بقلم: نواف الزرو
مرة اخرى، تطل علينا “اسرائيل” بقرصنة جديدة على لسان وزير حربها ليبرمان الذي اعتبر خلال المؤتمر الدولي السنوي الحادي عشر “عدو أم شريك” الذي يجريه معهد أبحاث الأمن القومي في إسرائيل “أنّ بلوك الغاز في البحر رقم 9 هو ملك لإسرائيل وليس للبنان”. وذلك بعد سلسلة متصلة من القرصنات السابقة في فلسطين وفي المحيط العربي، تلك القرصنات التي تمتد هذه المرة الى اعماق البحر المتوسط والى اعماق المجال البحري اللبناني والقبرصي معا، وتمتد الى مخزون الغاز في تلك الاعماق، وليس ذلك فحسب، بل كان وزيرهم السابق للبنى التحتية عوزي لنداو (يسرائيل بيتنو) قد أعلن بمنتهى العجرفة”إن اسرائيل على استعداد لإستعمال القوة للدفاع عن مخزون الغاز الطبيعي في البحر”، مضيفا في مقابلة مع وكالة الأنباء “بلومبرغ”:”ليست للبنان اية حصة في حقول الغاز “، مؤكدا: “لن نتردد في استعمال قوتنا، ليس للحفاظ على قوانيننا فقط، بل للحفاظ على القانون البحري الدولي”، مردفا: “هم (اللبنانيون) لا يدعون أن اكتشافاتنا هي احتلال للبحر، بل أن مجرد وجودنا هو احتلال في نظرهم، ان حقول الغاز تقع داخل المياه الإقتصادية الإسرائيلية”، ويلحق به وزير ماليتهم السابق يوفال شتاينتس ليعلن بدوره:”إنها –اي البحار والغاز- ملك لشعب إسرائيل”.
فهل هناك وقاحة وبلطجة وقرصنة واطماع اشد من ذلك…؟!
وفي قصة غاز المتوسط هنا، فانها ليست عملية السطو الاولى على مخزون الغاز في المنطقة، اذ سبق لتلك الدولة ان استولت على غاز سيناء واستثمرته على مدى سنوات احتلالها للجزيرة، وتواصل ذلك عبر اتفاقية الغاز الموقعة مع مصر، وكذلك الحال في مياه وغاز غزة، اذ تهيمن تلك الدولة هيمنة مطلقة عليهما وتمنع اصحاب الارض والبحر والحق من التحرك والعمل والاستثمار هناك.
الحقيقة السافرة هنا في هذا الصدد، ان هذه اللغة الفوقية البلطجية والنزعة التوسعية ليست جديدة، بل هي قائمة حاضرة متجددة منذ نشأة المشروع الصهيوني، مرورا بنشأة تلك الدولة، وصولا الى الراهن السياسي ما بعد تسعة وستين عاما على اغتصاب فلسطين عبر السطو المسلح.
فالخريطة السيياسية الايديولوجية الصهيونية باجماعها تتحدث عن خطط ومشاريع واهداف واطماع تمتد الى اكثر من عشرين ضعفا من مساحة فلسطين برا وجوا وبحرا، فقد اعتبر أقطاب الصهيونية أن ” أرض إسرائيل المعلنة ” هي تلك الممتدة من مصادر الليطاني وحتى سيناء، ومن الجولان حتى البحر، وفي هذا النطاق أكد ” يسرائيل كولت ” وهو أستاذ محاضر في الجامعة العبرية:”أن أرض إسرائيل الصهيونية حسب النظرية الجغرافية والسياسية تلك الراسخة في الفكر أو الواقع هي أرض إسرائيل الممتدة من مصادر الليطاني وحتى سيناء ، ومن الجولان حتى البحر ، وهي الوطن التاريخي لليهود الذي لا تؤثر فيه الحدود السياسية القابلة للتغير “.
والاهداف وألاطماع الصهيونية لا تقف عند حدود فلسطين العربية، بل تتجاوزها، كما تؤكد كتابات كثيرة في الأدبيات الصهيونية إلى المحيط العربي، فقد توجهت أنظار زعماء الحركة الصهيونية وما تزال نحو المحيط العربي، نحو مياه النيل، ونفط العرب والأسواق العربية، وفي هذه الابعاد كان ثلاثة باحثين إسرائيليين-كنا اشرنا اليهم في مقالة سابقة- وضعوا بتكليف رسمي من الحكومة الإسرائيلية خرائط ومخططات تعكس الأهداف والأطماع الصهيونية في العالم العربي، وتحدثت مخططات وتصورات هؤلاء الباحثين عن”السيطرة على مصادر المياه في المنطقة، وجر مياه النيل إلى النقب، ومياه الليطاني إلى طبريا، وعن نقل النفط والغاز المصري والسعودي عبر الأنابيب إلى الموانئ الحديدية الإسرائيلية، وعن شق وإنشاء الخطوط الحديدية والطرق المعبدة لربط إسرائيل بالدول العربية المجاورة .. إن الأهداف والدوافع وراء كل ذلك : اقتصادية .. سياسية .. واستراتيجية “.
البروفيسور الاسرائيلي المناهض لسياساتهم التوسعية”إسرائيل شاحك”أستاذ الكيمياء في الجامعة العبرية سابقاً كان اكد على هذا المضمون قائلاً :” من الواضح أن السيطرة على الشرق الأوسط بأسره من قبل إسرائيل، هو الهدف الدائم للسياسات الإسرائيلية، وهذه السياسات يشترك فيها داخل المؤسسة الحمائم والصقور على حد سواء، إن الاختلاف يدور حول الوسائل:هل يتم تحقيق الأهداف بالحرب، وهل تقوم بها إسرائيل لوحدها أو بالتحالف مع ولحساب القوى الأكبر ، أم بواسطة السيطرة الاقتصادية “.
منحت القيادات الصهيونية / الإسرائيلية لنفسها حق التدخل في الشؤون الداخلية للعرب، وخاصة في المجال العلمي / العسكري / التكنولوجي، فالكيان الإسرائيلي يسمح لنفسه دائماً بانتهاك الحقوق العربية الفلسطينية، وبانتهاك حرمات أجواء وأراضي ومياه الدول العربية، وهو مستعد دائماً لشن عدوان ضد أي دولة عربية مجاورة أو بعيدة يشعر قادة ذلك الكيان أن لديها قوة عسكرية أو عنصر قوة قد ينمو ويشكل خطراً عليهم في مرحلة ما في المستقبل، أما الذريعة التي يطرحها أولئك القادة لتبرير هذه السياسة العدوانية المستمرة فهي : “الحفاظ على الأمن الإسرائيلي” و”حماية أمن ومستقبل إسرائيل ” . ويؤكد البروفيسور شاحك أيضاً:” باختصار ..من المهم أن نتصور أن كل الرأي العام في إسرائيل ، موحد حول هذه النقطة:السيطرة”.
والسيطرة حسب “أطلس الأحلام والأهداف الصهيونية” تحدد مساحة إسرائيل – مثلاً بعشرين ضعفاً، وتحدد مساحة المياه الإقليمية الإسرائيلية لتشمل – مثلاً – قبرص وتكريت وصقلية وأجزاء من تونس ومعظم أسبانيا/عن الحاخام “يسرائيل هارئيل -هآرتس