المؤكد أن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القدس يعد زلزالا سياسيا كبيرا حرك ضمير العالم الذى انتفض بأكمله ضد القرارات أحادية الجانب التى اتخذتها الإدارة الأمريكية لمساندة إسرائيل، ولا يمكن أبدا إغفال الدور القوى الذى قامت به مصر سواء فى مجلس الأمن أو الجمعية العامة، كونها الدولة التى أثبتت للعالم كله كيف تقف مساندا للقضية الفلسطينية، مساندة على الأرض وليس مجرد أحاديث وتصريحات لا تثمن ولا تغنى كما فعل كثيرون حولنا تحدثوا كثيرا لإشعال لهيب العرب والمصريين، لكن أيديهم خلف ظهورهم تعانق إسرائيل وتوجه الطعنة تلى الأخرى فى ظهور الفلسطينيين.
مصر كما قلت سابقا لم تتحدث لكنها تحركت، فكانت النتيجة ما رأيناه الخميس الماضى، ومن قبله تصويت مجلس الأمن على مشروع القرار المصرى بشأن القدس، الذى اضطرت واشنطن إلى استخدام حق الفيتو لإيقاف القرار، بعدما وافق عليه 14 دولة، ولَم تيأس مصر فقادت أكبر حركة دبلوماسية وسياسية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة وخارجها إلى أن وصلنا لما حدث الخميس الماضى بتصويت الجمعية العامة ضد قرار دونالد ترامب بشأن القدس بإجمالى 128 دولة وقفت إلى جانب الحق الفلسطينى، فيما قررت 9 دول بينها الولايات المتحدة وإسرائيل بطبيعة الحال أن يقفوا بجانب ترامب، واختارت 35 دولة أن تقف محايدة، وربما تكون هذه الدول خشيت من التهديدات الأمريكية التى أطلقها ترامب بأنه سيعاقب الدول التى ستقف ضده فى الأمم المتحدة، وهو أمر مفهوم خاصة أن غالبية هذه الدول من الصغيرة التى تدور دوما فى إطار معادلة المصالح وترتيب أولوياتها، وفقا لما تقرره الدول الكبرى لها، لكن لا يجب أبدا أن نرتكن لهذا السبب لأن رقم 35 كبيرا وحسب ذاكرتى يعد الأكبر الذى وقف محايدا فيما يتعلق بالقرارات الفلسطينية التى تعرض على الأمم المتحدة، وعلى القيادة الفلسطينية وبمعاونة ومساندة من الدول العربية أن تعيد حساباتها مرة أخرى مع هذه الدول، وتعيد التواصل معها لكى تفهم منها لماذا اختارت الحياد رغم وضوح الحق بجانب فلسطين، كما أن كل الدول الكبرى الأخرى وقفت علما ضد قرار ترامب ومساندة للفلسطينيين، لأن ما أخشاه أن تتحول تدريجيا دول من الـ35 دولة لتنضم إلى التسعة المؤيدين لإسرائيل.
أمر آخر فى شأن التصويت الحيادى وهو تصويت دولة «توجو» الأفريقية ضد مشروع القرار العربى، آخذا فى الاعتبار أنه فى 7 أغسطس الماضى، استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو وزوجته، سارة، رئيس توجو، فورى جناسينجبى، بمقر رئاسة الوزراء فى القدس المحتلة، لتقف توجو جنبا إلى جنب مع دولة الاحتلال الإسرائيلى والولايات المتحدة الأمريكية، فيما قررت خمس دول أفريقية أخرى «جنوب السودان وأوغندا ورواندا والكاميرون وبنين» الامتناع عن التصويت لصالح أو ضد القرار، أى اختارت الحياد، وهو موقف غريب من دول تنتمى لقارة كثيرا ما عرفت بموقفها الواضح والمساند لفلسطين، وكانت صاحبة الموافقة التاريخية ضد دولة الاحتلال، لكن يبدو أن المصالح تبدلت، ولم تعد فلسطين فى قائمة أولويات الأفارقة، بعدما دخلت إسرائيل بقوة فى القارة السمراء وبدأت الآن تجنى ثمار تدخلها فى القارة، فى حين اكتفينا نحن بموقف المتفرج وكأن شيئا لم يحدث.
ما حدث من هذه الدول يعد جرس إنذار لنا جميعا، ويتطلب الحذر الشديد مستقبلا، وربما تكون اجتماعات الاتحاد الأفريقى فى أديس أبابا الشهر المقبل فرصة مواتية ليس للسلطة الفلسطينية فقط، وإنما لكل الدول العربية الحاضرة أن تذكر الأفارقة بمواقفهم التاريخية المساندة لفلسطين ضد دولة الاحتلال، فأفريقيا عرفت دائما بأنها أكبر داعم لفلسطين، لكن اليوم بدأت المواقف تتغير، وبكل تأكيد فإن اللوم كل اللوم على من ترك الساحة مفتوحة لتل أبيب فى القارة السمراء، لكن لا يجب أن نقف صامتين.
فى النهاية علينا التأكيد بأن نتيجة التصويت الخميس الماضى تعد انتصارا أخلاقيا وقانونيا للدول التى أكدت أهمية إعلاء الحق والعدل والاتساق مع قرارات سابقة صدرت من قبل عن مجلس الأمن والجمعية العامة تأييدا للحق العربى الفلسطينى، وكلها تعيد التأكيد على أن القدس، خاصة القدس الشرقية، تقع تحت الاحتلال الإسرائلى، وينطبق عليها بالتالى أحكام اتفاقيات جنيف الرابعة، كما سبق أن جاءت نتيجة تصويت مجلس الأمن على القرار الصادر مؤخرا كذلك 14-1 متطابقة تماما مع نمط تصويت مجلس الأمن على قرار المجلس رقم 476 الذى اعتمده المجلس فى 30 يونيو 1980 لقيام الجانب الإسرائيلى بإعلان ضمه للقدس الشرقية، وكانت نتيجة التصويت آنذاك كذلك على القرار 14-1، نفس نتيجة تصويت آخر قرار للمجلس حول القدس، ونص القرار ضمن أمور أخرى على أن قرار الكنيست يعد معوقا خطيرا أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم فى الشرق الأوسط، وقرر المجلس كذلك عدم الاعتراف بما يسمى القانون الأساسى الصادر عن الكنيست الذى اعتبر القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وأنه لاغى وباطل.
كل ذلك كما سبق وأشرت مهم، لكن الأهم أن نعيد قراءة الأرقام مرة أخرى، لنعرف لماذا وقفت دول بعينها مع أمريكا وإسرئيل، وندرس أخطاءنا حتى لا يتسع حجم المؤيدين لإسرائيل مستقبلا.