في ظروف المواجهة وسباق التسلح مع الاتحاد السوفياتي السابق، ومن ضمن استراتيجيتها العامة للهيمنة العالمية، اعتمدت الولايات المتحدة الاميركية سياسة بناء حاملات الطائرات الضخمة التي تحمل عشرات الطائرات المقاتلة وطائرات الخدمة، بالاضافة الى المدفعية الضخمة والصواريخ والصواريخ المجنحة، وهي بامكانها الوصول الى اي نقطة في بحار العالم، وخوض المعارك البحرية (بحر ـ بحر) والجوية (جو ـ جو، وجو ـ بحر، وجو ـ بر) والبرية (بحر ـ بر، وجو ـ بر). وتتزود حاملات الطائرات الاميركية المعاصرة بالوقود النووي الذي تكفيها الشحنة منه لمدة عشرين سنة كاملة، وهي تحمل سرب طائرات يصل الى 90 طائرة، وتحمل كمية وقود لطائراتها تكفي حوالى اسبوعين في حال القتال المتواصل، وتستطيع الطائرات الاقلاع منها والهبوط عليها في الليل كما في النهار. وترافق كل حاملة طائرات عدة سفن حربية داعمة ذات مهمات مختلفة وفي الغالب ايضا غواصة او اكثر. وهذا ما يجعل كل حاملة طائرات وملحقاتها قوة حربية ساحقة. وقد شاركت حاملات الطائرات الاميركية في جميع الحروب العدوانية واستعراضات القوة الاميركية في جميع انحاء العالم. ويكلف بناء كل حاملة طائرات (بدون الطيارات) اكثر من عشرة مليارات دولار. وتمتلك الولايات المتحدة في الوقت الراهن 11 حاملة طائرات في الخدمة، وقد استطاعت بناء هذه القوة الجبارة بفضل اقتصادها الضخم الذي يقوم على اخضاع ونهب الاقتصاد العالمي بأسره.
أما بالنسبة الى روسيا (والاتحاد السوفياتي السابق) فإن حجم اقتصادها هو اقل بكثير من حجم الاقتصاد الاميركي، خصوصا اذا اخذنا بالاعتبار انه خلال الحرب العالمية الثانية لم تسقط قنبلة واحدة على الارض الاميركية في حين تحمل الاتحاد السوفياتي الفاتورة الاقتصاددية والاجتماعية والبشرية الاكبر في تلك الحرب. ولذا فإن الاقتصاد الروسي لم يكن يسمح بـ"ترف" مجاراة اميركا في بناء حاملات الطائرات، فاتجهت روسيا الى بناء اسلحة "متواضعة" كالصواريخ الباليستية عابرة القارات والغواصات، وكلاهما اقل كلفة بكثير من حاملات الطائرات. والجيل الجديد من الغواصات الروسية هو غواصات نووية شبحية من الصعب اكتشافها. وبواسطة الصواريخ عابرة القارات فإن روسيا جعلت كل حاملات الطائرات التي تنشرها اميركا في بحار العالم عديمة النفع في الدفاع عن الارض الاميركية ذاتها، حيث ان الصواريخ الباليستية عابرة القارات قادرة على نسف واغراق جميع حاملات الطائرات الاميركية، كما انها ـ وهذا هو الاهم ـ على قصف اميركا نوويا وازالتها عن الخريطة، فيما حاملات الطائرات الاميركية تتنزه في اعالي البحار، وهذا حتى ـ في اسوأ الاحتمالات ـ في ظروف تعرض روسيا لاي هجوم كان. وبواسطة الغواصات المحملة بالصواريخ النووية استطاعت روسيا ان تحول "الميزة الستراتيجية" لاميركا بكونها شبه جزيرة مختبئة خلف المحيطات، ـ تحول هذه "الميزة" الى "مقتل" لاميركا، اذ ان اميركا اصبحت محاصرة ومطوقة من المحيطات الثلاثة (الاطلسي والباسفيكي والمتجمد الشمالي) بعدد غير معروف من الغواصات الروسية النووية المصنوعة خصيصا لحمل الصواريخ حاملة الرؤوس الحربية النووية بهدف تدمير اميركا واغراقها في قاع المحيطات عند اللزوم. و"حمولة" كل واحدة من هذه الغواصات كافية لتدمير اميركا اكثر من مرة. وطبعا تخضع الغواصات لاوامر موسكو. ولكن في الوقت ذاته فإن اميرال كل غواصة تشارك في محاصرة اميركا يتمتع باستقلال ذاتي (اوتونومي) اي يمتلك صلاحية شن الهجوم بدون اوامر موسكو وحتى ـ في أسوأ الاحتمالات ـ لو لم تعد موسكو او روسيا موجودتين لا سمح الله.
