2024-11-30 06:36 م

كيف تورطت فتاوى شيوخ السعودية في سفك دم الجزائريين؟

2017-10-07
في مطلع تسعينيات القرن الماضي علت في عنان سماء الجزائر هتافات «دولة إسلامية، دولة إسلامية» رفعها الإسلاميون، وكما أثارت تلك الهتافات مخاوف البعض، فإنها قد نالت أحيانًا من الإشادة الخارجية ما نالت، وكانت المملكة العربية السعودية عن طريق مشايخها أبرز الداعمين لتلك التطورات التي بدأت تحدث في الجزائر.

سبيل الجزائريين في إنشاء دولة إسلامية في الجزائر وقتها كان عن طريق مسايرة التغيرات الديمقراطية التي بدأت الجزائر تشهدها من انفتاح الرئيس الأسبق «الشاذلي بن جديد» على الديمقراطية، إقرارٌ للتعددية الحزبية والإعلامية وتنظيم الانتخابات المحلية والبرلمانية كانت تلك أبرز التحولات التي شهدتها الجزائر نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وكانت المشاركة في الانتخابات والنجاح فيها سبيل جبهة الإنقاذ الجزائرية في إنشاء «دولة إسلامية».

نجحت «جبهة الإنقاذ الإسلامية» في أولى خطواتها نحو حلم الدولة الإسلامية، لكن ما حدث بعدها كان جحيمًا عليها وعلى الجزائر، بعد إيقاف المسار الانتخابي في الجزائر عن طريق الجيش الجزائري، ساعتها خرجت للعلن فتاوى تطالب الجبهة بقتال الجيش والدولة الجزائرية باعتبارها دولة كافرة، يجب على الجزائريين محاربتها وإقامة دولة إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية، تسببت تلك الفتاوى المحرضة على العنف في الجزائر في مقتل مئات الآلاف من الجزائريين، وتسببت في إطالة عمر الحرب الأهلية إلى أكثر من عشر سنوات.

وكان للمملكة العربية السعودية دورٌ كبيرٌ في تصدير تلك الفتاوى، ففي الوقت الذي تثار فيه فتاوى العلماء السعوديين للسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، كانت رقاب الجزائريين – قبل 27 سنة – موضوعًا لفتاوى العلماء السعوديين، وهذا ما أثاره رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية الأسبق الشيخ «أبو جرة سلطاني» في أحدث تصريحاته والتي اتهم فيها السعودية بالتورط في دماء الجزائريين، في هذا التقرير نسلط الضوء أكثر على دور السعودية وعلمائها في دعم الإرهاب في الجزائر.

