2024-11-26 01:40 ص

مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية خلال حكم الرئيس دونالد ترامب

2018-01-15
د. عبد الأمير رحيمة العبود
لم تسلم الولايات المتحدة الأمريكية من آثار بعض الأزمات التي يتعرض لها سكان العالم في الوقت الحاضر، بالرغم من تمتعها بموارد طبيعية هائلة وإمكانات اقتصادية وتكنولوجية كبيرة جداً. إذ إنها تعرضت منذ عام 2008 إلى أزمات اقتصادية متعاقبة، تركزت في ازدياد معدلات البطالة، ونزوح عدد كبير من الصناعات والمشاريع الاقتصادية نحو الصين والمكسيك وبعض الدول الأسيوية، بسب رخص الأيدي العاملة واتساع إمكانيات التسويق في تلك المناطق، إضافة إلى ما كانت تعانيه كغيرها من الدول المتطور من ازدياد عدد النازحين إليها من مختلف أنحاء العالم، وكذلك تعرضها إلى الإرهاب كغيرها من الدول المتطورة. فضلاً عن ازدياد مديونيتها الخارجية والداخلية. وقد كان لازدياد إنفاق الولايات المتحدة على التسلح ومشاركتها في الحروب، بخاصة ما تعرضت له في الآونة الأخيرة من جرّاء الحروب في أفغانستان والعراق دور كبير في ازدياد آثار تلك الأزمات.

ولهذا أنصبت سياسة الولايات المتحدة عقب تولي الرئيس “باراك أوباما” بتاريخ 20/1/2009 على تقليص المشاركة في الصراعات الدولية العسكرية والتركيز على معالجة المشاكل الداخلية للولايات المتحدة، ويبدوا أن تلك السياسة لم تفلح في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للولايات المتحدة، وقد حصل تغير كبير في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية عند مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم في مطلع عام 2017.

والجدير بالذكر أن الرئيس ترامب يعتبر من القوى اليمينية المتطرفة التابعة للحزب الجمهوري الأمريكي.

وقد تميزت سياسة ترامب خلال حملته الانتخابية بالكثير من التطرف والطيش، واستعمال أساليب المغامرة والمناورة والتهديد في سياسته الخارجية والداخلية، لمواجهة منافسته “هيلاري كلنتون”. وكان هدفه الرئيس كما كان يدعي هو أن يعيد للولايات المتحدة الأمريكية قوتها السابقة وسيطرتها على العالم.

لقد كان ترامب رجل أعمال ناجح، ولكنه يفتقد إلى الحكمة والخبرة السياسية والدبلوماسية، اعتمد في خبرته التجارية الناجحة على أسلوب المغامرة والمناورة والتحدي وقد كسب من خلال ذلك على الكثير من الأموال وأصبح واحداً من كبار الأثرياء الأمريكيين.

بيد أن هذه الصفات التي تميز بها دونالد ترامب لم تكن ملائمة لما تقتضيه مهمته السياسية كرئيس دولة، بدليل أن كافة الاستطلاعات التي أُجريت آنذاك خلال الحملة الانتخابية قد أسفرت عن تغلب التأييد بنسب مرتفعة لمنافسته هيلاري كلينتون.

وما إن ظهرت نتائج الانتخابات حتى تفاجئ العالم بفوز “دونالد ترامب” بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وخسارة منافسته “هيلاري كلينتون”.

وقد أثار هذا الفوز، غير المتوقع، الشكوك لدى الكثيرين من الهيئات السياسية والإعلامية، والادعاء بممارسة نوع من التدخل غير المشروع في سير هذه الانتخابات، وقد أشير في حينه إلى احتمال ممارسة السلطات الروسية للأساليب التكنولوجية بقصد التأثير على تلك الانتخابات لصالح دونالد ترامب.

وخلال الفترة منذ فوز ترامب الانتخابات ولحين استلامه للسلطة قام ترامب بتعيين من يشاركونه في ممارسة السلطة على مستوى الوزراء ورؤساء المؤسسات الأمنية وكبار موظفي البيت الأبيض من الأثرياء ومن تميزوا بمشاركته بما كان يعلنه من سياسات التطرف والعنف في حملته الانتخابية ومن ضمنهم بعض أقاربه مثل أبنته (إيفانكا) وزوجها.

