2024-11-30 04:30 ص

ماذا خلف الستائر الوهابية في السعودية؟؟

2017-11-08
نـارام سرجـون
لن يختلف الكثيرون في أن مايحدث في المملكة الوهابية يشبه فيلما من أفلام الاثارة .. وهو يثير شهية المحللين والمراهنين والمقامرين لمعرفة مايحدث خلف الستائر الوهابية حيث يسمع الجميع أصوات تشابك بالأيدي وجدالا وهمهمات وغمغمات لكن لانعرف من سقط ومن سيسقط ومن هو على وشك السقوط .. وكذلك فان العقلاء والحكماء والضحايا وذوي الضحايا الذين امتدت جثثهم منذ قرن كامل وجندلتهم سيوف الوهابية كلهم تواقون لمعرفة مايحدث في المملكة ولمعرفة نهاية المغامرة التي يخوضها جهاز الحكم المراهق .. الذي تورط في عدة حروب خارجية في اليمن وسورية ولبنان وفي العراق وضد ايران .. ولكنه أيضا دخل في حروب داخلية خطرة قد ترتقي في اية لحظة الى حرب اهلية سعودية بين اقطابها الأميرية .. أو بتعبير اكثر دقة حرب عائلية ..
ولمعرفة مايحدث وربما ماسيحدث يجب التسليم بان مانراه اليوم مرتبط ارتباطا مباشرا باليوم الذي تم الاعلان فيه عن تسليم ولاية العهد لمحمد بن سلمان .. ففي لحظة اعلانه وليا للعهد رأى المتابعون هذه الحركة القاتلة على أنها حركة خطرة جدا ولايمكن أن تنتهي نهاية طبيعية .. لأن معرفة أزمات الملكيات المطلقة تاريخيا لاتتغير وتبقى مثل القواعد الثابتة .. ففي الملكيات المطلقة قاسية التركيبة تكون هناك تراتبيات مقدسة وصارمة جدا وتشبه خطوط الدم لأن تجاوزها سيفتح حمامات الدم عندما تهز التوافقات والحصص الدقيقة ويجب التعامل معها وكأنها ألغام قاتلة يطأها المغامرون .. وهي السبب في تقاتل الأشقاء والاخوة وقتل الاعمام وكل من يتجاوز الخطوط الحمراء أو يشكل اي تهديد للكعكعة الملكية ولو بعد عقود .. وامتلأت الميثولوجية القديمة بقصص فرعون وأوديب وغيرهما فأي ملك سيقتل حتى ابنه وفلذة كبده ان احس به خطرا عليه .. ومن يتابع تاريخ القصور الملكية والاسر الأوروبية التي حكمت حكما مطلقا كالفرنسية والانكليزية والألمانية ومن يقرأ في تاريخ السلاطين العثمانيين يدرك أن دسائس القصور ومجازر العائلات هي السياسة الداخلية ونهج الحكم الاوحد عند وجود جكم مطلق الهي الطابع أو يستمد حقه المقدس من الله أو لأنه مكلف بحماية دين الله .. فكل حاكم يقوم بعملية تصفية لكل المخاطر المحيطة به بشكل عنيف ودموي وقاس بلا رحمة بالأرحام حتى الاخوة والآباء .. ولايتغير هذا الأمر بين القرون الوسطى والحديثة وماحدث في قطر دليل على قسوة الحكم المطلق الذي يتآمر فيه الأبن على ابيه ويخشى أعمامه وابناء أعمامه فيقتلع عيونهم في السجون ..
والسعودية لاتشذ عن هذه القاعدة .. فبمجرد اعلان محمد بن سلمان الشاب وليا للعهد عرف المتابعون أن الاسرة المالكة لن تسلم بذلك بسهولة وستبدأ دسائسها ودس السم في أطباق بعضها وسيرد الحاكم بعمليات استباقية وقائية اجتثاثية .. ولكن توقيت معركة الدسائس كان مرتبطا بقرارات الملك القادم وتسارعها .. وكان تعيين محمد بن سلمان قد أطلق تفاعلا سريعا تحت الرماد السعودي .. ومثلت عملية انتقال السلطة اليه تغيير قواعد اللعبة العائلية وتلاعبا بخطوط الدم العائلية تجلى بقفز جيل حديث ووصوله الى العرش وتجاوزه الصفوف التي تنتظر في طابور العمر منذ عقود مما شكل أول عملية خلخلة للنظام الملكي المترهل والمتكلس كالمستحاثة في المملكة .. لكنه كان أخطرها على الاطلاق .. لأن المملكة قائمة على قواعد قروسطية في الحكم حيث يصطف أبناء العائلة المالكة في صفوف عمرية ويترك التاج للجيل العتيق ويتقاسم الأمراء بقية الوليمة الملكية من المناصب والحصص وفق قاعدة الأقرب هو الأقوى ولكن تبقى الاسرة متفقة على اسس عامة في الحكم مثل الولاء لاميريكا والتحالف معها على السراء والضراء وعدم المساس باسرائيل وأمنها .. الا أن تزايد اعداد افراد العائلة المالكة وصل الى آلاف الأمراء خلق ظاهرة طبيعية وهي تمدد العائلة وانقسامها الى أجنحة ومراكز قوى بدل المركز الواحد والى طبقات أميرية وهذا شكل قوة نابذة لبعض الأمراء النافذين الذين صارت القوة النابذة الجديدة تقصيهم عن مركز الجاذبية القوي .. مما خلق نوعا من التناحر الطبقي بين طبقات العائلة وهيأ الجميع اسنان الدسائس ..
