2024-11-30 07:36 ص

4 أيقونات فضحت همجية الاحتلال في انتفاضة القدس

2017-12-20
/ساسة بوست/
فجع الفلسطينيون بقرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» يوم السادس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفيما اختار كل منهم وسيلته لاستنكار هذا القرار، سُجلت بطولات نوعية للبعض منهم في نظر الجماهير العربية المتحمسة للقضية الفلسطينية.

فتى يُعتقل ويمشي بوجه دامٍ شامخًا وسط 23 جنديًّا من الاحتلال، وسيدة تطرح شرطية إسرائيلية أرضًا، وثالث يُقتل على كرسيه المتحرك في ساحة المواجهات، لقد احتل هؤلاء دون أي قصد منهم اهتمام العالم العربي والعالمي، وتحولوا إلى أيقونات حركت المشاعر من جهة، وفضح بعضها همجية الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى.

إبراهيم أبو ثريا.. «أيقونة المقاومة الجديد» بكرسي متحرك

وسط جموع المحتجين على قرار «ترامب»، وتحديدًا في المواجهات التي كانت تندلع في مخيم البريج شرق غزة على مر الأيام القليلة الماضية، كان يلفت الانتباه يوميًّا مشاركة شاب فلسطيني يتنقل على كرسيه المتحرك، يرفع علم فلسطين، ويلتحف بالكوفية، إنه الجريح الفلسطيني «إبراهيم أبو ثريا» الذي فقد ساقيه قبل 10 سنوات في قصف إسرائيلي على قطاع غزة.

اعتاد المتظاهرون على رؤية «إبراهيم» يزحف وهو يرفع علامة النصر أمام السياج الفاصل، كان يجيب من يسأله عن سبب مجيئه: «هذه الأرض أرضنا، لن نستسلم، أمريكا لازم تسحب قرارها»، لقد انتهى هذا الحضور في «جمعة الغضب» التي اندلعت يوم 15 ديسمبر الحالي.

 كما سجلت بطولات «إبراهيم»، سجلت لحظة استشهاده وهو يحتضن العلم الفلسطيني، حين أطلق جنود الاحتلال الرصاص الحي عليه وهو يحاول تسلق عمود كهرباء ليرفع العلم عليه، وطبق هذا الجيش ضد «إبراهيم» سياسة القنص المباشر في رأسه، بعد أن سلبت منه القذائف الإسرائيلية قدميه قبل 10 سنوات، يقول والده «نايف» إن: «ابنه لم يكن يأبه بالرصاص الحي والغاز المدمع الذي يطلقه جيش الاحتلال الإسرائيلي على المتظاهرين، فكل ما كان يبتغيه هو الشهادة في سبيل فلسطين، وأن تظل عاصمتها القدس الشريف»، ويتابع القول لـ«الأناضول»: «قصة نجلي مع فلسطين كبيرة، والقدس كانت أكبر همّه».

كانت مسيرة حياة «إبراهيم» حافلة بالمعاناة والفقر، فبعد إصابته لم يتمكن من الاستمرار في العمل بمهنة الصيد للإنفاق على أسرته، فامتهن غسل السيارات في شوارع غزة حتى استشهاده، وتنقل صحيفة «الإندبندنت» البريطانية عن الصحافي المقدسي ناصر عطا قوله: «إن وفاة أبي ثريا في غزة ستكون بداية الانتفاضة الثالثة، كما حدث مع محمد الدرة الذي قتل خلال الانتفاضة الثانية».

الطفل «فوزي».. عينان معصوبتان ووجه دامٍ بين 23 جنديًّا إسرائيليًّا

في باب الزاوية وسط مدينة الخليل (جنوبي الضفة الغربية)، حيث المواجهات الدائمة مع جنود الاحتلال، التقط مصور فلسطيني صورة للفتى فوزي الجنيدي يمشى مرفوع الرأس شامخًا، ووجهه ملطخ بالدماء، بين 23 جنديًّا مدججًابالسلاح يحاصرونه وهو مقيد ومعصوب العينين أيضًا.