جهاد السوفييت.. من هنا بدأ دعم السعودية للجماعات المسلّحة في الجزائر

حين شعرت السعودية بالخطر المحدق الذي بات الاتحاد السوفييتي يشكله عبر ما اعتبرته الرياض مخططات سوفياتية لتطويق أراضيها عبر قوس يمتد من اليمن والصومال وإريتريا، قامت -وبتشجيع أو توجيه أمريكي- بدورٍ كبيرٍ في تصدير الجهاديين والراغبين في القتال بأفغانستان من مواطنيها وغيرهم من مواطني الدول العربية بتوفير تذاكر سفر وخطوط الطيران الدائم إلى بيشاور وإسلام آباد، كما دفعت هيئات الإغاثة السعودية إلى العمل في بيشاور وأفغانستان لصالح المجاهدين العرب والأفغان.
لم يتوقف دعم السعودية للجهاد في أفغانستان عند هذا الحد، إذ صدر أمرٌ ملكي من الملك «خالد بن عبد العزيز» بتكليف الأمير حينها -والملك الحالي- «سلمان بن عبد العزيز» بإنشاء هيئة لدعم وجمع الأموال لصالح الجهاد في أفغانستان، حيث كان سلمان جامع التبرعات الرئيسي للمجاهدين الإسلاميين في أفغانستان في الثمانينيات، كلُ تلك الخطوات السعودية «الجريئة» كانت لأجل عيون «الجهاد»، وكان من بين الملبين للنداء السعودي بالقتال في أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي «أعداء الإسلام»، آلاف من الجزائريين الذين تطوعوا للجهاد في صف أسامة بن لادن.
انتقل المئات من الجزائريين إلى صفوف القتال في أفغانستان تلبية لنداء الجهاد» الذي صدح في المملكة العربية السعودية، ويعد «بوجمعة بونوة» المدعو «عبد الله أنس» أول الجزائريين تلبية للنداء، حيث يقول في كتابه «ولادة الأفغان العرب» عن تفاصيل التحاقه بصفوف الجهاديين في أفغانستان أنه توجه في البداية إلى الحج ليجد نفسه في جبال جلال آباد رفقة «أسامة بن لادن»، ليؤسس بعدها مكتبًا لاستقبال الجزائريين الجهاديين، وأن طريق الجزائريين إلى أفغانستان وباكستان كانت أغلبها عن طريق الحج والعمرة، ليصل عدد الجزائريين -حسب الباحث الجزائري «محمد مقدم»- إلى حوالي 3 آلاف جزائري حسب ما ذكره في كتابه «الأفغان الجزائريون من الجماعة إلى القاعدة»، وإن كان ثمة رأي آخر يذكره السفير الجزائري في باكستان «محي الدين عميمور» أن غالبية الجزائريين الذين انتقلوا للجهاد في أفغانستان جُندوا في الجزائر وفرنسا وكانت غالبيتهم من المهاجرين الجزائريين بفرنسا.
انتهت الحرب في أفغانستان ووقّع السوفييت سنة 1989 بيان الانسحاب، وفي الوقت الذي انغمس فيه بعض مقاتلي العرب، في الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين فصائل المجاهدين الأفغان، بانضمام بعضهم إلى قوات «قلب الدين حكمتيار» الذي دعا من استقر منهم في بيشاور بباكستان إلى الدخول إلى الأراضي الأفغانية بعد أن بدأت الأجهزة الأمنية الباكستانية في ملاحقتهم بالتعاون مع الأجهزة الأمنية لبعض الدول العربية، وانضمت مجموعات أخرى إلى قوات القيادي «أحمد شاه مسعود».

أما أغلبية المقاتلين الجزائريين فقد رفضوا الدخول في هذه الحرب وقرروا العودة إلى الجزائر، وكان المقاتلون العائدون من أفغانستان أوّل من أسس للجماعات المسلحة في البلاد العربية بعد الحرب في أفغانستان، وفي السياق يؤكد الشيخ «أبو جرّة سلطاني» أحد مؤسسي حركة مجتمع السلم التي كان يتزعمها الشيخ «محفوظ نحناح» أن بداية العمل المسلح تزامنت مع أول اختبار ميداني لقادة التيار الإسلامي خلال التجمع الشهري أمام الجامعة المركزية في العاصمة الذي شاركت فيه كل قيادة الحركة الإسلامية؛ لكن الأمر تطور إلى القتل واستعمال السلاح ضد قوات الأمن.

في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1982-أي بعد التجمع الشهري أمام الجامعة المركزية كما يذكر أبو جرّة- تمّ إطلاق النار على حاجز أمني لتصيب دركيًّا بجروح، تلت هذه العملية عملية توزيع منشورات تحريضية فيها دعوة صريحة إلى «الجهاد» واتهام النظام بـ«الطغيان والكفر»، وصاحبها أيضًا توزيع أشرطة مسموعة بصوت الشيخ «مصطفى بويعلي» يدعو فيها علماء الجزائر إلى تأييده، والشعب إلى الالتحاق بصفوفه.
شيوخ السعودية لإسلاميي الجزائر: «ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلّا بالقوة».

اكتسح الإسلاميون الذين تكتلوا تحت سقف حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ الانتخابات البلدية التي أجريت سنة 1990 بنسبة فاقت 60% من مجموع بلديات الجزائر، شكّل هذا الاكتساح بداية تحقيق لحلم الانتقال إلى الدولة الإسلامية التي كان يرتجيها ويبشّر بها كلٌ من «ربيع بن الهادي المدخلي» و«الشيخ الألباني» صاحب الفتوى المثيرة للجدل للجزائريين «عجلوا.. عجلوا».

كادت الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي كانت تتمتع بتنظيم جيد حينها، إن تفوز في الانتخابات البرلمانية التي جرت نهاية سنة 1991 والتي تقدمت فيها الجبهة بعد أن حصدت 188 مقعدًا مقابل حصول الحزب الحاكم حزب جبهة التحرير الوطني على 16 مقعدًا فقط، ولكن الجيش الجزائري تدخل وألغى الانتخابات وقام بحظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لتخرج للعلن فتاوى ومطالبات من الإسلاميين إلى حمل السلاح ضد للدولة.