محمد بن سلمان قرر الحصول على ولاية العهد من أميريكا وليس من العائلة لأن من المستحيل ان تمنحه اياها العائلة ولأن من يقرر شخص الملك السعودي ليست الأسرة بل مؤسسات أميريكة مرتبطة بعجلة القوى العميقة الاميريكية .. ولكن منافسيه في العائلة ايضا لهم ارتباطهم بالقوى العميقة الاميريكية في المخابرات والبنتاغون والبيت الأبيض .. وحدث تنافس بين المؤسسات الاميريكية من أجل حصص نفوذ وعقود مؤسساتها المالية الدسمة في المملكة .. غير أن محمد بن سلمان قدم أفضل العروض على الاطلاق وهو صفقات هائلة تجارية واستعداده للمواجهة مع عدو أميريكا اللدود ايران وحلفها الواسع .. وهذا ايضا خروج على تقليد الاسرة الوهابية التي حاربت كل أعداء أميريكا بقوة ولكن سرا ودون أن تلوث يديها علنا أو تتورط بالخروج من مكمنها السري الخبيث .. كالافعى التي تختفي بين الاغصان وتلسع خصومها قبل أن يروها ..
ولكن وبسبب تركيبة الاسر الملكية الاستبدادية كما هو متوقع فان مراكز القوى الرئيسية في العائلة لم يرق لها أن تستسلم وبدأت في نسج علاقاتها مع مراكز قوى أميريكية لعزل محمد بن سلمان وتقديم مايفوق ماقدمه بن سلمان للأمريكان والاسرائيليين .. وقد بدأ الأمير الطموح يصل الى دلائل أن بوادر تمرد مراكز القوى العائلية صارت أكثر وضوحا فتحركت غريزة البقاء فيه والتي كانت أقوى من كل اعتبارات أخرى .. وصار شعاره (اما أنا واما هم) ..
أما كيف اكتشف بن سلمان تحركات مراكز القوى فهذا هو العقدة التي في الرواية .. فربما هي القوى الاميريكية المتنافسة فيما بينها والتي قررت تصفية حظوظ خصومها للابقاء على حصصها ونفوذها مع الامير .. وربما هي قوى غير أميريكية ضربت ضربتها وكشفت المخططات أو استدرجت الأمراء الى فخ المواجهة مع الامير .. لخلق فوضى في المملكة .. البعض يرى في امكانات المخابرات الروسية احتمالا قويا لأن أداء الاستخبارات الروسية الرفيع أثبت في قراءته لمشروع الربيع الاسلامي الاميريكي أنه قادر على التحكم به واجهاضه والتلاعب به ايضا .. ويبدو القلق الاميريكي من هذه القدرات واضحا في عملية الضغط على ترامب واتهامه انه وصل بمساعدة روسية ما !!
المهم أن محمد بن سلمان قام اليوم بعملية تشبه ماقام به السادات للانفراد بالحكم بالتخلص من الشخصيات التي يراها تمثل خطرا عليه وغالب الظن أن جهة أميريكية قد أعانته عليه بعد ان أخرجت الروس من مصر بقرار السادات الشهير بطرد الخبراء الروس وموظفيهم .. فقام بن سلمان بضربة استباقية لمراكز القوى الأخطر في العائلة والتي قد تتمرد عليه مستندة الى علاقات عميقة مع مؤسسات أميريكية قوية ..
