مرصد بوابة افريقيا الاخبارية-هاني نسيره
ما يزيد عن 43 عملية وحادث إرهابي شهدتها أوربا حتى أكتوبر عام 2017، وتواجه القارة العجوز إحساسا متزايدا بالخطر من عودة الدواعش الأوربيين إليها التي بدأت منذ بداية العام ويرجح أنه عاد نصفهم إليها على الأقل، بعد انهيار داعش وسقوط معاقلها في الموصل في يونيو الماضي ثم في الرقة السورية في 17 أكتوبر الماضي.
ليست أوربا وحدها من يتوجس الخطر من ذلك، بل روسيا أيضا فقد عاد من بين 9000 مقاتل ينتمون إليها حوالي 10% منهم إليها حسب تصريحات للرئيس بوتين، كما أن دول آسيا وإفريقيا يمثلون الرافد الأكبر في داعش، قبل القارة العجوز، وتأتي في المؤخرة أمريكا الشمالية التي كان المنسوبون إليها هم الأقل.
عربيا ربما لم تعد تونس رغم تقرير مجموعة سوفان جروب الأخير الصادر في أكتوبر الدولة الأولى عربيا وإفريقيا المصدرة للمقاتلين الأجانب في داعش، فقد تراجع ترتيبها إلى المرتبة الثالثة بعد كل من السعودية والأردن، ولكن حسب المصادر الرسمية وعدد من المراقبين فقد تم منع 5000 تونسي من اللحاق بداعش خلال العامين 2016 و2017 من قبل السلطات الرسمية في تونس.
ورغم تميز داعش المنهار بكونه اعتمد بشكل كبير على المتحولين الجدد للإسلام، إلا أنه نجح كذلك في اختراق العديد من الجاليات المسلمة في الغرب، التي يعاني بعض أبنائها من ازدواجية الهوية واللغة وتسطيح الفهم الديني، وأحيانا البطالة والإحباط، وهو ما يوظفه عناصر داعش في التجنيد، واتضح في عنف" الدهس" الذي تكرر مرات عديدة من نيويورك مؤخرا إلى نيس الفرنسية إلى برشلونة الأسبانية في أغسطس الماضي وفي غيرها أيضا.
من هنا يبدو الخوف من انتقام داعش ومقاتليها العديدين القنبلة الموقوتة والتهديد الأول للمجتمعات الغربية كما يصرح العديد من مسئوليها، وهو ما دفعها تلقائيا لقرارات جريئة وغير مسبوقة، فيما يتعلق بالحريات والشفافية والموقف من التطرف والتشدد على السواء، فتم تعميم ومراقبة العائدين من بؤر الصراع لأوربا، وتوجهت بعض بلدان أوربا لتصنيف جماعات كالإخوان المسلمين كجماعات إرهابية، كما صدرت قرارات تقيد حرية الاتصال والتنقل والرقابة وغيرها، كما تذبذب الموقف من اللاجين وصعدت النزعات اليمينية.
وهو الأمر الذي سيؤثر كذلك على مسائل التجنيس والإقامة واللاجئين والهجرة والتعليم في الغرب، وصار يصيب صانع القرار في الغرب بكثير من التخوف من التعاطف مع هذه المسائل، ويصعد من موجات الإسلاموفوبيا وعنفها الرمزي والعملي، ونزعات اليمين عموما، ويبدو هذا واضحا في تحولات جزئية لموقف دولة كألمانيا من مسألة اللاجئين التي كانت أكثر حماسا لها، وقامت سلطاتها بتهجير عدد منهم للاشتباه في انتمائهم لجماعات التطرف، خاصة وأنها تعتبر نفسها أحد أهداف داعش الرئيسة، ويبلغ عدد الألمان المقاتلين إلى جانب داعش في سوريا والعراق 820 جهاديا ألمانيا، قتل منهم حوالي 140 أثناء حرب داعش، وأنها أحصت 490 ألمانيا قد يكونون خطرين على أراضيها، بينما لا يزال 420 ألمانيا جهاديا موجودا في سوريا والعراق.
