لم يكن تحذير السفير الأمريكي السابق في تل أبيب، دان شابيرو، من تورط إسرائيلي في مواجهة عسكرية مع حزب الله في لبنان، في هذه المرحلة التي يهدد فيها النظام السعودي لبنان حكومة وشعباً، مجرد تخمين نظري، بل من موقع المطّلع الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع صنّاع القرار السياسي في تل أبيب وواشنطن. واستناداً الى إدراكه لمحدودية الخيارات العملانية أمام السعودية لفرض سياساتها على لبنان، يصبح لسؤاله، عمّا إذا كانت السعودية ستدفع إسرائيل الى شنّ حرب ضد حزب الله وايران، دلالات مغايرة.
ورأى شابيرو في مقالة في صحيفة «هآرتس»، بالانكليزية، أنه في ضوء صمود النظام السوري، يعمل النظام السعودي على نقل المعركة الى لبنان، مؤكداً أن القيادة السعودية «معنية بأن تقوم إسرائيل نيابة عنهم بالأعمال القذرة». وتابع السفير الأمريكي السابق في تل أبيب أن السعودية تأمل أن تجبر استقالة الحريري حزب الله على مواجهة الانعكاسات السياسية والاقتصادية في لبنان، عبر خوض مواجهة عسكرية مع إسرائيل لتوحيد الجمهور اللبناني من حوله. ونبّه الى ضرورة «ألاّ تسمح إسرائيل للسعودية بأن تجرّها إلى مواجهة سابقة لأوانها». وهو ما يدفع الى التساؤل عمّا لدى شابيرو من معلومات أو عمّا استند اليه في هذا التحذير.
لم يقتصر الأمر على شابيرو، بل لفت المعلق العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئيل، الى أن السفير الأمريكي في تل أبيب ليس الوحيد الذي يطرح سيناريو من هذا النوع. وأوضح أن دف زكهايم، الذي شغل مناصب رفيعة في البنتاغون في إدارتي ريغان وبوش، كتب في السياق نفسه هذا الأسبوع في مجلة «فورين بوليسي» عن التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات وإسرائيل، ورأى أنه في ضوء ترابط الزعماء الثلاثة: ترامب ونتنياهو وبن سلمان، فإن جميع الاحتمالات مفتوحة. وكتب: «هؤلاء الثلاثة يخططون لشيء ما، وهذا يبدو كخطة للضغط على إيران».
ورأى هرئيل أنه في حال كانت السعودية فعلاً تؤجّج النيران بين الأطراف عن عمد، فإن الأمر سيتحول الى خطر فعلي. وأعاد هذا المنسوب من الخطورة الى كون اسرائيل تتصرف حالياً في الشرق الاوسط ضمن ظروف حساسة للغاية. ورأى أن انتصار محور المقاومة في سوريا، وبقاء الرئيس الاسد في منصبه، والوجود الروسي المتزايد في سوريا، والنفوذ الكبير لإيران، أدى إلى إنتاج وضع جديد غير واضح.
في مقابل هذا الواقع، ترى رئاسة أركان الجيش الاسرائيلي أن هناك حاجة الى تحديد قواعد لعبة تحافظ على حرية التحرك العسكري لإسرائيل في الجبهة الشمالية. وتصرّ قيادة أركان الجيش على أن تستند كل عملية عسكرية الى استخبارات دقيقة والكثير من البحث والتفكير قبل الحصول على موافقة المستوى السياسي عليها، مشيراً الى أن هذه الفترة هي الأكثر توتراً بالمقارنة مع التطورات التي حدثت خلال السنوات السبع الماضية.
في الوقت نفسه، رأى معلق الشؤون الأمنية في صحيفة معاريف يوسي ميلمان أنه للمرة الاولى منذ 40 عاماً إسرائيل هي المستفيدة الأساسية من الأحداث التي تحصل في لبنان من دون أن تكون متورطة فيها، حتى إنها لا تحاول التأثير فيها. وأكد أن إسرائيل تتابع عن كثب بكل الوسائل المتوافرة لديها ــ العلنية والسرية ــ الأزمة السياسية التي تحصل في الدولة، لكن ليس أكثر من ذلك. وهي تقوم بذلك من موقع المراقب المنتبه، وليس المتورط المشارك. ولفت ميلمان الى أنه لا يوجد في المؤسسة الامنية من يحلم بتغيير النظام السياسي في لبنان، كما حصل خلال 1982.
في السياق نفسه، شكّك معلق الشؤون العربية في «هآرتس»، تسافي برئيل، في نجاح المناورة السعودية التي سعت الى إثارة الاحتجاج الجماهيري الواسع من أجل ليّ ذراع حزب الله وإيران في لبنان. وتناول سلسلة الإخفاقات السعودية في مواجهة إيران في المنطقة، من العراق الذي باتت لإيران فيه مكانة قوية، الى سوريا التي لم تعد السعودية قادرة سوى على تمويل بعض الميليشيات التي ترعاها، وحتى قطر التي فرضت عليها السعودية عقوبات شديدة، لم تخضع لها وعززت علاقاتها مع أيران.