منظمة «أوبك» ومنتجو النفط غير الأعضاء بالمنظمة، وفي مقدمتهم روسيا على تمديد تخفيضات إنتاج النفط حتى نهاية 2018، وذلك للسيطرة على وفرة المعروض العالمي من الخام، ولكن مع إمكانية الخروج من الاتفاق قبل ذلك الموعد إذا حدث صعود حاد للأسعار. وبعد هذا الاتفاق الذي جاء نتيجة جهود سعودية حثيثة، يتساءل الكثيرون عن السعر المتوقع للنفط خلال العام 2018، هل سيشهد قفزة قوية ويعود لمستويات ما قبل الأزمة الحالية؟ أم أنه سيستقر قرب السعر الحالي ولن يتجاوز 80 دولارًا؟
في الواقع لم يعط اتفاق تمديد خفض الإنتاج دفعة قوية لأسعار النفط بصورة فورية، ولكن الجميع في انتظار أن يختبر النفط حاجز الـ65 دولارًا خلال الأيام القادمة. إذ ارتفعت أسعار النفط في جلسة 1 ديسمبر (كانون الأول) بعد يوم واحد من الاتفاق على تمديد خفض الإنتاج إلى 64.32 دولارًا للبرميل، لكنه تراجع بنهاية الجلسة إلى 63.73 دولارًا، وهذه الأسعار تشير إلى تراجع بنحو 1% خلال الأسبوع، لكن بما أن إنتاج «أوبك» وروسيا معًا يشكلان أكثر من 40% من النفط العالمي؛ فإن هذا الاتفاق سيكون له تأثير قوي على سوق النفط خلال الأشهر القادمة.
ما هو مستوى أسعار النفط المتوقع في 2018؟
يرتبط هذا التأثير بعدة معطيات: سواء تلك التي تدعم ارتفاع الأسعار، أو التي تقوّض هذا الارتفاع. وقبل مناقشة هذه المعطيات، سنقف أولًا على أبرز التوقعات لسعر النفط في العام القادم 2018، ونرجح مستوى الأسعار الأقرب خلال العام في ضوء المعطيات الحالية.
لقد اختلفت التوقعات بشكل كبير قبل تمديد الاتفاق وبعده، إذ إن التوقعات لسعر النفط لعام 2018، قبل تمديد خفض الإنتاج كانت تدور حول 55-60 دولارًا، وأقل من ذلك، ففي أغسطس (آب) الماضي؛ رجّحت شركة «بي.بي» البريطانية أن تتحرك أسعار النفط في نطاق بين 45 و55 دولارًا للبرميل العام المقبل، مع نمو إنتاج النفط الصخري الأمريكي، ولكن الوضع كان مختلفًا بعض الشيء في تلك المرحلة، إذ سجل متوسط سعر خام برنت في النصف الأول من العام 2017، نحو 51.71 دولارًا للبرميل تقريبًا، بينما اقترب من 53 دولارًا للبرميل في أغسطس (آب) الماضي.
وقبل يومين من تمديد اتفاق خفض الإنتاج، توقع «فاتح بيرول» رئيس وكالة الطاقة الدولية، أن سوق النفط العالمية ستواجه شحًا قرب النصف الثاني من 2018، إلا أنه يرى أن السعر فوق 60 دولارًا، هو رقم جيد لكي تحقق معظم استثمارات النفط أرباحًا. في المقابل أشار تحليل بنك قطر الوطني – الذي غالبًا ما تكون توقعاته قريبة من الواقع – إلى سعر أقل بقليل من 60 دولارًا، ففي منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أبقى البنك على توقعاته بأن يبلغ متوسط سعر برميل النفط 58 دولارًا في عام 2018.
وجاء توقع البنك اعتمادًا على أربعة تطورات رئيسية وهي: ارتفاع الطلب العالمي، وتوقع تمديد تخفيضات الإنتاج حتى نهاية عام 2018، وتلاشي تأثير الأعاصير في الولايات المتحدة، وتصاعد المخاطر الجيوسياسية في العراق وإيران. لكنه أيضًا ذكر أن هذه العوامل غير كافية لمقابلة النمو القوي في الإنتاج الذي لوحظ في 2017 من قبل الدول غير الأعضاء في منظمة «أوبك»، خاصة في الولايات المتحدة.
على الجانب الآخر، جاءت التوقعات بعد تمديد خفض الإنتاج لسعر النفط في 2018 أكثر تفاؤلًا، إذ توقع بنك باركليز، أن تكون أسعار خام القياس العالمي مزيج برنت في المتوسط ما بين 60 و65 دولارًا للبرميل العام القادم، وذلك على أساس انكماش نمو الطلب بما يتراوح بين 100 و200 ألف برميل يوميًا. بينما كشف وزير الاقتصاد الروسي «ماكسيم أورشكين» عن أن وزارته سترفع توقعاتها لعام 2018 إلى ما يزيد على 50 دولارًا لخام الأورال، مقارنة مع تقديراتها السابقة البالغة 43.8 دولارًا للبرميل، وهذه التقديرات تعد قفزة كبيرة بالسعر.
