2024-11-24 07:22 م

تل أبيب تدفع نحو حافة الصدام مع إيران

2017-10-11
علي حيدر
لم يكتفِ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالمواقف التي أطلقها على منبر الأمم المتحدة، ولا بموقع المراقب لما ستؤول إليه خطوات إدارة دونالد ترامب، إزاء الاتفاق النووي مع إيران. بادر نتنياهو إلى توجيه رسالة إلى البيت الأبيض، أكد فيها وقوف إسرائيل إلى جانب ترامب وتدعو إلى «إلغاء الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض عقوبات ثقيلة عليها».

وفي حال عدم إلغاء الاتفاق، دعا نتنياهو إلى إجراء تغييرات في الاتفاق تشمل ثلاثة عناصر، وهي «إلغاء البند الذي يمنح إيران إمكانية تخصيب اليورانيوم في نهاية فترة الاتفاق، منعها من تطوير صواريخ بالستية طويلة المدى، وفرض عقوبات عليها إلى حين تفكك منشآتها النووية». ومن بديهيات التقدير السياسي عدم فصل المساعي الإسرائيلية الحثيثة، إلى تصعيد الموقف الأميركي ضد إيران، عن التطورات التي شهدتها البيئة الاقليمية التي باتت ترى فيها تهديداً أكثر خطورة على أمنها القومي، وعن تقديراتها التي ترى أن المسارات الإقليمية الحالية، إن لم تبادر واشنطن إلى فرملتها، ستضع الكيان الإسرائيلي وأمنه القومي على المحك بفعل المسار التصاعدي للجمهورية الإسلامية على كافة المستويات، وبفعل الانتصارات التي حققها محور المقاومة في كل من سوريا والعراق ولبنان.
وجدت إسرائيل في مواقف ترامب من الاتفاق النووي فرصة للدفع نحو محاولة إلغائه أو تعديله، خصوصاً أن نتنياهو رأى فيه منذ توقيعه قبل أكثر من سنتين، تهديداً لإسرائيل وتعزيزاً لمكانة إيران على كافة المستويات. لكن عودة الاتفاق إلى الصدارة بهذه القوة لا تقتصر فقط على فرصة تولي دونالد ترامب منصب الرئاسة، بل نتيجة التطورات التي شهدتها المنطقة، وعززت المخاوف الإسرائيلية من تعاظم محور المقاومة في المنطقة، بعد فشل العديد من الرهانات الإقليمية. ففي عام 2015، موعد إعلان الاتفاق، كانت «داعش» في ذروة توسعها في العراق، وكانت الولايات المتحدة لا تزال تراهن على صمودها في مواجهة «الحشد الشعبي» والقوات المسلحة العراقية، أو إعادة الإمساك بالعراق، وإمكانية انتزاع تنازلات من إيران تتصل بخياراتها الاستراتيجية والإقليمية، مقابل التخلص من تهديد «داعش». ولا يخفى أن نجاح الرهان الأميركي في ذلك الحين، في العراق، كان سيؤدي إلى إعادة تشكيل مشهد إقليمي جديد لن تقتصر تداعياته على الساحة العراقية، بل ستمتد نحو الساحتين السورية واللبنانية، وسائر دول المنطقة ومن ضمنها إيران نفسها.
على المستوى السوري، كانت الرهانات الإسرائيلية والأميركية والإقليمية، عند التوصل إلى الاتفاق النووي، لا تزال قائمة على إمكانية إسقاط الرئيس بشار الأسد، واستبداله بنظام معاد للمقاومة ومحورها. بل عادت وتزخمت من جديد هذه الرهانات خلال عام 2015... الأمر الذي دفع روسيا بالتنسيق مع إيران إلى تدخل عسكري مباشر ساهم من خلال التحالف مع محور المقاومة، إلى استعادة المبادرة وتحرير أغلب الأراضي السورية... وصولاً إلى الانتصارات الحالية التي سلمت بموجبها كافة الأطراف بعدم جدوى الرهان على هذا السيناريو.
على خطٍّ موازٍ، كان هناك أيضاً قدر من الرهانات على إمكانية أن يشكّل الاتفاق مدخلاً لإحداث تغيرات في التوجهات السياسية الإقليمية الإيرانية، لكن الأداء الإيراني والتطورات التي توالت بددت كل هذه الأوهام.
