تحت عنوان “بقلم جمال عبد الناصر” سوف تحدثنا تلك السطور عن جوانب من شخصية جمال عبد الناصر، هل كان قارئًا نهمًا؟ هل اهتم بالثقافة؟ هل كان كاتبًا له إبداعاته؟ إلي أي مدي يمكن أن نقرأ شخصيته منكتاباته؟. وكذلك فيها إعادة اكتشاف شخصية جمال عبد الناصر وتقديمها للقارئ العربي هي هدف في هذا الكتاب، فأعداد غفيرة من الأجيال الجديدة لا تعرفه جيدًا، ومن الأجيال التي عاصرته عرفته لكننا نجعلها تقف عند لحظة تأمل في مسيرته، هل لو لم يكن جمال عبد الناصر رئيسًا، هل كان سيصبح أديبًا؟، عندما يقرأ ويعجب بكاتب لماذا اختاره بالتحديد ليكون قارئًا له؟ لاشك أن أسئلة كثيرة ستزدحم في رأسك عندما تتصفح هذا الكتاب، بل أتأكد أنك ستقف أمام كل سطر، إذ ستعرف من خلال قلمه بعضًا مما كان يضمره في رأسه ويفكر فيه.إذًا من هو جمال عبد الناصر الرئيس والزعيم، هو ابن جيل شغف بالقراءة والكتابة، كانت كتاباته صدي لعصره ولحياته.
عرف جمال عبد الناصر دائمًا بأنه “أفضل قارئ”، فكان شغوفًا بالمطالعة، ودارسًا متميزًا لديه قدرة خارقة علي القراءة، وكذلك القدرة علي الاستيعاب والتذكر بنفس المستوي وذلك في المراحل المختلفة من حياته.
” فولتير رجل الحرية”. أولي كتابات الطالب جمال عبد الناصر
“لقد أعجبني فولتير لأنه كان هادئًا ولم يلجأ إلي استخدام القسوة والعنف كبقية الزعماء الذين اعتادوا علي القتل وسفك الدماء”
جمال عبد الناصر
لقد جاءت البدايات مع نشرأول كتاباته-مقالة بعنوان “فولتير، رجل الحرية”، وهو في سن السادسة عشرة من عمره، في مجلة مدرسة النهضة الثانوية،وكانت بذلك أولي كتاباتالطالب جمال عبد الناصر.
ثمفي عام 1934 بدأ الطالب جمال عبد الناصر بتأليف رواية “في سبيل الحرية”،والتي تتصدر صفحتها الأولى صورة “عبد الناصر”، وتتناول في مضمونها المعركة الخالدة التي خاضها أهل رشيد بمصر عام 1807.
جمال عبد الناصر ودور يوليوس قيصر في مسرحية شكسبير
لم تقتصر علاقة عبد الناصر بالثقافة علي الكتاب، مطبوعًا ومخطوطًا، ففي عام 1935 لعب الطالب جمال عبد الناصر دور “يوليوس قيصر” البطل في مسرحية شكسبير التي قدمها ضمن برنامج الحفلة التمثيلية السنوية لمدرسة النهضة 1935، ورأي المدرس المشرف علي الفرقة التمثيلية وهو الأستاذ نجيب إبراهيم، أن يترك للطلبة اختيار الرواية اللائقة لتمثيلها في الحفلة. ومضي جمال يطالع تاريخ قادة الشعوب وعند قصة قيصر توقف طويلاً.
جمال عبد الناصر الشاب الثائر
“لم يترك الطالب جمال عبد الناصر لمطالعاته الإنجليزيةالفرصة لأن تؤثر علي عقيدته الوطنية وعلي ثقافته العربية، ظل هو مصريًا صميمًاتراوده أحلام مصطفي كامل”.
فوشيه في كتابه “جمال عبد الناصر وصحبه”
عندما التحق جمال عبد الناصر بالكلية الحربية ظل مواظبًا على القراءة شغوفًا بها، ومن لائحة الاستعارة نعرف أنه قرأ سير الزعماء “غاليباردي”، و”بسمارك”، و”فوش”، كما قرا الكتب التي تعالج شؤون الشرق الأوسط والسودان، وكذلك قرأ عن الحرب العالمية الأولى، وتاريخ ثورة 119، كما قرأ “اليابان تحارب في آسيا” لجوني جويت، و”لماذا كانت اليابان قوية” لجون باتريك، و”تألق نجم بونابرت” لويلكسنسون وغيرهم.
