2024-11-29 06:36 م

بولندا والاتحاد الأوروبي.. من الحلم إلى الصدام

2017-12-24
باتت بولندا التي كان انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في 2004 حلمًا كبيرًا تحقق، في موقع تحدٍ للتكتل بوجود حكومة انتخبها الذين يرفضون أن تحل بروكسل، المفوضية الأوروبية، محل موسكو.
ويقدم خبراء سلسلة من الأسباب التاريخية، والسياسية، والاقتصادية، أوصلت بولندا التي يلقى انتماؤها إلى الاتحاد الأوروبي تأييد 88% من سكانها إلى هذا الوضع، مؤكدين في الوقت نفسه أن الأمر لم يصل إلى القطيعة الكاملة، والخلاف المستمر منذ أشهر انفجر الخميس الماضي.
وردًا على إصلاحات قضائية مثيرة للجدل في وارسو، فعلت المفوضية الأوروبية المادة السابعة من معاهدة الاتحاد، وهو إجراء يمكن أن يصل إلى حرمان بولندا من حقوقها في التصويت في التكتل الأوروبي.
وبعد ساعات أعلن الرئيس البولندي أندريه دودا أنه قرر توقيع آخر تعديلين تنتقدهما المفوضية الأوروبية، وكل هذه القوانين تضع النظام القضائي تحت إشراف السلطة التنفيذية والأغلبية البرلمانية.
ولا تنوي الحكومة البولندية التراجع قيد أنملة، وتكرر أيضًا مثل المفوضية أنها ليست مستعدة للحوار، وقد يكون السبب أن المجر وعدت بالتصويت ضد فرض عقوبات على وارسو في المجلس الأوروبي، ما يجعلها غير قابلة للتطبيق.
ويرى الخبير السياسي كازيمير كيك أن بولندا التي يحكمها منذ 2015 المحافظون الشعبويون في حزب الحق والقانون لم تدخل في نزاع مع الاتحاد بل مع نخبه الليبرالية الجديدة، الديموقراطية المسيحية والاشتراكية الديموقراطية، التي تشكل أغلبية في البرلمان الأوروبي وفي المفوضية.
وأضاف الأستاذ الجامعي الذي يقول إنه يساري مؤيد لحزب الحق والقانون، أن النزاع مع بروكسل ليس سوى انعكاسًا للسياسة الداخلية، امتدادًا للمعركة ضد الليبراليين الذين حكموا بولندا وتجمعوا في بروكسل مثل رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، أو مفوضة السوق الداخلية ايلزبيتا بينكوفسكا.
وقال كيك إن حزب الحق والقانون، ينصب نفسه في هذا المجال مدافعًا عن مصالح البولنديين الذين لم يستفيدوا من التكامل الأوروبي، بل أصبحوا أفقر، إذ أن الإستراتيجية الاقتصادية الليبرالية الجديدة عمقت الفوارق الاجتماعية.
وأضاف أن "ظاهرة الاستياء الشعبي هذه ليست بولندية فقط بل أوروبية إن لم تكن عالمية"، مشيرًا إلى بريكست وإلى فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتابع: "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يريد في الواقع أن يعزز فوز حزب الحق والقانون حزب الجبهة الوطنية الذي تقوده مارين لوبان لذلك يريد هزيمة الحزب لدحر الجبهة الوطنية".
ويُضاف إلى ذلك خلافات حول مشكلات المجتمع مثل اللاجئين، والإجهاض، والتلقيح الصناعي، إذ أن غالبية البولنديين ترفض سلوكًا يتبناه الغرب بشكل واسع، ويوافق عليه الاتحاد الأوروبي.
وأما عالم الاجتماع اليساري سلافومير سيراكوفسكي، فيرى أن زعيم حزب الحق والقانون ياروسلاف كاتشينسكي الذي يوصف في أغلب الأحيان بأنه المفكر الإستراتيجي وصاحب قرار المحافظين البولنديين لا يغذي الكرة ضد أوروبا بل يجد أن أوروبا تعترض رؤيته السياسية لمستقبل بولندا.
ويرى سيراكوفسكي أن السبب العميق للنزاع يكمن في العقلية المحافظة للبولنديين الكاثوليك ونقص التقاليد الديموقراطية في بولندا التي قسمت في القرن 19 وحتى 1918 بين 3 قوى متجاورة ثم حكمها الماريشال المستبد يوزف بيلسودسكي وبعده الحزب الشيوعي الخاضع لموسكو، وقال "لم يكن ذلك إطارًا جيدًا لولادة ديمقراطية ليبرالية".
وتاريخيًا، البولنديون متسمكون جدًا بالاستقلال الوطني ويرفضون كما يقولون دائمًا أن تحل بروكسل محل موسكو.
وردًا على سؤال عن تشدد وارسو في موقفها حيال المفوضية الأوروبية، قال رئيس معهد الحرية المحافظ إيغور يانكي إن "حزب الحق والقانون مصمم على إصلاحاته القضائية في كل الأحوال، وأنه بإعلان هذه التعديلات أظهر أنه يريد إنهاء هذه المسألة".
ويرى يانكي الذي يؤكد أنه يستند إلى مصادر داخل الحزب المحافظ، أن مسئولي الحزب لا يتوقعون عودة علاقات طبيعية مع المفوضية الأوروبية، ونقل في هذا الصدد جملة قالها رئيس الوزراء ماتيوس ورافيتسكي أن القطعة البولندية في الصورة تندرج في الكل (الأوروبي)، لكن يجب ألا توضع بالمقلوب أو تقحم بالقوة لأن ذلك لن يخرب هذا الجزء فقط بل المشهد بأكمله.