حرص نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، خلال زيارته لكيان العدو على إرسال المزيد من الرسائل التي تؤكد عزم إدارته على محاولة فرض ما تُسمى "صفقة القرن" الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية.
وعمد بنس إلى أن تمثل الزيارة التي قام بها لـ"حائط البراق"، الذي يطلق عليه اليهود "حائط المبكى"، نقطة تحول في تاريخ تعاطي الولايات المتحدة مع قضية القدس، إذ إنه أول مسؤول أميركي رفيع يقوم بزيارة هذا المكان بصفته الرسمية. وتضفي هذه الخطوة إلى جانب دفاع بنس خلال زيارته للأردن عن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لكيان العدو وقراره نقل السفارة الأميركية إلى القدس، صدقية على التسريبات المتواترة بشأن ما تتضمنته "صفقة القرن" من بنود، وعلى رأسها إخراج قضية القدس من دائرة التداول في أي مفاوضات بوصفها عاصمة الكيان".
وتدل المؤشرات على أن إدارة ترامب وحكومة بنيامين نتنياهو تنسقان لتطبيق بنود "صفقة القرن"، ولا سيما تلك التي تمثّل مكاسب جلية للكيان حتى قبل الإعلان عن هذه الصفقة بشكل رسمي، والتي تم الكشف عنها في وثيقة قدّمها أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وتم تسريبها لقناة التلفزة الصهيونية العاشرة أواخر الأسبوع الماضي.
وبحسب ما نشرته صحيفة "هآرتس" قبيل الزيارة، فإن بنس سيبلغ "إسرائيل" موافقة واشنطن على أي قرار يمكن أن تتخذه حكومة نتنياهو بشأن ضم أية مساحة من الضفة الغربية لإسرائيل. وقد يكون هذا ما دفع عريقات لإطلاق تحذيرات من أن الخطوة الأولى التي ستقدم عليها "إسرائيل" استناداً إلى "صفقة القرن" ستتمثل في ضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية لإسرائيل. وما يسوغ تحذيرات عريقات حقيقة أن الأحزاب والحركات التي تشكل الائتلاف اليميني الحاكم في تل أبيب قد ضاعفت حراكها الهادف إلى سنّ تشريعات لا تقنن ضم التجمّعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية فحسب، بل منطقة "ج" التي تمثل أكثر من 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية.
في الوقت ذاته، فإن القرارات المتسارعة التي تتخذها حكومة نتنياهو بشأن تعزيز الاستيطان اليهودي، تحديداً في منطقة غور الأردن، تعني أن "إسرائيل" عازمة على إخراج هذه المنطقة، التي تشكل بين 25 و28 في المئة من مساحة الضفة الغربية، من دائرة التفاوض؛ ما يدل على أن تحذيرات عريقات هي في مكانها حول أن الخطوة الثانية لإسرائيل استناداً لـ"صفقة القرن" ستتمثل في ترسيم الحدود الشرقية للأردن، على اعتبار أن حسم مصير منطقة "الغور" يعني حسم مصير هذه الحدود.
ومن الواضح أن الأميركيين والإسرائيليين صاغوا بنود "صفقة القرن" لتفضي عملياً إلى مواصلة "إسرائيل" السيطرة على كل الضفة الغربية وليس فقط 10 في المئة كما تنص وثيقة عريقات لأول وهلة. ويتضح من وثيقة عريقات أن هذه الصفقة تمنح "إسرائيل" وحدها التحكم في جدول انسحابها من الضفة الغربية، إذ إن انسحاب جيش الاحتلال من أية بقعة في الضفة الغربية يتوقف على تقدير تل أبيب بأن السلطة قادرة على حفظ الأمن في هذه البقعة، وطالما أن "إسرائيل" لم تمنح السلطة شهادة الكفاءة الأمنية فإن "صفقة القرن" تقرر بأنه لن يكون بالإمكان إجبارها على الانسحاب من الأراضي التي يفترض أن تقام عليها الدولة الفلسطينية.
"ويبدو أن طابع الموقف العربي الرسمي يمثل أحد أهم العوامل التي تسمح للإدارة الأميركية بمواصلة مخططها الهادف إلى إملاء "صفقة القرن". فالسعودية ومصر لم تكتفيا فقط بعدم تحريك ساكن إزاء المخطط الأميركي لتصفية القضية الفلسطينية، بل إن الرياض والقاهرة تلتزمان الصمت إزاء التسريبات المتواترة بشأن انخراطهما في محاولات لدفع الفلسطينيين للتعاون مع هذا المخطط.
"العربي الجديد"