وفي ضوء هذه المعطيات قد يثار السؤال: هل سوف يفلح الرئيس ترامب في تنفيذ ما أعلنه من سياسات وإجراءات خلال حملته الانتخابية؟ وما أثـر ذلك على وضع الولايات المتحدة حتى الآن ؟

وللإجابة عن هذا السؤال بشكل واضح قد يفيدنا استعراض الإجراءات والسياسات التي أعلنها السيد ترامب وقام بتنفيذها حتى الآن:

أولاً: الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية:

يلاحظ هنا تحولاً جذرياً في سياسة ترامب إزاء الهجرة ودخول مواطني الدول الأخرى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إذ إنه في برنامجه الانتخابي كان يطالب بمنع كافة المسلمين من الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان يدعي بأن السعودية ودول الخليج العربي هي أكثر الدول الداعمة لمنظمة داعش الإرهابية.

لكنه ما إن تسلم السلطة في 20/1/2017 حتى أعلن عن حضر دخول مواطني سبعة دول إسلامية هي: إيران وسوريا والعراق واليمن والصومال وليبيا والسودان بالرغم من أن العراق من أكثر الدول التي تحارب الإرهاب وبينها وبين الولايات المتحدة تحالف استراتيجي.

وما إن صدر هذا القرار حتى قوبل بمظاهرات عارمة في مدن أمريكية عديدة، كما صدرت قرارات من عدة محاكم أمريكية تطعن في شرعيته الدستورية.

وبالرغم من قيام ترامب باستثناء العراق من شمول هذا القرار، إلا أن هذا القرار لم يطبق كاملاً حتى الآن.

ثانياً: محاربة الإرهاب:

بعد أن كانت محاربة منظمة داعش والقضاء عليها هي الهدف الرئيس الذي تركزت حوله الدعاية الانتخابية للرئيس ترامب. إذ كان يطالب بضرورة توجيه ضربة قاضية لهذه المنظمة والدول التي تمدها بالمساعدة، مع الإيحاء بدور دول الخليج العربي، ومنها السعودية بدعم هذه المنظمة عن طريق منظماتها الاجتماعية وجوامعها الوهابية، مع الإشارة إلى ضرورة التعاون مع روسيا للقضاء على هذه المنظمة.

لكن الغريب والمثير أيضا هو أن ترامب ما أن تسلم الحكم حتى تحول حديثه من محاربة داعش إلى الحديث عن محاربة الإرهاب معتبراً إيران هي الداعم الرئيس للإرهاب في العالم، ومطالباً بالتعاون مع السعودية ودول الخليج للقضاء على الإرهاب والحد من تأثيرات إيران على المنطقة، ويبدوا أن محاولة ترامب هذه هي للضغط على السعودية ودول الخليج من أجل الحصول على الأموال والاستثمارات من قبل دول الخليج لإنعاش الاقتصاد الأمريكي.

ثالثاً: الاتفاقية النووية مع إيران:

لقد حصل تحوّل ملموس في سياسة ترامب إزاء الاتفاقية النووية مع إيران بعد أن تسلم السلطة، بسبب إعلان الدول الأوروبية الموقعة على تلك الاتفاقية عن تمسكها بهذه الاتفاقية، ولهذا أصبح ترامب يدعوا إلى إجراء التغييرات على بعض بنود تلك الاتفاقية بل إن السكون قد خيم على هذا الموضوع في الآونة الأخيرة. بعد أن كان هدفه هو إلغاء الاتفاقية النووية مع إيران خلال حملته الانتخابية إلا أنَّ الحملة ضد إيران وإعلان معاداتها وضرورة معاقبتها لا تزال من أهم السياسات التي يعلن عنها ترامب باستمرار.

رابعاً: الرعاية الصحية:

بعد توليه السلطة أعلن ترامب عن إلغاء مشروع الرعاية الصحية (أوباما كير) الذي يوفر الرعاية الصحية لما يقارب الأربعين مليون أمريكي بسبب تكاليفه الباهظة واستبداله بمشروع آخر تحت اسم (ترامب كير).

لكن هذا القرار جوبِهَ بمظاهرات عارمة تهدد به في مدن أمريكية عديدة، ولم يحض بموافقة الكونغرس الأمريكي، وكان البديل الذي اعتمده ترامب فيما بعد هو طرح مشروع آخر يتضمن إلغاء جوانب متعددة من مشروع (أوباما كير) وقد اقترن هذا المشروع بموافقة مجلس النواب، ولم يحصل إلغـاؤه كليـاً.

