كتب سامي كليب
حضرت أمس في لندن، فيلما سينمائيا حول دور رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في الحرب العالمية الثانية. عنوانه Darkest Hour ( الساعات المظلمة). اعتقد أنه واحدة من تحف السينما الحالية. يلعب فيه دور البطولة النجم الستيني غاري أولدمان، والذي جسد بعمق لافت وببراعة كبيرة دور تشرشل في الحرب العالمية الثانية. نفهم من الفيلم أنه مع تقدم الجحافل النازية بقيادة هتلر صوب معظم أوروبا، وسقوط الدول الاوروبية كبيادق الشطرنج وورق الخريف الواحدة تلو الأخرى، رفع تشرشل شعار المواجهة حتى النهاية والنصر. كان شبه وحيد في معركته، ذلك ان وزير خارجيته وكبار المسؤولين في مجلس العموم البريطاني (البرلمان) يريدون عقد سلام مع هتلر، وأخبار الجبهات سيئة، وفرنسا تشارف على الاستسلام، وأميركا تمتنع عن تقديم أي مساعدة…. لكن في نهاية المطاف انتصرت وجهة نظر هذا السياسي العريق البالغ الذكاء والطرافة، وربح المعركة … فوقف كل أعضاء البرلمان يصفقون له ويهتفون باسمه.
تساءلت وأنا خارج من صالة السينما، كيف لبريطانيا التي قدمت هذا النموذج العالمي، أن تقبل اليوم بظلم آخر نظامي عنصري في العالم لشعب فلسطيني شبه أعزل؟ وكيف للعالم الغربي الذي هزم النازية أن يعتبر كل مقاوم اليوم لإسرائيل إرهابيا؟ لكني أيقنت أيضا ان ” الهزيمة ليست قدرا”، وأنه يكفي وجود قائد مؤمن بالنصر ويعرف كيف يخاطب شعبه ( كما فعل تشرشل مثلا حين نزل يسمع من الناس في قطار الانفاق كيف أنهم جميعهم معه في القتال حتى آخر رمق من حياتهم) حتى تنهزم المشاريع الكبرى عند كرامة الأوطان وعزة الشعوب…. لعل الجزائر كانت لنا عبر التاريخ الحديث خير مثال. لعل كذلك عجز إسرائيل عن اركاع شعب فلسطين رغم كل جورها هو مثال آخر…ولعل سوريا في نهاية حربها ستقول هي الأخرى كلمتها…
بعد عودتي الى منزلي، قرأت استراتيجية أميركا لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في مطلع خمسينيات القرن الماضي. فهالني كم أنها تتشابه مع الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قبل أيام، بحيث ان الخطرين الأكبرين هما روسيا والصين. آنذاك حشدت الدول الغربية مليون عسكري وحشد الاتحاد السوفياتي وحلفاؤه مليونين، وكان بحر الصين منطقة تنافس كبرى.
كل تلك الحشود وضرب طبول الحرب آنذاك لم يؤديا الى الحرب، وانما بقي التصعيد في اطار الحرب الباردة، أو انتقل الى حروب بالوكالة في مناطق أخرى من العالم. لم يدفع ثمن ذاك التنافس العالمي سوى الشعوب الفقيرة أو المظلومة من فيتنام وأفغانستان الى العراق وفلسطين والشرق الأوسط وشمال افريقيا وأميركا اللاتينية. الا يتشابه الأمس باليوم؟؟
فهل تقع الحرب اليوم ؟
القول بأن الحرب الكبرى بين محور المقاومة وخصومه لن تقع اليوم، فيه اطمئنان غير مناسب. ذلك ان تدحرج أي تطور أمني الى حرب يبقى واردا. والجزم بأنها ستقع قريبا، فيه مغالاة. الاحتمالان واردان ولا أعتقد أن أحدا في هذه اللحظة يستطيع الجزم باستبعاد أي من الاحتمالين. لكن دعونا نتوقف عند بعض الظواهر السياسية والأمنية التي توضح شيئا من الصورة الغامضة والضبابية والخطيرة، لنعرف هل نحن أقرب الى الحرب أم الى التسويات أم الى بقاء الأمر على ما هي عليه.
* الرئيس الأميركي المثير للجدل الكبير دونالد ترامب يواجه أعتى هجوم ضده في الداخل، وهو أمام استحالة تغيير مجاري الرياح. لم يبق من أعضاء ادارته الأولى الكثير. حاول في البداية التقارب مع روسيا والصين وإعادة إرضاء تركيا وإعطاء الضوء الأخضر لروسيا على الساحة السورية حتى لو بقي الرئيس بشار الأسد، لكن ها هو اليوم ينسف كل ذلك، فيعلن استراتيجية عسكرية لها أعداء واضحون هم: روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وسوريا، بينما تشكل له تركيا الاحراج الأكبر… ولو مؤقتا. هو اضطر الى رفع مستوى العداء ضد موسكو وبكين لكي تصمت أصوات الداخل التي تتهمه بمحاباة البلدين. لو دفع ترامب المنطقة باتجاه حرب بين محوره الذي يشمل أيضا إسرائيل ودولا عربية وبين محور المقاومة وروسيا ( او محور المقاومة بلا روسيا) فعليه أن يضمن نصرا سريعا والا فسيكون قد دق المسمار الأخير في نعش سلطته. هل يستطيع ضمان ذلك ؟؟ لا اعتقد .
* الرئيس الروسي فلاديمير بويتن، يبدو في وضع أكثر راحة بكثير من صديقه ترامب. هو مقبل على انتخابات رئاسية في