تحقيق: راندا جرجس
تُعد سرطانات الجلد من الأورام السرطانية الأكثر انتشاراً بين البالغين الشباب، فهي تمثل مشكلة صحية عامة وخطيرة، تصيب خُمس المرضى الذين يعانون من أمراض نقائلية، والتي عادة ما تؤدي للموت ما لم يتمّ الكشف المبكر عنها والقيام بعملية الاستئصال المناسبة، لتحقيق نسبة شفاء تتخطى 90% لدى مرضى سرطان الجلد ذوي المخاطر المنخفضة، وفي السطور القادمة نستعرض أهم أنواع سرطان الجلد وكيفية الوقاية والوسائل المعالجة.
تقول الدكتورة سوشما رافي، أخصائية الأمراض الجلدية، إن سرطان الجلد تلف يصيب الخلايا المنتجة للصباغ الموجودة في البشرة، ويمتلك القدرة على إصابة العينين والمعدة والأمعاء والأذنين والأغشية المخاطية الفموية والتناسلية، وعلى مدار السنوات الـ25 الماضية، عززت حملات الصحة العامة من مستوى التوعية حول سرطان الجلد ومخاطر التعرّض الزائد لأشعة الشمس، وتستمرّ المساعي الحثيثة للتشجيع على اتباع إجراءات الوقاية الأولية (كتجنب التعرض للشمس) والوقاية الثانوية (كالكشف المبكر)، ويؤثر التعرض المفرط لأشعة الشمس على مستوى إصابة أصحاب البشرة الفاتحة وغير المتأقلمة بسرطان الجلد بشكلٍ أكبر من التعرّض التراكمي والمتكرر لهذه الأشعة.
ويستند هذا المفهوم جزئياً إلى إحدى المشاهدات التي تشير إلى انخفاض معدل إصابة العمال في الهواء الطلق بسرطان الجلد، بالمقارنة مع العاملين في الأماكن المغلقة مع تماثل الشروط، ويشار إلى أنّ استخدام أسرّة تسمير البشرة يساهم في زيادة معدلات الإصابة بسرطان الجلد.
تلون الجلد
وتشير د.رافي إلى أن الأدلة تؤكد ارتفاع خطر الإصابة بسرطان الجلد بين المرضى الذين يحملون أعداداً أكبر من التغيرات الجلدية الميلانينية الحميدة المعروفة باسم الوحمات، حيث تشكل الوحمات التي يزيد قطرها على 5 ملم بلون داكن أو ذات الأصبغة غير المتجانسة مع حدود غير منتظمة، عوامل خطر أكثر قوة للإصابة بسرطان الجلد، مقارنة مع الوحمات العادية، ومن المعروف بأنّ الوحمات أو الشامات تكون موجودة منذ الولادة أو تظهر لاحقاً، حيث يصل العدد إلى ذروته في العقد الثالث من العمر، ومن ثم يميل للتراجع والاختفاء مع التقدم بالسن، وتظهر الشامات محددة المعالم أو مستديرة ويتراوح قطرها بشكل عام بين 2-6 ملم، وتبدو بشكلٍ عام منتظمة ومتماثلة، وتمتاز بألوان تميل بين الوسط المتجانس والبني الداكن، وقد يكون لها سطح ثؤلولي، كما تحتوي العديد من الوحمات على شعر خشن ذي صبغة داكنة أكثر بالمقارنة مع تلك المحيطة بها، وغالباً ما تكون وحمات راحة اليد وباطن القدم بقعاً أو مرتفعة قليلاً، ولها حدود منتظمة وواضحة بلون بني متجانس أو خطي. بينما تبدو الوحمات تحت الأظافر كخطوط طولية مصطبغة بألوان تتدرج بين البني والبني الداكن مع هوامش منتظمة ومحددة، ويمكن التمييز بسهولة بين البثور والشامات، إذ تظهر البثور عادة على الوجه والذراعين والظهر، ومن الطبيعي ظهور العديد من البثور في آنٍ معاً، وهي تنشأ دوما على شكل نتوءٍ مرتفع لتتطور بسرعة إما إلى بثور أو قشور جافة.
النمش
وتضيف: يعتبر النمش نمطاً ظاهرياً آخر للتعرض لأشعة الشمس لدى الأفراد المعرضين وراثياً، وبالنسبة لعيّنة سكانية كبيرة، يزداد احتمال إصابة هؤلاء الأشخاص بسرطان الجلد ضعفين أو ثلاثة أضعاف، كما يمكن أن تبدأ الأعراض على شكل بقعة بنيّة تتحول إلى لون أسود على الجسم أو الساقين مع اختلافات في اللون وسرعة النمو والتطور، كما يمكن أن تنشأ في مرحلة سابقة وتبقى مستقرة للعديد من السنوات، قبل أن يزداد حجمها ويختلف انتظام حدودها الخارجية، ويظهر فيها تقرحات أو تبدأ بالنزف، ما يترتب استئصالها على الفور أو فحصها للتحقق من احتمال الإصابة بسرطان الجلد.
