أو Jazz and Palm Wine للكاتب الكونجولي «إيمانويل دونجالا»، صدرت عام 1981، وتتباين قصصها ما بين الخيال إذ تضع حكومة ما بعد الاستعمار الكونجولية في مواجهة الطقوس القبلية السحرية التي تمارسها القبائل، مستعرضة القمع الحكومي، وفساد المسئولين بتطبيق الحكومة لنظام تفكير علمي جبري لمواجهة «الخرافات التراثية».
بينما تنتقل قصة أخرى في المجموعة إلى مسرح خيالي في أمريكا أثناء الستينيات وقت ذروة صراع «الحقوق المدنية»؛ حينما يتحد قادة الثورة الأمريكيين والأفارقة لمجابهة احتلال من كائنات فضائية عن طريق عزف موسيقى الجاز، وشرب نبيذ النخيل –مشروب كحولي أفريقي الأصل-، وفي القصة تتجلى رمزيات عديدة بداية بالصراع العرقي والعنصرية إلى التعايش السلمي.
5- أشياء تتداعى.. راية المقاومة في وجه المستعمر
رواية أشياء تتداعى Things Fall Apart للكاتب النيجيري الشهير «شينوا أشيبي» واحدة من أشهر روايات الأدب الأفريقي، ومن أولى الروايات التي تناولت بشكل ملحمي كلاسيكي مأساة الاستعمار الأوروبي، وبناء المجتمعات القبلية فى فترة ما قبل الحملات الاستعمارية الأوروبية، تسرد الرواية أحداث مزدوجة متداخلة عن البطل الشعبي «أوكونكو» وحياته في مجتمعه قبل قدوم الاستعمار إلى نيجيريا، والأخرى تسرد بطولته وصعود نجمه بين أفراد مجتمعه أثناء الوصول العنيف الغاشم لقوات الاستعمار البريطاني، وبعده.
كتبت الرواية ونشرت بالإنجليزية عام 1958 قبيل ارتفاع وتيرة الحركة المنادية بالتحرر النيجيري (1960- 1970) من الاستعمار، وصارت واحدة من الأعمال التي ألقت الضوء على البناء الشعبي والثقافة الشعبية الأفريقية قبل الاستعمار، وأثناءه. والجدير بالذكر أن «أشياء تتداعى» هي واحدة من ثلاثية روائية للكاتب في الإطار التاريخي والاجتماعي ذاته.
6- مجيء إلى الميلاد.. العيش في العاصمة الثائرة
رواية مجيء إلى الميلاد أو Coming to Birth للكاتبة الكينية بريطانية المولد «مارجوري ماكجوي» نشرت عام 1987، وتتمحور حول فتاة كينية تترك حياة القرية في سن المراهقة بعد زواج مبكر لتتجه إلى الحياة في العاصمة نيروبي، إبان اشتعال المظاهرات والاحتجاجات الشعبية ضد الاستعمار البريطاني؛ لتعاني ما بين إخفاقات زوجية وعاطفية، وبين شظف العيش ومعاناة المرأة العاملة في تلك الحقبة المزدحمة في تاريخ كينيا.
الكاتبة بريطانية الأصل التي ذهبت في منتصف الخمسينيات ضمن بعثات التبشير البريطانية إلى كينيا، ثم استقرت هناك حتى وفاتها عام 2015، وكتبت هناك ما يزيد على 10 أعمال أدبية حملت جميعها رؤيتها الخاصة التي جذبت القراء من شتى أنحاء العالم، كونها مثالًا حيًّا على اعتراف البعض من البريطانيين بفظاعة الفترات التي استعمرت فيها بريطانيا الكثير من الدول الفقيرة والنامية.
7- موسم البراعم القرمزية..حينما يصير المجتمع كابوسًا
رواية مهمة حازت اهتمام المنصات الأدبية في العالم؛ رواية موسم البراعم القرمزية أو Season of Crimson Blossomsللكاتب النيجيري «أبو بكر آدم إبراهيم»، يروي من خلالها قصة الأرملة المسلمة «بنت الزبير» التي تجمعها علاقة حب مع شاب يصغرها بـ25 عامًا، الذي ينخرط في تجارة المخدرات، وتصارع لإنقاذه، وفي الوقت ذاته تواجه انتقادات من المجتمع المسلم في «هوسا» -قبائل في شمال نيجيريا-، وبعض المتطرفين من المحيطين بها.
ومن ناحية أخرى تعاني من صراع آخر مع ابنها الثري الشاب الذي يقارب حبيبها في العمر؛ بينما تستعرض الرواية الكثير من الضغوط والمنافقات المجتمعية التي تعاني منها المرأة في مجتمع الهوسا الذي يرفض وبشدة أي صورة لا تتناسب مع عاداته ومعتقداته، حازت الرواية المركز الأول في جائزة الأدب النيجيري وتم الاحتفاء بها في العديد من وسائل الإعلام العالمية؛ كونها عملًا جريئًا ينتقد التشدد الديني في المجتمع النيجيري.
رغم قائمة طويلة من العناوين الأدبية التي ظهرت ولا زالت مستمرة في الظهور على ساحة الأدب الأفريقي، إلا أن تلك العناوين من بينها قد تكرر ذكرها في الكثير من المحافل الأدبية والمنصات الصحافية بمثابة الأبرز بين آلاف الأعمال الأخرى التي تستحق الاهتمام من كل شغوف بأدب وثقافات الشعوب؛ خاصةً مع عراقة ثقافة المجتمعات الأفريقية بشكل يجعل الأدب الأفريقي واحدًا من أكثر تصنيفات الأدب تنوعًا وثراءً.