هذه الصورة جعلت «فوزي» أبرز أيقونات الاحتجاجات ضد قرار «ترامب» الخاص باعتبار القدس عاصمة «إسرائيل»، فقد أثارت صورته الرأي العام العالمي ليظهر في نظر البعض مدى همجية الاحتلال في اعتقال الأطفال الفلسطينيين، ولقي الفتى تضامن العديد من الفنانين والمصممين، فرسمت ‏الفنانة الإيطالية «أليشا بيلونزي» لوحة تحاكي صورة «فوزي» لحظة اعتقاله، ومنح أيضًا «درع الطفولة المعذبة» من مهرجان «السيدة إنسانية التشيكي» لإبداع الطفولة والتميز الثقافي والفني قبل أيام.

الفتى الذي تحمل مسؤولية عائلته بأكملها، حين غادر مقاعد الدراسة باكرًا والتحق بركب العمل لإعالة أسرته بعد إصابة والده، تعرض للضرب المبرح لحظة اعتقاله وهو مصاب برصاص مطاطي، ثم واصل جنود الاحتلال التنكيل به متنقلين به بين ثلاثة مراكز توقيف.

وينقل محامي نادي الأسير عن الفتى المعتقل في سجن «عوفر»، قوله إنه: «قام جندي بالاعتداء عليه بالضرب على صدره بسلاحه الناري، وقام جنود الاحتلال بتقييد يديه بعد ذلك بمرابط بلاستيكية أدت إلى إحداث جروح في مكانها، وغطّوا عينيه بقماش، واصطحبوه وهو حافي إحدى القدمين إلى منطقة (الكونتينر)، وكانوا خلال المسير يقومون بضربه وشتمه، ويزيدون بالضّرب كلما طلب منهم إحضار فردة حذائه التي سقطت من قدمه، إلى أن قام أحد الجنود بخلع الفردة المتبقيّة، وأكملوا به المسير وهو حافي القدمين»، ويضيف المحامي نقلًا عن الفتى: «أن جنود الاحتلال قاموا بعد ذلك باحتجازه في غرفة معتمة، وقاموا بضربه فيها وسكب الماء البارد على قدميه، والدوس عليهما، واصفًا أنه كان يشعر بأنه سيفقد الوعي من شدّة التعذيب».
«رفقة».. السيدة التي طرحت شرطية إسرائيلية أرضًا

اعتصام سلمي على مدرج في منطقة «باب العامود» أحد أبواب المسجد الأقصى، جلست النساء والأطفال كالأغلبية يحتجون على قرار «ترامب»، فيما أحضرت شرطة الاحتلال عناصرها من النساء والرجال لقمع المحتجين.

أقدمت شرطية من الاحتلال على الاعتداء على مجموع من الأطفال، وأخذت تدفع طفلة تجلس على المدرج، فسارعت المقدسية «رفقة القواسمي»، 40 عامًا، وهي أم لأربعة أبناء، للدفاع عن الفتاة وتخلصيها من بين يدي الشرطية الإسرائيلية، ثم ضربتها ردًّا على تعاملها مع الأطفال تعاملًا عنيفًا، ودفاعًا عن كرامة المقدسيين.

شكّل مشهد شد السيدة «رفقة» لشعر الشرطية الإسرائيلية وطرحها أرضًا مشهدًا بطوليًّا تفاخر به الفلسطينيون، لكن بحكم السيطرة الإسرائيلية على المدينة سرعان ما اعتقلت سلطات الاحتلال السيدة في سجن «الرملة»، حيث تواجه تهمة «الاعتداء على شرطية أثناء أداء عملها أمام محاكم الاحتلال».