أنواع وأعراض
وتذكر د. رافي أن هناك أكثر من نوع من سرطان الجلد يمكن أن يصيب الإنسان، بأعراض وعلامات مختلفة وفي أماكن متفرقة من الجلد، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:
• الورم الميلانيني النمشي، وهو يعتبر من الأنواع الأخرى لسرطان الجلد، ويصيب عادة راحة اليد وباطن القدم وداخل وحول الأظافر، حيث يبدأ عند منبت الأظافر ليظهر كخط أسود طولي على سطح الظفر، وينبغي النظر في إمكانية الإصابة بسرطان الجلد بالنسبة لكافة خطوط الأظافر المصطبغة لدى الأفراد ذوي البشرة الفاتحة، وخاصة إذا كانت مصبوغة بلون داكن أو يزيد عرضها على 3ملم، ويزداد انتشار الخطوط المصطبغة على أظافر ذوي البشرة الداكنة مع التقدم بالعمر لتتجاوز نسبة 75% بحلول سن الـ30 عاماً، ومع ذلك، ينبغي إجراء خزعة جراحية عند وجود خط ظفر مصطبغ ومتسع أو مصطبغ بشكل غير منتظم أو له شكل غير منتظم.
• يعتبر سرطان الخلايا القاعديّة أكثر أنواع الأورام السرطانية انتشاراً، وتظهر أعراضه في الشيخوخة، حيث ينتشر عادة على الوجه، ويتسم بتطوره البطيء مع إمكانية تشخيصه بسهولة.
• سرطان الخلايا الحرشفية الذي يعد أقل انتشاراً بالمقارنة مع سرطان الخلايا القاعديّة. ويمكن أن ينشأ في أي كيسة أو ندبة طويلة الأمد، ويميل هذا النوع من الأورام السرطانية إلى الانتشار في المناطق المحيطة، فضلاً عن الغدد الليمفاوية والكبد والرئتين، ويعتبر الكشف المبكر عنه واستئصاله أمراً بالغ الأهمية.
الفئات العمرية
وتشير د.رافي إلى أن متوسط عمر المصابين بسرطان الجلد يبلغ عند تشخيص إصابتهم 63 عاماً، وتعتبر الإصابة بهذا المرض أمراً نادر الحدوث خلال مرحلة الطفولة ونسبتها 0.3% للأطفال الذين لم يبلغوا سن الـ 14 عاماً، و2% عند المرضى الذين لم يبلغوا سن الـ 20 عاماً، كما يعد السرطان الأكثر انتشاراً لدى النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 25-29 عاماً، ويحل في المرتبة الثانية بعد سرطان الثدي لدى النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 30-34 عاماً، لكن الاختلافات الأكثر تميزاً في حالات الإصابة بسرطان الجلد والوفيات تحدث لدى الأفراد الذين تجاوزوا سن الـ 65 عاماً، وكثيراً ما يكون الأفراد الأكبر سناً أكثر عرضة للإصابة والوفاة جراء سرطان الجلد، وبالتالي ينبغي اعتبار المسنين هدفاً رئيسياً لحملات الوقاية الثانوية من سرطان الجلد، بما في ذلك حملات الفحص والكشف المبكر حول العالم، وواصلت حالات الإصابة بسرطان الجلد انتشارها حول العالم، لتتركز معدلات الإصابة الأعلى في أستراليا ونيوزيلندا. وأظهرت إحصائيات مرض السرطان لعام 2012 فئات عمرية موحدة لـ 3-9 حالات لكل 100 رجل وامرأة في الولايات المتحدة الأمريكية.
الملانوما الخبيث
يقول الدكتور بهاء الدين الناشي، مختص الأمراض الجلدية إن الملانوما الخبيث هو واحد من أخبث الأورام التي تصيب الجلد والأغشية المخاطية والسبب في ذلك يعود لإحداث نقائل لمفاوية أو دموية المنشأ، ولأن خلايا الملانوما الخبيث لا تعتبر خلايا غريبة بالنسبة للجهاز المناعي، فتكون الإصابة بنسبة كبيرة من نصيب أصحاب البشرة البيضاء، ونادراً ما يصيب البشرة السوداء، كما أنه يستهدف النساء أكثر من الرجال، كما تلعب حروق الشمس الشديدة المتكررة دوراً بزيادة خطر حدوث الملانوما، الذي يمكن أن ينشأ في أي مكان من الجلد ومخاطيات الفم والمخاطية التناسلية، ويكون الوجه والساقان، هما اكثر الإصابة عند النساء، وأما عندما يصيب الرجال فيستهدف القسم العلوي من الجذع.