وفي 21 يوليو الماضي 2017 عمم الإنتربول قائمة تضم 173 اسما من المشتبه فيهم من المقاتلين الأوربيين المنسوبين لداعش، والذي يرجح تخطيطهم لعمليات انتحارية داخل أوربا، انتقاما من هزائم داعش وانهيارها في معاقلها في الشرق الأوسط[1]
ومن جانبها، أعلنت إيطاليا تخوفاتها من تسلل مقاتلي داعش إلى أوربا عبر ليبيا بخدعة أنهم الاستخبارات الإيطالية مؤخرا من قدرات عناصر داعش في التخفي عبرجوازات سفر مزورة لمصابين يطلبون العلاج، خاصة من ليبيا، ويقومون بعمليات إرهابية في أنحاء أوربا، كما كان في حالة عبد الحميد أبو عود العقل والمدبر الرئيس لتفجيرات باريس في نوفمبر سنة 2015 الذي سبق أن سلك هذا الطريق[2].
عودة انتقامية بعد التصدير للخوف:
في السابق كانت عمليات داعش مع بدء عمليات التحالف الدولي للحرب على داعش في سبتمبر سنة 2015 بغية تصدير الخوف واستنفار الشعوب ضد حكوماتها لوقف التدخل، ولكن تبدو العودة الجديدة انتقامية وهو ما زاد الحذر والتخوف من العناصر العائدة من صفوف داعش إلى بلدانها الأوربية التي شاركت في إنهاء حلمهم وخلافتهم المزعومة..
لكن يبدو الحذر الأمني الأوربي، الفردي والجمعي عائق صد قوي لوجود محاولات كبيرة في هذا الصدد، مما قد يؤجل حدوث عمليات نوعية كتلك التي حدثت في باريس في نوفمبر الماضي، وصار اللجوء للعمليات الصغيرة والبدائية عبر استخدام السكاكين والدهس العشوائي وغير ذلك أقصى ما يملكه عناصر داعش أو خلاياها النائمة.
وتبدو كثرة العمليات الفردية والعشوائية، من السكاكين للدهس، لمحاولة استهداف رجل أمن أو مواطنين عاديين، تعبير عن أزمة عناصر التنظيم العائدين، والمتعاطفين معه بعد سقوطه، والذين ثبت ضعف معرفتهم بالإسلام، حسب عدد من الدراسات، ويمكن تخفيف خطرهم عبر برامج توعية ومناصحة عميقة لهم، أو فقدان الحلم الذي ذهبوا إليهم مما قد يولد لديهم الإحباط كما قد يولد لديهم الانتقام.
تداعيات تأثير عودة الدواعش الأوربيين إلى بلدانهم يمكننا أن نحدد فيما يلي:
عمليات عشوائية
لم تتكرر خلال العام الجاري عمليات كبيرة كتلك التي شهدتها بعض العواصم الأوربية خلال عامي 2015 و2016، بخاصة اعتداءات باريس في 13 نوفمبر عام 2015 التي راح ضحيتها 130 قتيلا ومئات من المصابين، أو اعتداءات بروكسل في 22 مارس سنة 2016 التي راح ضحيتها 32 قتيلا و300 قتيل، أو تفجيرات نيس الفرنسية في 14 يوليو سنة 2016 التي راح ضحيتها 84 قتيلا ومئات الجرحى.
ولعل مقارنة بسيطة بين عمليات واعتداءات الإرهاب في أوربا عام 2016(خمس عمليات) أو عام 2015 ( عمليتين فقط) يلاحظ أن ثمة خطورة نوعية للعمليات السابقة، وأن أعداد الضحايا أكثر مما شهدته سبعة شهور سابقة من العام الجاري 2016.
تصاعد الإسلاموفوبيا ورد الفعل المضاد:
باستقراء عمليات الإرهاب في أوربا خلال الأعوام السابقة والعام الجاري، يلاحظ صعود النزعات والتيارات اليمينية والشعبوية، وهو ما عبرت عنه الانتخابات البرلمانية والرئاسية في عدد من البلدان الأوربية خلال هذا العام، وكذلك تبدلات الموقف تجاه اللاجئين وغيرها من النتائج.
كما ارتفع كذلك مؤشر الإسلاموفوبيا، التي عبرت عن نفسها بشكل واضح، بنفس الأسلوب الداعشي في الدهس العشوائي، وردا عليه في اعتداء فجر 19 يونيو الماضي، حين دهس متشدد إنجليزي، سائق حافلة، عددا من المصلين أمام مسجد شمال لندن، وهو ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من المصلين، ونجح بعض المارة في إلقاء القبض عليه وتسليمه للشرطة.