وتحذو الصين حذو روسيا وتتعاون معها ستراتيجيا.
اما كوريا الشمالية فاستطاعت بعد الحرب الكورية (1950 ـ 1953) ان تبني جيشا قويا وكبيرا قادرا بـ"قفزة نمر" واحدة ان يحرر كوريا الجنوبية ويستعيد الوحدة القومية للشعب الكوري. ولكن هذا الهدف القومي المشروع للشعب الكوري تقف دونه اليابان واميركا التي حولت كوريا الجنوبية الى قاعدة تابعة لها وارسلت قوات عسكرية هائلة لمواجهة احتمال الاصطدام مع كوريا الشمالية ولتهديد الصين في الوقت ذاته. ولذلك اتجهت كوريا الشمالية بحزم نحو امتلاك القنبلة النووية وصناعة الصواريخ متوسطة المدى وبعيدة المدى. ونجحت في اجراء تجارب مرت فيها الصواريخ فوق اليابان وتجاوزتها. اي ان اليابان اصبحت "تحت السيطرة". وبقيت اميركا البعيدة. وقد ارعبت كوريا الشمالية الكتلة الغربية وعلى رأسها اميركا باجراء تجارب صاروخية "مقنعة" بأنها اصبجت قادرة على استهداف الاراضي الاميركية ذاتها. ويشكك بعض المحللين ان كل عملية التجارب الكورية الشمالية ما هي سوى مسرحية كاموفلاج (تمويه) ستراتيجي ـ سياسي ـ اعلامي لتسريب الصواريخ الباليستية ومحمولاتها النووية الى كوريا الشمالية من الصين او ربما من روسيا، ووضع اليابان واميركا "تحت السيطرة" في قبضة حتى الشاب كيم تشين اون. واذا كان ذلك صحيحا او لا فإن اميركا تتعامل مع التهديد الكوري الشمالي بكل جدية.
ومؤخرا أجرت اميركا، بالاشتراك مع اليابان وكوريا الجنوبية مناورات حربية ضخمة جدا بمحاذاة الشواطئ الكورية الشمالية والصينية، شاركت فيها ثلاث حاملات طائرات "فقط!".
ولكن أحدث أسلحة روسيا والصين قربت غروب عصر حاملات الطائرات الأمريكية، التي سيطرت على البحار لعشرات السنين. هذا ما يقوله ليس اي باحث روسي او صيني فقط، بل كتبه الباحث الستراتيجي الاميركي روبرت فارلي في المجلة الاميركية لشؤون الدفاع The National Interest (NI).
وتقول مجلة NI ان الاسلحة الجديدة لروسيا والصين جعلت بناء حاملات الطائرات الاميركية بلا جدوى. ويصف هذا المحلل حاملات الطائرات بأنها "العملة الرئيسية" للبحرية الامريكية، لكنه يلاحظ ان القوى العالمية الرائدة فى التاريخ الحديث تتساءل عن المضادات الفعالة لهذه السفن. فحتى خلال الحرب العالمية الثانية استخدمت بنجاح ضد حاملات الطائرات طوربيدات الغواصات، والتي أصبحت الآن أكثر قوة وفعالية اضعافا مضاعفة. واليوم، فإن طوربيدا واحدا فقط ينفجر تحت قاع هذه السفينة العملاقة قادر على اغراق، أو شل، أو (مع سيناريو أقل نجاحا) الحد بشكل كبير من القدرة القتالية للسفينة. والنوع الثاني من الأسلحة، الفعالة ضد حاملات الطائرات، كما تقول المجلة هي الصواريخ المجنحة التي حققت روسيا والصين نجاحات كبيرة في تحسينها في السنوات الاخيرة. وعلى سبيل المثال، فإن صواريخ "كاليبر" الروسية، التي يطلق عليها حلف شمال الأطلسي تسمية "المرمِّد" يمكن استخدامها من قبل الفرقاطات والصواريخ الصغيرة وسفن الدوريات إلى الغواصات. كما ان وسائل الاعلام الغربية تسمي الصاروخ الباليستي الصيني "دونفين ـ 21" (Df-21) "قاتل حاملات الطائرات".
وتختتم المجلة الاميركية تحليلها بالقول ان عصر حاملات الطائرات قد انتهى.