خامسا: التحالفات الدولية:

كذلك حصل تحول واضح في موقف ترامب من التحالفات الدولية، فبعد أن كان هدفه الخروج من حلف الأطلسي “الناتو” كان موقفه حتى الآن داعماً لمشاركة الولايات المتحدة بهذا الحلف، واقتصرت مطالباته على ضرورة مساهمة الأعضاء بتكاليف ذلك الحلف وزيادتها قليلاً.

كما طالب الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية بالخروج من الاتفاقيات التجارية الدولية، لكنه لم يتخذ أي إجراء حول هذا الموضوع حتى الآن.

سادساً: العلاقة مع روسيا وسوريا:

تميزت العلاقات مع روسيا وسوريا بالتقلبات المفاجئة ففي الأيام الأولى من تسلمه للسلطة عبر ترامب عن رغبته بالتعاون مع روسيا من أجل حل المشكلة السورية والتعاون بشأن محاربة الإرهاب، معلناً بأن حل المشكلة السورية لا يقتضي بالضرورة إزالة نظام الأسد عن الحكم، وداعماً للقوى الديمقراطية الكُردية السورية بالأسلحة في سبيل تحرير الرقة، على النقيض من موقف أردوغان المعادي للأكراد السوريين.

لكنه ما إن أعلنت مشكلة التسمم بالسلاح الكيمياوي في مدينة “خان شيخون” نهاية نيسان الماضي حتى قام ترامب بضرب معسكر الشعيرات السوري بتسع وخمسين صاروخاً بالستيا معرباً عن رأيه بضرورة إزاحة الأسد عن الحكم في سوريا.

في الأيام الأخيرة ظهرت سياسة جديدة لترامب محورها التعاون مع روسيا لحل المشكلة السورية سلمياً دون الإشارة إلى تغيير نظام الأسد.

سابعاً: بناء الجدار مع المكسيك:

كذلك أعلن ترامب في الأيام الأولى من استلامه السلطة عن رغبته في المباشرة في بناء جدار بطول 1500كم على الحدود مع المكسيك، على أن تتحمل دولة المكسيك تكاليفه الباهظة. وقد قوبل هذا الإجراء برفض المكسيك لتحمل تكاليفه، وتفاقم المظاهرات المناهضة له، داخل الولايات المتحدة وفي دولة المكسيك، ولحد الآن لم يحصل العمل بإقامة هذا الجدار بسبب تكاليفه الباهظة.

ثامنـاً: السياسة الاقتصادية:

لم يظهر عن ترامب حتى الآن أي إجراء إزاء المؤسسات الاقتصادية المهاجرة إلى كل من الصين والمكسيك وغيرها من الدول، بعد أن كان يدعوا إلى فرض ضريبة جمرگية بمعدل 35% على السلع المستوردة منها للميزانية الأمريكية، بعد أن أعلن عن زيادة الصرف العسكري بمقدار 45 مليار دولار تجاوزاً للميزانية الأمريكية.

وقد يكون الوقت مبكراً لاتخاذ مثل هذه أو أية إجراءات أخرى لمعالجة مشاكل الاقتصاد الأمريكي.

تاسعاً: العلاقة مع العراق:

طالب ترامب مراراً خلال حملته الانتخابية بضرورة السيطرة على النفط العراقي لغرض تعويض الأمريكيين عن خسائرهم جرّاء حربهم في العراق عام 2003م.

بينما راح ترامب منذ تسلمه السلطة يعلن عن دعمه للعراق في حرية ضد داعش عسكرياً، ورغبته في زيادة هذا الدعم العسكري لحين القضاء على داعش في العراق.

وقد استقبل الرئيس ترامب الرئيس العراقي حيدر العبادي استقبالاً حافلاً في البيت الأبيض بعد توليه السلطة، ولم يحصل منه حتى الآن أي إعلان أو إشارة إلى النفط العراقي.

عاشراً: الانسحاب من اتفاقية المناخ الدولية:

على الرغم من اتساع المخاطر التي يعاني منها البشر في كل أنحاء العالم من جرّاء ازدياد حرارة الأرض وما تستوجبه هذه المخاطر من تعاون دول العالم من أجل تخفيض معدل انبعاث الغازات الدفيئة كوسيلة للحد من ازدياد حرارة الأرض، والتي تكللت باتفاقيات دولية متعددة آخرها اتفاقية باريس في 12 ديسمبر 2015 والتي تعهدت بموجبها 195 دولة بالالتزام بتطبيق الإجراءات التي تحول دون ازدياد حرارة الأرض([1]) ومنها الحد من انبعاث الغازات الدفيئة نتيجة لحرق الفحم والنفط والغاز، وكذلك تقديم 100 مليار دولار إلى الدول النامية لمساعدتها على الالتزام بتطبيق تلك الإجراءات.