بالمقارنة مع المشهد الاقليمي حينذاك، يكفي أن نتخيّل مفاعيل نجاح أي من الرهانات في الساحات العراقية والسورية، ومعها الإيرانية، على موازين القوى والمعادلات الإقليمية، وتحديداً ما يتصل بالنفوذ الأميركي والصراع مع إسرائيل. لكن التطورات والانتصارات الإقليمية لمحور المقاومة، أدّت إلى تشكيل مشهد جديد أجمعت المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية في تل أبيب، على توصيفه بأنه تهديد للأمن القومي الإسرائيلي. وهو ما برز في تقدير «الموساد» أمام الحكومة الاسرائيلية (13/8/2017)، من أن «المنطقة تتغير في غير مصلحتنا»، وفي اليوم نفسه حذّر نتنياهو أيضاً من مفاعيل القضاء على «داعش» التي تصبّ في مصلحة إيران وحلفائها في المنطقة. ورأى رئيس أركان الجيش غادي ايزنكوت في مقابلته بمناسبة عيد رأس السنة العبرية، أن المؤسسة العسكرية تنظر إلى التطورات في الساحة السورية على أنها خطيرة، ثم أجمل وزير الأمن أفيغدور ليبرمان القراءة الإسرائيلية للواقع الإقليمي الجديد، بالقول: «للأسف الشديد نحن نعيش واقعاً جديداً في شرق أوسط جديد أسوأ بكثير من الشرق الأوسط القديم. وفي هذا الواقع الجديد الرهيب تنتظرنا اختبارات صعبة» («هآرتس» 2/10/2017).
في مواجهة هذا التحدي بلورت تل أبيب، ومعها واشنطن، خيارات بديلة على أكثر من مسار إقليمي، من ضمنها إعادة فتح ملف الاتفاق النووي. لكن المشكلة أن إسرائيل تجد صعوبة في التعايش مع الواقع الإيراني، بكافة عناوينه النووية والصاروخية والسياسية، وتدرك أيضاً عجزها عن إحداث تغيير جذري في كل هذه المسارات. من هنا، فإن آمالها معقودة على السياسات الأميركية، وعلى تحالفاتها الإقليمية.
من غير الممكن التقدير أن إسرائيل ترى مصلحتها الكبرى في إسقاط الاتفاق الذي يشكّل تهديداً لأمنها القومي، بعيداً عما تقدره من مفاعيل وتداعيات تشكّل بديلاً للواقع القائم. وهو ما يدفع إلى التساؤل عن حقيقة ما تراهن عليه تل أبيب من وراء الدعوة إلى إلغاء الاتفاق أو تعديله، خاصة أنها تدرك أن إيران لن تسلّم بأيٍّ من الخيارين، وسيكون لها خطواتها المضادة.
تنطلق تل أبيب من رؤية مفادها أن جميع الطرق الدبلوماسية لن تؤدي إلى إحداث تغيير كبير في السلوك الإقليمي لإيران الذي أدى إلى إفشال كافة المخططات وتعزيز محور المقاومة وتعاظم التهديد على إسرائيل. في الوقت نفسه، لا تستطيع تل أبيب التكيّف مع النهج الذي تنتهجه الجمهورية الإسلامية. ومن هنا تأتي مساعيها الحثيثة في الدفع نحو إلغاء الاتفاق أو تعديله، لكن على أمل أن يؤدي ذلك إلى التدحرج نحو ردود متبادلة بين إيران والولايات المتحدة. ويراهن صناع القرار السياسي في تل أبيب على أن يدفع ذلك نحو حافة الصدام الذي يفترض أن يتوج إما باتجاه صدام عسكري مباشر بين واشنطن وطهران (وهذا ما تتمناه وتأمله خاصة أنها تسلم بحقيقة أن معالجة هذا التحدي أكبر من حجمها وقدراتها)، أو الدفع نحو مفاوضات جديدة لفرض تعديلات جذرية في السياسات الإقليمية التي تقوم على دعم قوى المقاومة في لبنان والمنطقة، ويرجح أنها تدرك أن هذا الأمر لن يتحقق. أو على الإقل إعادة فرض العقوبات التي بحسب تعبير نتنياهو، ينبغي أن تشلّ إيران. من هنا، يتضح أن العنوان هو البرنامج النووي الإيراني، لكن الخلفيات الإسرائيلية تتمحور حول الضغط على إحداث تعديلات في الخيارات الاستراتيجية الإيرانية المتصلة بالموقف من قضية فلسطين، ودعم حزب الله وقوى المقاومة، وإلا فإن عليها أن تدفع الأثمان التي تعرقل مسيرتها العلمية والصاروخية والاقتصادية.
"الاخبار"