2024-11-27 06:52 م

«المغامرة» الأميركية في أفريقيا!

2017-10-27
في الرابع من أكتوبر الجاري، تعرض أربعة أفراد من قوات النخبة في الجيش الأميركي المعروفة بـ«القبعات الخضر» لكمين وقُتلوا في أعماق النيجر، وهو بلد محاط باليابسة من كل الجهات يقع في وسط غرب أفريقيا. أكثرية الأميركيين لم يسبق لهم أن سمعوا بهذا البلد من قبل، وعلى مدى أسبوعين تقريباً، لم تصدر عن وزارة الدفاع الأميركية «البنتاجون»، أو البيت الأبيض أي كلمة بخصوص طبيعة المهمة التي كان يقوم بها أولئك الجنود هناك، وكيف قُتلوا، ولماذا، وأخيراً، سُئل ترامب، يوم الاثنين السادس عشر من أكتوبر الجاري، حول ظروف الهجوم، فقال إنه كتب رسائل شخصية إلى عائلات الجنود القتلى، وإنه خلافاً للرؤساء السابقين، يعتزم الاتصال بهم هاتفياً في وقت لاحق من الأسبوع.

غير أنه على مدى الأسبوع الموالي، لم تهيمن على الأخبار ظروفُ هذه العملية العسكرية الأميركية الجديدة، وإنما إصرارُ الرئيس الأميركي على أن يجعل من موضوع التعزية في مقتل الجنود حدثاً سياسياً للغاية، وعلى الفور خرج المتحدثان باسم إدارتي أوباما وجورج دبليو. بوش ليدليا بتصريحات على وسائل الإعلام، قالا فيها إن الرئيسين السابقين كانا يسعيان إلى الالتقاء مع عائلات الجنود الذين يسقطون في ساحات المعارك.
وقد كان من الممكن أن تنتهي القصة هنا، لولا أن زوجة أحد الجنود القتلى قالت إن ترامب اتصل بها هاتفياً وأبدى عدم الاحترام، وكانت أرملة الجندي القتيل قد تلقت الاتصال على مكبّر صوت الهاتف في السيارة، وسمعت المحادثةَ صديقةُ العائلة، النائبة الديمقراطية عن ولاية فلوريدا فريديريكا ويلسون، التي قالت أيضاً إن الرئيس استخدم في حديثه لغة غير لائقة، لكن ترامب وصف تصريح ويلسون بـ«المقزز»، وهكذا تصاعدت المشكلة وهيمنت على أخبار الأسبوع، ثم بلغت المشكلة ذروتها عندما اعتلى كبير موظفي البيت الأبيض جونكيلي المنصةَ وراح يلقي خطاباً مؤثراً جداً يشرح فيه كيف يعامَل الجنود القتلى من قبل الجيش الأميركي، ولعل الأكثر تأثيراً كانت حقيقة أن كيلي نفسه فَقَد ابناً قُتل في أفغانستان عام 2010، وكان من الممكن أن تنتهي المشكلة هنا لولا أن كيلي ارتكب الخطأ القاتل المتمثل في مهاجمة النائبة ويلسون، حيث شوّه دورها في هذه القضية، وهو ما جرّ عليه انتقادات الصحافة ودعته الصحف الكبرى إلى الاعتذار لها، لكنه لم يقم بذلك حتى الآن، ونتيجة لذلك تعرضت صورته لضربة قوية.
وكان علينا أن ننتظر حتى الثالث والعشرين من الشهر لكي يقوم البنتاجون بنشر تقرير يتضمن معلومات أوفى حول ما حدث في النيجر، ولماذا لدى الولايات المتحدة أكثر من 800 جندي مرابطين هناك، ووفق رئيس قيادة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جوزيف دانفورد، فإن الجنود الأربعة كانوا في مهمة استطلاعية وكانوا يأملون الالتقاء بقوات إقليمية صديقة ملتزمة بأخذ القتال إلى مواقع التنظيمات الإرهابية المختلفة التي تنشط في أفريقيا، التي تسببت في اضطرابات خلال السنوات القليلة الماضية، ويبدو أنهم تعرَّضوا لكمين، ما يوحي بأنه جرى تسريب المعلومات حول تحركاتهم إلى العدو، وأن الكمين كان مفاجئاً تماماً للجميع.

لكن المفاجئ أيضاً هو غياب، أي فهم واضح في الكونجرس أو بين المواطنين الأميركيين العاديين لحجم هذه المغامرة الأفريقية الجديدة للقوات الأميركية وهدفها، والواقع أنه من الناحية الاستراتيجية، يمكن الدفع بحجج قوية دفاعاً عن هذه المغامرة، ومن ذلك مثلاً أن بعض المناطق النائية وغير الخاضعة للسيطرة في شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء تحولت إلى ملاذات مثالية، ليس للمجموعات الإرهابية المحلية مثل «الشباب» و«بوكو حرام» فحسب، ولكن أيضاً لفلول قوات تنظيم «داعش» التي منيت بالهزيمة في العراق وسوريا، كما أن تصعيد هذه التنظيمات للعنف في أفريقيا من شأنه أن يضيف مزيداً من الضغط على هجرة المواطنين الأفارقة الذين يسعون إلى الفرار من العنف، ومن الواضح أن وجهتهم المفضلة هي أوروبا التي تعاني أصلاً من أزمة التعاطي مع تدفق اللاجئين عليها، الفارين من الحروب في أفغانستان وسوريا واليمن والعراق.

ومما لا شك فيه أنه سيتعين على إدارة ترامب أن تبدي شفافية أكبر بشأن حجم انخراط الجيش الأميركي في أفريقيا ودوره، وكذلك حجم الدعم الميداني الذي تقدمه البلدان الأفريقية والأوروبيون الذين سيكونون على خط الجبهة في حال توسعت حركات التمرد ولم يتم احتواؤها أو إنهاء وجودها.