وإزاء هذه المخاطر الجسيمة التي تهدد مستقبل البشر قرر الرئيس دونالد ترامب بتاريخ 1 حزيران 2017 الانسحاب من هذه الاتفاقية الدولية للمناخ، بسبب ازدياد أعباءها المالية كما يدعي. بالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من أكثر الدول المتسببة في ازدياد انبعاث الغازات المسببة للاحتراز العالمي.

بمعنى أنه حتى الآن يفضل التوسع في إنتاج الفحم والنفط والغاز كوسيلة لزيادة الموارد المالية على معالجة إحدى أهم المشاكل التي تهدد مستقبل البشر وهي ازدياد حرارة الأرض.

إحدى عشر: العلاقة مع السعودية ودول الخليج العربي:

بعد أن وصف الرئيس ترامب السعودية أثناء حملته الانتخابية “بالبقرة الحلوب التي إن لم تدر الذهب والدولارات على الولايات المتحدة الأمريكية فينبغي أن تذبح بسبب موقفها الوهابي الداعم للإرهاب” وكان ذلك في 8/5/2016([2]).

فقد حصل تغير مناقض وكبير في موقف ترامب إزاء السعودية بعد استلامه السلطة بخاصة بعد زيارته في البيت الأبيض من قبل ولي العهد محمد ابن سلمان بتاريخ 15/3/2017 والذي أعلن عن رغبة المملكة السعودية عن توسيع استثماراتها المالية في الولايات المتحدة الأمريكية وزيادة شرائها للأسلحة منها.

وقد اقترنت هذه الزيارة كذلك بالإعلان عن قيام ترامب في زيارة السعودية بتاريخ 20 أيار 2017 واعتبارها أول زيارة دولية يقوم بها ترامب بعد تسلمه للسلطة وقد اعتبرت السعودية هذه الزيارة فرصة لتوسيع علاقاتها مع ترامب وضمان دعمه لموقفها المعادي لإيران ولذلك فقد أعدت برنامجاً خرافياً للاحتفال بزيارته وقد تضمن هذا الاحتفال عقد ثلاثة قمم دولية برئاسة ترامب أحدها تتضمن رؤساء وممثلين عن 55 دولة عربية وإسلامية، وأخرى تتضمن كافة دول الخليج العربي، وثالثه بينه وبين ملك المملكة السعودية، وذلك لمناقشة سياسات ومشاكل المنطقة، وبخاصة علاقاتها وموقفها من إيران الذي اعتبرتها الداعم الرئيس للإرهاب.

كما تكللت هذه الزيارة بتقديم الهدايا الثمينة للسيد ترامب وعائلته التي شاركته في هذه الزيارة، والتي قدرت قيمتها بمئات الملايين من الدولارات.

كل ما حصلت عليه السعودية من ترامب هو دعمها لموقفها المعادي لإيران، بينما حصل ترامب من السعودية على التعهد باستثمار 350 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك التعهد بشراء أسلحة أمريكية بقيمة 120 مليار دولار.

وبذلك، وبسبب هذه المكاسب المالية الضخمة التي حققها ترامب من زيارته للسعودية، يمكن اعتبارها أهم إنجاز حققه ترامب من وراء إجراءاته التي قام بها حتى الآن.

اثني عشر: العلاقة مع إسرائيل والشعب الفلسطيني:

لم يخف ترامب دعمه وانحيازه الى إسرائيل، لكنه أعلن مراراً عن حماسه لمعالجة القضية الفلسطينية، عن طريق إنجاز حل الدولتين ، وقد اقترنت هذه الدعوة بموافقة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية “محمود عباس” واقترن هذا الحماس بمقابلة عباس والترحيب به في البيت الأبيض.

وعقب ذلك قام ترامب بزيارة إسرائيل والمناطق الفلسطينية، لكنه لم يتحدث خلال هذه الزيارة عن توسع إسرائيل في بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، ولم يتحدث كذلك عن حل الدولتين بشكل واضح .

وبقي لفترة طويلة يعلن عن رغبته في التوسط لحل المشكلة الفلسطينية عن طريق حل الدولتين .