وعن السعر الذي ربما يكون الأقرب حاليًا وسط المعطيات الإيجابية التي سنذكرها لاحقًا، نجد ما نقلته «بلومبرج» على لسان «جوناثان بارات»، كبير مسؤولي الاستثمار في الأوراق المالية في تحالف «إيرز» في سيدني، الذي توقع أن تصل الأسعار إلى مستوى ما بين 70-80 دولارًا بنهاية الربع الأول من العام المقبل، مشيرًا إلى أن القضايا الجيوسياسية بالدول الرئيسة المنتجة للنفط ستكون أبرز داعم للأسعار.
هل ستعود أسعار النفط فوق 100 دولار مرة أخرى؟
بالرغم من التوقعات الإيجابية الكثيرة بشأن أسعار النفط العام المقبل، يظلّ الوصول إلى مستويات النصف الأول من 2014 بعيدًا جدًا عن الواقع الحالي، كما أن «أوبك» والمنتجين من الخارج أشاروا إلى إمكانية الخروج من الاتفاق قبل نهاية 2018 إذا حدث صعود حاد للأسعار، كما أن المعروض العالمي لا يزال يسجل مستويات مرتفعة تجعل من الصعب الوصول إلى مستوى 100 دولار للبرميل في الوقت الحالي.
وحيد ألكبيروف، رئيس «لوك أويل» أكبر شركة خاصة لإنتاج النفط في روسيا، هو الآخر يستبعد أن تشهد أسواق النفط ارتفاعًا محمومًا مثلما حدث خلال صعود الأسعار في العقد الماضي، قائلًا: «إذا شهدت سوق النفط ارتفاعًا محمومًا فإن «أوبك» وحلفاءها سيضخون إنتاجًا جديدًا لاستعادة التوازن في السوق»، إلا أنه يتوقع أن ينمو الطلب العالمي على النفط 1.8 مليون برميل يوميًّا العام القادم، بينما يرغب في أن يرى سعر النفط مستقرًا عند المستويات الحالية بين 60 و65 دولارًا للبرميل.
عوامل ستتحكَّم في الأسعار خلال 2018
العرض والطلب بلا شك هما الأساس في تحرُّكات الأسعار داخل الأسواق. ففي أكتوبر (تشرين الأول) توقعت «أوبك» تحسن السوق العالمية في 2018، موضحة أن العالم سيحتاج إلى 33.06 مليون برميل يوميًّا من الخام الذي تنتجه المنظمة العام المقبل، بارتفاع قدره 230 ألف برميل يوميًا عن التوقعات السابقة، في إشارة واضحة لتحسن الطلب على النفط. وبعد يوم واحد من توقعات «أوبك»، قالت وكالة الطاقة الدولية: إن العرض والطلب العالميين على النفط الخام سيتوازنان بدرجة كبيرة في 2018، مشيرة إلى أن هناك ثلاثة فصول من أصل أربعة ستكون متوازنة تقريبًا، وذلك في حال عدم تغير إنتاج «أوبك» عن المستويات الحالية. وفي ظل أوضاع طقس عادية، وبعيدًا عن الطلب والعرض؛ تبرز عدة عوامل ستؤثر على السوق خلال العام القادم، وأهمها:
1- الخطر الأمريكي.. هل يقتنص النفط الصخري الفرصة؟
في الوقت الذي أعلنت فيه «أوبك» عن تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط، أظهرت بيانات حكومية أمريكية أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط زاد 3% في سبتمبر (أيلول) إلى 9.48 مليون برميل يوميًا. ويشكل النفط الصخري نحو ثلثي إنتاج الولايات المتحدة الحالي من النفط، وبما أن أمريكا ليست طرفًا في الاتفاق؛ فهي بلا شك أهم المستفيدين من هذا الخفض، فهل سيكون لهذا الأمر تأثير على أسعار النفط في 2018؟
هدية لمنتجي النفط الصخري.