تقول ابنتها «رنين»: «والدتي بدت في المحكمة قويّة جدًا وبمعنويّات عالية، نشعر بفراغ كبير لعدم وجودها في المنزل، خاصة آدم (أصغر الأبناء) الذي يفتقدها كثيرًا، رغم أنه لم يمض على اعتقالها الكثير»، وتضيف لـ«الأناضول»: «تم إخلاء سبيل شقيقي آدم (12 عامًا)، مقابل تسليم والدتي نفسها للشرطة، بشرط أن يخضع آدم للحبس المنزلي مدة خمسة أيام».

ويؤكد رئيس لجنة متابعة أهالي العيسوية، محمد أبو الحمص، على أن اعتقال السيدة «رفقة» جاء انتقامًا لمدافعة فلسطينيات عن أنفسهن وأولادهن، ويضيف لـ«الأناضول»: «اعتقالها يمثل محاولة لإيصال رسالة للمقدسين مفادها: لا تدافعوا عن أنفسكم أمام قوات الاحتلال، ولا تقتربوا من منطقة باب العامود، ولا تتظاهروا في القدس».

الشيخ «أبو هليل» يعود للمشاركة قبل أن يندمل جرح فقدان ابنه

صورة معتادة في مواجهات مدينة الخليل، رجل مسن يرتدي زيًا فلسطينيًّا تراثيًّا، عبارة عن ثوب أبيض، وبشت باللون الجملي، إضافة لارتدائه الغترة والعقال، يتوسط جنود الاحتلال المدججين بالسلاح، ويشتبك معهم لفظيًّا باللغة العبرية.
نه الشيخ «زياد أبو هليل» من بلدة دورا (غرب الخليل)، خرج الرجل في الأيام القليلة الماضية للمشاركة في الاحتجاجات ضد قرار «ترامب» بشأن القدس حتى قبل أن يندمل جرح فقدان ابنه أحمد (17 عامًا) بحادث سير قبل نحو أسبوعين فقط، وقبل أن تذهب عن مخيلة الفلسطينيين صورته المؤثرة وهو ينظر إلى ابنه في العناية المركزة، لقد أبى الرجل إلا أن يحضر بجسده المتعب وقلبه الموجوع للمشاركة في هذه الاحتجاجات.

وهو صاحب كلمة «بهمش» الشهيرة التي لم يكف الفلسطينيون عن ترديدها، حين قال له جندي من الاحتلال: «إن الشباب يرمونهم بالحجارة»، فرد عليه بلهجته الفلسطينية: «بهمش خليهم يضربوا»، قبل أيام أظهر مقطع فيديو الشيخ «أبا هليل» في اشتباك لفظي جديد مع قوات الاحتلال الذين أخذوا يتصدون للفتية والشباب المنتفضين في الخليل، عاير هؤلاء الجنود باللغة العبرية بعجزهم عن مواجهة حماس وقطاع غزة، وطالبهم بالذهاب.

لم يكن الشيخ «أبو هليل» صاحب قول فقط، فقد جعل نفسه حاجزًا يبعد سلاح جنود الاحتلال من الرصاص والقنابل المسيلة للدموع عن الشباب في المواجهات.

 ونتيجة لتواجده في معظم المواجهات تعرض للإصابة أكثر من 140 مرة برصاص مطاطي وغاز مسيل للدموع من الاحتلال، وكذلك كان يتم الاعتداء عليه بالضرب رغم تقدم سنه، وقد اعتقل سبعة من أبنائه وبناته في سجون الاحتلال، يقول الشيخ «أبو هليل» عن تصديه للاحتلال: «إنه ليس ذاهبًا إلى فندق أو منتجع؛ بل إلى عدو يفتقد الرحمة، ولذلك فهو يتمنى دائمًا أن يتوفاه الله شهيدًا، لا يملك الإنسان إلا محاولة منع الاحتلال من قتل المزيد من المدنيين الأبرياء»، ويضيف لـ«الجزيرة نت» أنه: «تعلم لغة العدو ليأمَن شره، وذلك من خلال الاحتكاك والتجارة في وقت سابق، وهو يتحدث أيضًا الإنجليزية والروسية رغم توقفه في الدراسة عند الثانوية العامة».