الأسباب المرضية
ويشير د. الناشي إلى أن حوالي 10-20% من الحالات يحدث على أنقاض شامة خبيثة لونها بني فاتح إلى بني غامق موجودة في الجسم، استمر وجودها لعدة سنوات أو حتى عقود، وربما يطرأ على الآفة تغير في الألوان نحو أسود أو ارتشاح، أو تكون ذات حدود غير منتظمة، أو يتطور على وحمة خلوية مصطبغة موجودة من سنوات بـ30% من الحالات مثل: وحمة الوصل التي تعرضت للرضح المزمن أو التشعيع أو الالتهاب أو العلاج غير المناسب للوحمات.
ويضيف: يظهر الملانوم الخبيث، عادة بلون بني غامق إلى أسود مزرق في أغلب الحالات، وفي بعض الأحيان يكون الورم البدئي عديم اللون تماماً وخالياً من الملانين.
أشكال الملانوما
ويبين د.الناشي أن الملانوما الخبيث له العديد من الأشكال التي تظهر على الإنسان ويمكن اكتشافها عن طريق الفحص السريري ومنها:
* الملانوم شامل الخباثة، وهي خلايا خبيثة تتطور من آفات ملانية محتملة التسرطن.
* الورم الميلاني المنتشر السطحي، وهو الذي يصيب الأعمار المتوسطة، وأكثر الأماكن إصابة به في الجسم هو الجذع، حيث يكون على شكل بقع واضحة الحدود بيضاوية أو مدورة بلون رمادي إلى أسود ضارب للزرقة.
* الملانوم العقيدي، الذي يتطور من وحمة خلوية مصطبغة، وله نموذجان:
1- الأول، عبارة عن بقعة سوداء، ومتجانسة تتطور سريعاً إلى عقيدة نصف كروية ناعمة سوداء مزرقة.
2- الثاني: ملانوم عقيدي مسطح نموه الأفقي أكبر.
* ملانوم شامات النهايات، وهو يحدث نتيجة وجود شامة بالراحتين، الأخمصين، الأصابع، الأباخس، تحت الأظافر، ثم تتطور إلى ملانوم، وهو عبارة عن بقع ولويحات بأقطار مختلفة لونها بين البني والأسود.
* الأورام الملانية الأخري، حيث يمكن أن يصيب الملانوم الخبيث العين، كما ويحدث في المخاطيات الفموية والتناسلية، وهناك أيضاً الملانومات الشرجية المستقيمة.
مراحل انتشار الملانوما
ويذكر د.الناشي أن تشخيص الملانوما الخبيث يعتمد على الخزعة الاستئصالية، التي تعتبر الإجراء المفضل مع تناول هامش أمان لا يقل عن 1 سم من الجلد السليم.
الملانوم الخبيث يتميز بانتقالاته الباكرة، عن طريق الأوعية اللمفية أولاً ثم عن طريق الدم، مستهدفاً الرئتين، الكبد، القلب، الدماغ، والعظام، ويسبب الوفاة بعد مرور سنة إلى أربع سنوات بعد الإصابة، وتكون مراحل تطور المرض كالآتي:
1- ورم بدئي دون دلائل سريرية على حدوث أي نقائل.
2- ورم بدئي مع نقائل إلى العقد اللمفية الناحية.
3- ورم بدئي مع نقائل بعيدة دموية أو لمفاوية.
الوقاية والعلاج
ويؤكد د. الناشي أن أهم مقومات الوقاية والعلاج من سرطان الجلد يعتمد على الكشف، العلاج المبكر والفحص الدوري، كما يجب استئصال كل آفة جلدية مصطبغة في الجسم، وخاصة التي تكون ذات حواف منتظمة مرقطة، غير متناظرة، مرتفعة عن سطح الجلد، أو قطرها أكثر من 5 ملم، كما يجب علاج الشامة الخبيثة واستئصال الوحمة الزرقاء والوحمة المغزلية الخلايا والوحمة المصطبغة، ويتم معالجة الورم البدئي، باستئصال جراحي مع هامش أمان بمقدار 3سم من الجلد السليم، ومعالجة النقائل إلى العقد اللمفية، بعملية جراحية للعقد الناحيوية المصابة مع وجوب إجراء أشعة بعد الجراحة، ومعالجة النقائل البعيدة بالمعالجة الكيماوية.
النوع يحدد نسبة الإصابة
أثبتت الأبحاث والإحصاءات في 2017، أن الإناث يتعرضن لخطر الإصابة بسرطان الجلد المتفشي بصورةٍ أكبر من سن الولادة وحتى 49 عاماً، حيث إن واحدة من كل 155 سيدة، تصاب بسرطان الجلد، وبالمقارنة مع رجل من كل 220، وفى المقابل يزداد عدد حالات الإصابة بسرطان الجلد لدى الرجال بنسبة 1 من بين كل 28 رجلاً، بالمقارنة مع 1 من بين كل 44 امرأة على مدى العمر، اعتباراً من سن 50 عاماً فأكثر.