لكن العالم تفاجئ بتاريخ 6/12/2017 بإعلان ترامب عن عزمه نقل السفارة الأمريكية الى مدينة القدس ، واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ، معلناً أنه بهذا الأجراء إنما ينفّذ إجراء سبق وإن اتخذه الكونغرس الأمريكي في التسعينات من القرن الماضي ، ولم يجرأ أحد من الرؤساء الأمريكيين على تنفيذه ، وإنه وهو مقتنع بضرورة تطبيقه لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ، فإنه يعتبر هذا الإجراء هو أحد الوسائل التي سوف يعتمدها لمواصلة السعي للوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين لتحقيق حل الدولتين .

وما إن أعلن ترامب عن هذا القرار حتى جوبه بالرفض والانتفاضة العارمة من قبل الفلسطينيين ، وبضمنه رفض قبول ترامب وسيطاً لحل المشكلة بين إسرائيل والفلسطينيين ، وكذلك الرفض والموقف الساخط من قبل كافة الدول العربية والإسلامية والتي تجسدت في رفض الجامعة العربية ومنظمة الاتحاد الإسلامي ، كما جوبه بالرفض من قبل كافة أعضاء مجلس الأمن خلال اجتماعهم بتاريخ 8/12/2017 باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي استعملت حق الفيتو لرفض القرار .

وحينما عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعا بتاريخ 21/12/2017 كانت نتيجة هذا الاجتماع هي إجماع 128 عضواً من مجموع 193 دولة هم أعضاء الأمم المتحدة على رفض قرار ترامب . بمعنى أن قرار ترامب قد رُفض من قبل ثلثي دول العالم ، وقد شملت هذه المجموعة كافة دول العالم الكبرى وبضمنها الدول الأوربية والعربية والإسلامية ، بينما لم تؤيده سوى تسعة دول في مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل والباقين من الدول الصغيرة وامتنعت عن التصويت 35 دولة ولم تحضر الاجتماع 25 دولة وبذلك يلاحظ بأن قرار ترامب هذا قد أفزع العالم ولم يُقابَل حتى الآن بغير الرفض والاستهجان من قِبل غالبية دول العالم .

الخلاصة

كل ما حصل حتى الآن يظهر جلياً بأن عناصر المغامرة والمناورة والتحدي التي تميزت بها شخصية ترامب لم تنجح حتى الآن في تحقيق أغلب توجهاته وطموحاته السياسية، ذلك لأن الإجراءات السياسية الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية تخضع لمراقبة هيئات سياسية واجتماعية أمريكية متعددة في مقدمتها الكونغرس الأمريكي والهيئات القضائية التي تحرص على حماية الدستور الأمريكي والقوانين الأمريكية السائدة وكذلك الكثير من الهيئات الاجتماعية التي تشارك فيها المؤسسات المالية والإعلامية الكبرى، كما يشارك في تلك الرقابة بشكل مباشر وغير مباشر ممثلو الشركات الأمريكية الكبرى لحماية مصالحها، إضافة إلى الشعب الأمريكي الذي يعبر عن رأيه دائماً عن طريق المظاهرات والاحتجاجات التي ازدادت وتيرتها في مختلف الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب.

وهذه الحقيقة تؤكد بأن ترامب لا يستطيع الخروج كثيراً عن عن الخطوط الرئيسية التي ترسمها تلك الهيئات للسياسات الأمريكية، لأن خروجه عنها قد يهدد بقاءه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية كما حصل ذلك بالنسبة للرئيس الأمريكي الأسبق “ريشارد نيكسون” الذي ألغيت رئاسته عام 1974 قبل انتهاء الفترة المحددة لها دستورياً بسبب فضيحة “ووترغيت” وهو ما قد يحصل فعلاً لو استمر ترامب في مغامراته واندفاعاته غير الدستورية.

لا شك أن الفترة منذ تولي دونالد ترامب للحكم لا تزال قصيرة، ولا يمكن الحكم خلالها على مستقبل ترامب وتأثيراته على الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، بخاصة بسبب ما تميزت به إجراءاته من اندفاعات، ومغامرات غير محسوبة حتى الآن.