ويأتي دور الحريري محيرا في هذه اللعبة المعقدة .. فالحريري ليس رقما صعبا في السياسة الداخلية السعودية وهو ليس بلاعب خطر بل هو احدى الدمى السعودية .. والسعودية هي دمية اميريكية .. فهو لذلك دمية في يد الدمية .. كما أن عملية التخلص منه سهلة للغاية ان تمرد .. فهو يتلقى تمويله منهم .. وهو محاط برجال السعودية الذين سينسفونه عند الحاجة ويبيعون دمه في أزمات سياسية كما تم بيع دم أبيه .. والحقيقة أن الحريري يتبع بشكل أعمى الخط السعودي بغض النظر عمن يحكم القصر .. مثل الكومبارس تماما .. وقد تم استدعاؤه على عجل دون ابلاغه بالخطوة السعودية وكان محمد بن سلمان يقصد بأن يضع الحريري ليقرأ بيانه بعد (مجزرة الأمراء) الموجه للاميريكيين لأن تصفية الامراء في العائلة يجب أن يقابله ثمن وتطمين بالحدود القصوى للاميريكيين بعد اقصاء شخصيات وازنة وموالية للأميركيين أو لبعض مؤسساتهم .. وأكثر ثمن هو اعلان العداء الأقصى لعدو أميريكا الاول ايران .. ورغم أن اعلان العداء لايران قد تم سابقا بتصريحات علنية لمحمد بن سلمان .. فان التهديد بالتنفيذ والانتقال من الحرب الباردة الى الفعل الملموس الحي والى مرحلة الحرب قدمه بالدليل القاطع عندما ضرب بتصريحات الحريري أيقونة ايرانية هي حزب الله .. والحريري يمثل نقيضا مباشرا للسيد حسن نصرالله وتياره في لبنان .. وكأن بن سلمان يقول في رسالته: هاهو سعدو الحريري يعلن باسمي من الرياض الحرب على حزب الله وايران في لبنان .. وقد قطعنا كل محاولة للعودة عن هذا التحالف معكم لأن الحريري قال كلمته الاخيرة .. وقد رد نتنياهو تحية بن سلمان على الفور بالمديح والثناء والحبور والسرور والرضى التام على خطاب الحريري الذي لايقدر مكتب نتنياهو أن يكتب افضل منه ..
عندما أعلن سعدو الحريري بيان الحرب من الرياض لم يرفع عاقل حاجبيه تعجبا .. ولم تجحظ عينا سياسي يعرف أسرار اللعبة في لبنان والمنطقة .. لأن اللعبة الكبيرة ليست بين سعدو الحريري وبين ايران وحزب الله .. بل ربما كان الغريب أن الحريري صمد حتى الآن في هذه اللعبة الكبيرة .. وكنا نتوقع أن يعلن عن استقالته في اية لحظة عندما كانت جبهة النصرة وداعش في القلمون تسحقان وتحملان في الباصات الخضراء والشاحنات الى مصير محتوم .. وكنا في معارك القلمون نتوقع أن يعلن الحريري الاستقالة تحت طلب سعودي عاجل في أي لحظة لخلط اوراق اللعبة وايقاف المعارك أو على الأقل لاحراج حزب الله باظهاره يتسبب في اغضاب رئيس الوزراء ويأخذ لبنان الى "حروبه السورية" .. لأن ذريعة "النأي بالنفس" كانت جاهزة دوما .. ولكن لم تحدث المفاجأة ولم يستقل سعدو وكانت هذه مثل أحجية غريبة ..
سكوت الحريري الذي حيرنا وجعله يبيع صمته لنا وللعالم على أنه من أجل المساهمة في تحرير القلمون والجرود لم يكن ذا نية صافية .. فالسعودية - بناء على تقدير موقف اسرائيلي - هي التي طلبت منه الصمت .. لأنها كانت تتوقع أن تتعثر معارك القلمون والجرود وأن يصمد أبو مالك التلي والدواعش الذين يسكنون مع مئات المقاتلين المحصنين في أنفاق وملاجئ صخرية في القمم العالية حتى عام 2018 فربما كان ذلك سيهين حزب الله ويحرجه ويسقط هيبته امام وشعبيته أمام جمهوره ..
لانعرف بالضبط أين هو سعد الحريري أو ان كانت تتم اعادة برمجته مع الحكم الجديد القادم قبل اطلاقه ببرنامجه الجديد .. ولانعلم ماهو دوره القادم في المسرح السعودي كدمية للدمية سيتم تحريك زنبركه في المشهد التالي أم أن دوره انتهى هنا .. ولكن مانعرفه هو أن المشهد السعودي لم يكتمل بعد وهو في مرحلة الحبكة المعقدة التي تتفاعل بشكل لايمكن توقع أحداثه دوما .. وهو جزء معقد جدا وحساس جدا من الرواية والقصة لهذه العائلة الرهيبة التي فيها رؤوس اينعت أمام ملكها القادم الذي يريد بث الرعب في أوصال العائلة قبل أن يصل الى العرش .. فنحن أمام معركة شرسة بين أشرس الحكام لن تصل الرحمة فيها الى اي قلب فيهم .. والعرش هو (الصيدة) التي يتهاوش عليها أمراء القرون الوسطى .. وهذا النوع من القصص الملكية الاستبدادية التي فيها كلاب صيد وطريدة لايمكن ان تنتهي الا نهاية دراماتيكية قاسية .. نقاطها المقاصل .. وفواصلها الرؤوس .. وأسئلة استفهامها المشانق .. وعلامات التعجب فيها هي السيوف ..
سترفع الستارة قريبا .. وسترون مالم تتوقعونه كما ينتظر ويترقب بعض العارفين ببواطن الأمور .. ولكن لاشك انه مشهد مثير جدا .. سيدخل التاريخ الذي سيرفع حاجبيه ممن شدة الدهشة .. فقصص الملوك التي تأكل بعضها وتنهش بعضها لاتزال قادرة على ادهاش التاريخ ..