جمال عبد الناصر وحرب 1948
كان لحرب فلسطين 1948 كبير الأثر علي فكر جمال عبد الناصر وقلمه أيضًا، مما دفعه لكتابة سلسلة من المقالات التي نشرتها مجلة آخر ساعة، عام 1955 تحت عنوان: “يوميات الرئيس جمال عبد الناصر وحرب فلسطين”.فقدكانت لدى جمال عبدالناصر نزعة قوية للتدوين، وقدسجل بخط يده، حيث كتب جمال عبد الناصر يومياته عن حرب فلسطين تحت قصفالمدافع مرتين في اليوم الواحد، يبدأ بالكتابة على الأوراق الرسمية التي يعتمدعليها في كتابة تقاريره لقياداته.
فقد كانت جراح فلسطين غائرة في وجدان جمال عبد الناصر، على ماتكشف المذكرات المكتوبة بخط يده في الدفترين، وكان اعتقاده بأن حرب فلسطين لم تكُنحربًا، فلا قوات تحتشد، ولا استعدادات في الأسلحة والذخائر، ولا خطط قتال، ولااستكشافات ولا معلومات.
وعن المذكراتقال عبد الناصر لمحمد حسنين يكل: “يمكنك أن تأخذ معك هذا الدفتر، وأن تقرأ فيه، وأن تكتشف نفسك ما جال بخاطري تحت وهج النيران في حرب فلسطين، وما كتبته يومًا بيوم في خنادق القتال على ضوء لمبة جاز”.
جمال عبد الناصر وفلسفة الثورة
لعل أشهر ما كتب “فلسفة الثورة” والذي صدر عام 1953، ويعد بمثابةأول وثيقة تصدر عن ثورة يوليو 1952 ومفاهيمها عام 1953 بعد نحو سنة من قيام الثورة في يوليو 1952.والكتاب عبارة عن خواطر، ولكنها ليست لشرح أهداف ثورة 23 يوليو 1952وحوادثها.
وهو كتاب يحمل أفكارالرئيسجمال عبد الناصر، قام بتحريرها وصياغتها الأستاذ محمد حسنين هيكل.صدرالكتاب عام1953، مكون من ثلاثة أجزاء هي ليست فلسفة، العمل الإيجابي، بعد غيبة ثلاثة شهور.
الزعيم جمال عبد الناصر مثقفًا ورجل دولة
يكن جمال عبد الناصر مجرد رجل دولة، بل زعيمًا جعل للثقافة دورًا محوريًا في دولته، ولهذا عرفت مصر –والعرب عمومًا- على يديه أول وزارة ثقافة، كانت عند إنشائها للمرة الأولى في 17 نوفمبر 1952 تجمه اختصاصات الثقافة والإعلام تحت اسم “وزارة الإرشاد القومي” وتولاها المفكر الكبير فتحي رضوان، وفي أكتوبر 1958 أصبح اسمها “وزارة الثقافة والإرشاد القومي”، وأسندت إلى د. ثروت عكاشة ثم في سبتمبر 1966 استقلت الثقافة بوزارة خاصة بها تولاها د. ثروت عكاشة بينما تولى محمد فائق وزارة الإرشاد القومي قبل أن تستقر على اسم وزارة الإعلام في نوفمبر 1970.
وكان اهتمام جمال عبد الناصر بمشروع الألف كتاب، وحركة التأليف والترجمة والنشر، وبعيد العلم والعلماء في مصر موضوع حوار عميق في المجتمع الإسرائيلي الذي يخشي العقل المفكر أكثر من العسكر المدججين بالسلاح.
كما حرص جمال عبد الناصر على توطيد الصلة مع الفن وأهله، وبعد أن أصبح رئيسًا اقتنى آلة عرض سينمائي وحرص على المتابعة للأعمال الفنية الجادة، وفي عام 1957 تم إنشاء مؤسسة دعم السينما، كما تم فتح باب القروض للسينمائيين مع ضمان الدولة لهم وتدعيم تصوير الأفلام التي تحتاج إلى إمكانات عسكرية وحربة، وبصدور قوانين يوليو الاشتراكية عام 1961 تحولت مؤسسة دعم السينما إلى مؤسسة ذات شركات تسعى في مجملها إلى الإنتاج والتسويق محليًا وخارجيًا.