ومما يثير الشك حول مستقبل ترامب هو أن التحقيقات حول مدى تدخل روسيا لصالحه في الانتخابات الأمريكية الأخيرة لم تحسم بعد بل ازدادت تعقيداً في الآونة الأخيرة بعد أن قام ترامب في الآونة الأخيرة بإقالة “السيد جيمس كومي” مدير التحقيقات الفدرالي الأمريكي على أثر امتناعه عن تلبية طلب ترامب بإلغاء التحقيق حول تدخل روسيا في الانتخابات الأخيرة، وكذلك تعيين السيد “روبرت مولر” للإشراف على التحقيق في هذا الموضوع والذي لم يقترن نشاطه حتى الآن برضا السيد ت رامب. واقتران ذلك بازدياد المقابلات والتحقيقات من قبل أغضاء الكونغرس الأمريكي حول هذا الموضوع، فضلاً عن ازدياد المظاهرات الشعبية حول سياسات ترامب وآخرها احتجاج 190 مشرعاً أمريكياً على قبول الرئيس الأمريكي ترامب للهدايا المالية الشخصية مخالفة لما يشير إليه الدستور الأمريكي.

كل هذه الأمور قد تجعل موضوع عزل الرئيس دونالد ترامب عن الحكم غير مستبعد في الوقت الحاضر.

وهذا ما يوحي في الوقت ذاته بأن الرئيس ترامب قد يلجئ إلى تغيير إجراءاته واندفاعاته السياسية على الوجه الذي يضمن تحقيق الانسجام مع التوجهات السياسية والاجتماعية السائدة في المجتمع الأمريكي في سبيل البقاء في السلطة.

وفي حالة استبعاد موضوع عزل ترامب عن الحكم لأن هذا الموضوع يتطلب إنجاز العديد من الإجراءات المعقدة والعسيرة التي تستغرق فترة ليست قصيرة ، لكنه في كل الأحوال ، فإن بقاء الرئيس دونالد ترامب في السلطة سوف لا يساهم مساهمة ملموسة في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تُعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية باستثناء دوره في زيادة ثروة الأثرياء في المجتمع الأمريكي ، فضلاً عن ذلك فإن سياساته ، في كل الأحوال أيضاً ، سوف لا تساهم في تعميق التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين بقية دول العالم في معالجة المشاكل التي يعاني منها سكان العالم في الوقت الحاضر ، أو تلك التي تُهدد مستقبل البشرية . إضافة إلى ذلك فأن مغامراته واندفاعاته غير المحسوبة قد تسبب كوارث للعالم لا يعلم مداها إلا الله .

الملحق

معلومات حول الولايات المتحدة الأمريكية

عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2016=322.982.000 شخصياً

مساحة الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2016= 9.830.760كم2

نظام الحكم جمهوري، دستوري رئاسي، فيدرالي

العاصمة: واشنطن

عدد الولايات: خمسون ولاية

الحكومة الفيدرالية تتكون من:

1- السلطة التشريعية: تتكون من الكونغرس الذي يضم مجلس الشيوخ ومجلس النواب، مجلس الشيوخ 100 عضواً ومجلس النواب 435 عضواً، ولكل ولاية حاكماً.

2- السلطة التنفيذية: الرئيس الأمريكي هو القائد الأعلى وهو الذي يعين مجلس الوزراء، وغيرهم من السلطات الرئيسية وكبار الموظفين والضباط.

3- السلطة القضائية: تتكون من المحكمة العليا والمحاكم الفيدرالية والمحاكم الخاصة والمحاكم الإدارية ومحاكم الولايات المتخصصة والمحلية.

حجم الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 = 14.870 ترليون دولار وهو يشكل نسبة 24% من مجموع الناتج المحلي العالمي.

حجم الدين العام للولايات المتحدة الأمريكية عام 2016 = 19.188 ترليون دولار

حصة المؤسسات الخارجية من الدين العام = 9.000 ترليون دولار

حصة الفرد الأمريكي من الدين العام 46 ألف دولار

نسبة البطالة عام 2016 5% من القادرين على العمل

عدد الفقراء في الولايات المتحدة الأمريكية = 45 مليون شخصاً

نسبة السكان تحت خط الفقر = 14.5%

عدد أفراد القوات المسلحة الأمريكية عام 2016 = 1.400 مليون عسكري

تنفق الولايات المتحدة الأمريكية على القوة العسكرية 698 مليار دولار 2016

الإنفاق العسكرية الأمريكي يشكل 43% من الأنفاق العسكري العالمي 2016

عدد القواعد العسكرية الأمريكية في العام 750 قاعدة من 130 دولة =

في عام 2010 كان قرابة 46 مليون أمريكي ليس لديهم تأمين صحي

([1]) تراجع دراستنا: الأزمات التي تهدد مستقبل البشر، ضمن كتابنا آراء للحوار الصادر عن دار دجلة للنشر والتوزيع، عمان 2016.

([2]) المصدر صحيفة أخبارنا المغربية على الإنترنت بتاريخ 8/5/2016.