أكد موقع ذا دبلومات -الرائد في الشأن الآسيوي- أن العلاقات المتنامية للنظام السعودي مع دول شرق آسيا، خاصة المسلمة منها، من المرجح أن تكون لها تداعيات كبيرة على الساحة السياسية لتلك البلدان على المدى القصير، بينما ستسبب السياسات السعودية في تلك الدول إحداث انقسام ثقافي على المدى الطويل، وسط أسئلة مثارة حول أمن ووحدة دول جنوب شرق آسيا.
ذكر موقع ذا دبلومات في تقريره، أن الملك سلمان في زيارته الأخيرة لآسيا زار اليابان والصين، وزار أيضاً ماليزيا وإندونيسيا وبروناي، وكان بإمكان السعودية -أو الأسهل لها- أن تجمع استثمارات من دول أخرى مثل تايلاند أو سنغافورة، لكن اختيار سلمان لعدم زيارة تلك الدول يوضح حقيقة أن رحلته لآسيا لم تكن فقط لاعتبارات اقتصادية.
تحدٍ وقلق
وأشار التقرير إلى أن النظام السعودي دائماً ما ينظر لنفسه على أنه قائد العالم الإسلامي، لكن صعود إيران أربك حساباته ووضعه في تحدٍ وسبب له قلقاً، خاصة بعد الاتفاق النووي بين طهران والرئيس الأميركي أوباما.
وأوضح التقرير أن نظم دول جنوب شرق آسيا تلقفت هذا الدعم السعودي لها، خاصة أن استراتيجيتهم القديمة القائمة على الاعتماد على الاقتصاد الصيني لتحفيز النمو المحلي لاقتصاداتهم قد عفا عليها الزمن، فقد أدى تباطؤ الاقتصاد الصيني -ثاني أكبر اقتصاد عالمي- إلى إحداث ضربة موجعة اقتصادياً لدول جنوب شرق آسيا، خاصة إندونيسيا التي انخفضت صادراتها إلى الصين بنسبة 22 % عام 2014، وبنسبة 34 % عام 2015.
خلق أزمات
ولفت التقرير إلى أن الاستثمارات السعودية في دول مثل ماليزيا وإندونيسيا لا تهدف فقط لدعم الاقتصاد، بل هدفها الأساسي توطيد موقف السعودية عالمياً، أي أن النظام السعودي يتصرف لمصلحته فقط، في محاولة للإبقاء على قيادته للعالم الإسلامي عبر تعزيز الروابط التجارية.
ويشرح الكاتب كيف أن دعم السعودية لدول شرق آسيا يمكن أن يخلق أزمات في المنطقة، فعلى سبيل المثال، لم تعترض إندونيسيا أو ماليزيا حتى الآن على الأعمال التي تقوم بها الصين في بحر الصين الجنوبي باعتباره ملكية لها، وإن جاكرتا وماليزيا يمكن أن تشعر بقوة بعد الدعم السعودي لها فتخلق مشاكل مع الصين.
وتابع المقال القول، إن السعودية تحاول اجتذاب دول جنوب شرق آسيا المسلمة بإغرائها بالمال تارة، ورفع حصة الحجاج تارة أخرى، وزيادة عدد المنح المقدمة للطلاب الدارسين في جامعات سعودية.
حوادث عرقية
الأهم، كما أشار كاتب المقال، هو ما ورد من تقارير تتحدث عن أن دراسة طلاب جنوب شرق آسيا في السعودية أخذ الثقافة الدينية لتلك الدول في اتجاه محافظ دينياً، وأن هذا التشدد كاد أن يتسبب بالفعل في حوادث عرقية ودينية، وهو ما استدعى إصدار سلاطين ماليزيا بياناً نادراً، أن هذا التشدد يمكن أن يضعف النسيج الاجتماعي بين طوائف وأعراق الشعب الماليزي، ومعها استقرار الدولة».
أما في إندونيسيا، فقد نقل التقرير عن مؤسسة «بور جروب آسيا» للاستشارات السياسية قولها، إن دور المؤسسات الدينية المعتدلة هناك قد ضعف، مشيرة إلى أن ضخ السعودية لمزيد من الأموال في هذا البلد سيزيد معه التشدد.
وختم التقرير بالقول، إن انخراط السعودية في الساحة السياسية لجنوب شرق آسيا يؤشر على حالة الاضطراب التي تسود النظام العالمي وسط غياب قيادة أميركا للعالم، وهو ما جعل دولاً مثل السعودية تدافع عن مصالحها، حتى لو كان ذلك على حساب إحداث حالة من عدم الاستقرار في دول أخرى مثل شرق آسيا.;