هكذا وصف منتجو النفط في تكساس ونورث داكوتا اتفاق «أوبك» – أكبر ولايتين منتجتين للنفط الصخري في الولايات المتحدة – وبما أن الأسعار تتجه للاستقرار مع اتفاق «أوبك» فوق 60 دولارًا للبرميل؛ فإن هذا السعر سيصبح جذابًّا للنفط الصخري الذي صمد أمام أسعار أقل من ذلك بكثير، لذلك نجد توقعات بأن يتجاوز إنتاج الولايات المتحدة من النفط 9.9 مليون برميل يوميًا في ديسمبر (كانون الأول) ليسجل مستوى قياسيًا مرتفعًا، بحسب ما قالت ريستاد إنرجي لاستشارات الطاقة، بينما يرى بنك باركليز أن إنتاج النفط الصخري قد ينمو مجددًا بما يتراوح بين 400 و500 ألف برميل يوميًا إذا بلغ متوسط سعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 60 دولارًا للبرميل.
وبعيدًا عن ارتفاع الإنتاج الأمريكي، بات النفط الصخري يستجيب سريعًا لارتفاع الأسعار. فبحسب «بيكر هيوز» لخدمات الطاقة، فقد زادت شركات الطاقة الأمريكية عدد حفارات النفط العاملة خلال الأسبوع المنتهي في الأول من ديسمبر (كانون الأول)، وذلك للأسبوع الثاني على التوالي بواقع حفارتين ليصل العدد الإجمالي إلى 749 منصة. فيما يحذر «سكوت شيفيلد»، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لـ«بايونير ناتشورال ريسورسيز»، إحدى أكبر الشركات المنتجة للنفط في حوض بيرميان في تكساس ونيو مكسيكو وهي أكبر حقل نفط أمريكي، من انهيار في الأسعار بنهاية 2018، حال زاد المنتجون في الولايات المتحدة عدد منصاتهم للحفر على مدار الأشهر القليلة القادمة.
عمومًا يبقى النفط الصخري هو العامل السلبي الوحيد في الوقت الحالي، إلا أن عوامل إيجابية أخرى ربما تعالج آثاره.
2- معضلة الصين.. ربما تكون في مصلحة الأسعار هذه المرة
مع تزايد المخاوف القادمة من أمريكا، يبدو أن الصين التي كانت أحد أسباب هبوط أسعار النفط منذ وقتٍ قصير بسبب تراجع طلبها على النفط وتراجع النمو الاقتصادي؛ باتت الآن سببًا رئيسيًّا في دعم الأسعار، فبحسب محللين فإن من المتوقع أن ترتفع واردات الصين من النفط الخام في يناير (كانون الثاني) 2018، مع تسارع طلب شركات التكرير المستقلة فور صدور حصص الاستيراد لعام 2018 وشروع شركات التكرير في إعادة تكوين المخزونات، كما يتوقع أن ترتفع واردات الصين من الخام إلى مستوى قياسي جديد في عام 2018.
ووفقًا لمسح لـ«رويترز» كشف أن أعضاء «أوبك» المشاركين في اتفاق تقييد الإنتاج، يحققون 112% من التخفيضات المتفق عليها في نوفمبر (تشرين الثاني)، مقارنة بـ92% في أكتوبر (تشرين الأول). هذا الالتزام المبالغ فيه دفع المصافي في آسيا، أكبر منطقة مستهلكة في العالم، إلى أن تستفسر عن شحنات نفط من خليج المكسيك ومنطقة الكاريبي، لا سيما من الولايات المتحدة والمكسيك وفنزويلا وكولومبيا بحسب شركات شحن، وهو ما يشير إلى طلب آسيوي قوي بقيادة الصين، مما سيدعم صعود الأسعار.
3- عوامل أخرى تدعم الأسعار
المخاطر الجيوسياسية والنمو الاقتصادي هما عاملان في غاية الأهمية بالنسبة لأسعار النفط، فبحسب تحليل بنك قطر الوطني، فإن الاستفتاء حول انفصال إقليم كردستان عن العراق تسبب في بعض الشكوك، بشأن التدفق المستقبلي لحوالي 500 ألف برميل يوميًا من الحقول الكردية العراقية إلى تركيا. وإلى جانب ذلك، تدرس الإدارة الأمريكية إعادة فرض عقوبات على إيران، مما قد يضع حوالي 200 ألف برميل يوميًا من النفط الإيراني إلى أوروبا على المحك. كما أن المنطقة الخليجية تمر بفترة غير مستقرة، وبالرغم من أن تأثير أي من هذه الأحداث على إمدادات النفط العالمية تبدو ضئيلة، إلا أنها تثير المخاوف داخل الأسواق وتقود السعر نحو الارتفاع.
ملامح التعافي الاقتصادي في معظم الاقتصادات المتقدمة هي أيضًا من بين العوامل الأخرى التي تدعم ارتفاع أسعار النفط، فالنمو القوي الذي تظهره البيانات الأمريكية، ومنطقة اليورو التي تعد أهم المناطق في استهلاك النفط في العالم، ستساهم أيضًا في دعم الأسعار في ظل توقعات نمو إيجابية خلال 2018.