إدراك مبكر للمخاطر المتشابكة:
أدركت بلدان أوربا منذ وقت مبكر، وتحديدا مع بدء ضربات التحالف الدولي للحرب ضد داعش، في سبتمبر سنة 2014، وازدياد الضغط عليها مخاطر ما بعده، وخاصة عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم، وهو ما عبر عنه، وحذر منه الخبراء الأمنيون الأوربيون أثناء مؤتمر بروكسل للأمن الذي عقدت اجتماعاته في الأول من فبراير سنة 2016 خاصة بعد أن عاد ما بين 20 إلى 30% من المقاتلين الأوربيين إلى بلدانهم، حتى هذا التاريخ المذكور، وقد توالت مع ازدياد الضغط دعوات قادة داعش الخلايا النائمة والذئاب المنفردة للقيام بعملياتها العشوائية سبيلا للضغط على بلدان أوربا المشاركة في الحرب الدولية عليها.
عموما، لا تراهن داعش على المقاتل الأجانب العائدين لبلدانهم الأوربية فقط، بل توجد مصادر عديدة لتنفيذ مخططاتها، منها التعاطف والتجنيد عن بعد، وأزمات الهوية وازدواجيتها لدى كثير من أبناء الجاليات المسلمة في البلاد الغربية، وكذلك المتحولين الجدد للإسلام الذين يمثلون 25% من مجموع المقاتلين الأجانب في داعش، خاصة مع توظيف عاطفية التحول الجديد والانقلاب على الحياة السابقة، وغياب الاعتدال وسطحية الفهم للإسلام من قبلهم، فضلا عن نشاطية وسيولة العالم الافتراضي والمواقع التواصلية التي يمكن التجنيد عبرها لمخططات هذه الجماعات.
وتبدو الخطورة الأكبر في المتأثرين غير المعلنين بأفكار داعش، مثل الإرهابي المدعو برتران نزوهابونايو في 20 كانون الاول 2014 الذي صرخ في محطة للشرطة الفرنسية في مدينة تور صارخًا «الله اكبر» وطعن 3 من عناصر الشرطة قبل ان يقتل برصاص الشرطة، وبعد التحريات، اثبتت صفحته على «فايسبوك» انه متأثر بتنظيم «داعش، وهو ما يمكن أن نقرأه كذلك في حادث اعتداءات الدهس في نيس العام الماضي سنة 2016.
وتمثل عمليات المتأثرين بالأفكار المتطرفة، سواء من الأوربيين أو أبناء الجاليات المسلمة، أو اللاجئين للدول الأوربية، التحدي الأكبر للأمن الأوربي، حيث يظل المقاتلون الأجانب تحت أعين المراقبة والتتبع، بينما يصنع هؤلاء المفاجأة المرة دائما، كذلك الذي حدث في 14 شباط 2015 هاجم المدعو عمر عبدالحميد الحسين مركزاً ثقافياً في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن كان يشارك فيه لارس فيكس احد اصحاب الرسوم التي هزأت بالرسول محمد، وادى الهجوم باطلاق النار الى مقتل 3 اشخاص واصابة 5 بجروح. وكشفت التحقيقات ان الحسين اعلن عبر صفحته على «فايسبوك» قبل الهجوم بساعات فقط، مبايعته زعيم «داعش» ابو بكر البغدادي خليفة للمسلمين.
ومن نماذج هؤلاء الإرهابيين المتأثرين بداعش وغير المنظمين فيها أو المنتمين لها، ما حدث في 26 حزيران 2015، قام المدعو ياسين صالحي في سانت كوانتين فالافييه (قرب ليون في فرنسا) بقطع رأس مديره في العمل ثم تصور سيلفي الى جانب رأس الضحية وارسلها في رسالة الى احد معارفه المنتسبين الى «داعش» في سوريا. كما حصلت حوادث طعن متفرقة في لندن وباريس وهانوفر خلال الأعوام الثلاثة الماضية قام بها افراد متأثرون بـ«داعش» او حاولوا السفر للانصمام الى التنظيم ومنعهم ذويهم من ذلك.