وفي السياق يقول الشيخ أبو جرة سلطاني للتلفزيون العربي: «قمت بزيارة رفقة الشيخ محمد بوسليماني إلى السعودية لتوضيح الأمر لهم أنّ ما يحدث في الجزائر ليس جهادًا، فالتقينا بموسى القرني أحد الذين وقّعوا على فتاوى تبيح الجهاد في الجزائر، ووضحنا له ما يجري، لكنه أصرّ قائلًا أن ما يجري في الجزائر ليس جهادًا وليس فتنةً» وأضاف الشيخ سلطاني، «فقلنا للعلماء السعوديين إذا لم يكن ما يجري في الجزائر فتنة ولا جهادًا فما عساه يكون، فردّ الشيخ القرني أن ما يحدث في الجزائر هو بغي، وستقوم السعودية بمدكم بالسلاح والمال لتقاتلوا الفئة الباغية» ، وتصاعدت حدة الفتاوى السعودية إلى أن وصلت إلى وزير الأوقاف السعودي آنذاك «صالح آل الشيخ» الذي كفّر الدولة الجزائرية علنًا ووصفها بغير المسلمة وأفتى بقتالها:
واستمر تدفق الفتاوى المنادية لقتال الجيش الجزائري على مدار العشرية السوداء، ولعبت السعودية دورًا كبيرًا في الدعم الإعلامي لجبهة الإنقاذ الجزائرية، إذ أبدت أغلب وسائل الإعلام المرتبطة بالسعودية وخاصة تلك الصادرة في لندن تعاطفًا كبيرًا مع المجموعات المسلحة الجزائرية بالموازاة مع نقدها الدائم للحكومة الجزائرية، ولعبت جريدة «الحياة اللندنية» دور الناطق الرسمي للجبهة الإسلامية وجناحها المسلح، إذ كانت بيانات الجبهة الإسلامية تنشر على الصفحات الأولى للجريدة.

وعملت السعودية أيضًا على ضرب الاقتصاد الجزائري من خلال المساهمة في خفض أسعارها للنفط وذلك نكاية في الاتحاد السوفييتي ما جعل الجزائر تعيش أزمة اقتصادية كبيرة، وفي شهادته قال الرئيس الجزائري الراحل «محمد بوضياف» أنّ المملكة العربية السعودية هي أول دولة تورطت في دماء الجزائريين لتتبع بعدها إيران وتساهم هي الأخرى في سفك الدماء وسقط نحو 300 ألف قتيل ضحية للحرب الأهلية في الجزائر طيلة عشر سنوات.

هجمات سبتمبر تحدّ من دعم السعودية للمسلحين في الجزائر

بعد هجمات 11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001 تنفست الجزائر الصعداء، وذلك بعد أن ظهرت على السطح اتهامات للسعودية بدورها في تمويل الإرهاب وذلك على خلفية هجمات 11 سبتمبر( أيلول)؛الذي حوّل «الإرهاب» إلى ظاهرة عالمية، بدأ الموقف السعودي يأخذ بعدًا آخر مما كان يجري في الجزائر، وخرجت مبادرات من الدعاة السعوديين يدعون فيها المسلحين إلى التوبة وترك السلاح كان أبرزها دعوة الداعية السعودي «عائض القرني» المسلحين في الجزائر إلى رمي السلاح، والتي استجاب لها 2300 مسلحٍ جزائري. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت حربًا على الإرهاب بعد أحداث 11 من سبتمبر (أيلول) 2001، وتوعدت الدول المستضيفة والداعمة للإرهاب بالعقاب، ما جعل السعودية تحدّ من دعمها للإرهاب في الجزائر .
وتعدّ الجزائر اليوم من الدول التي لا تصدر «إرهابيين» إلى مناطق الصراع حول العالم إذ تشير الإحصائيات أنّ عدد الجزائريين الذين يقاتلون في الخارج لايتجاوز 63 مقاتلًا، إذ يُعتبر هذا الرقم صغيرًا للغاية قياسًا بعدد التونسيين والمغاربة الناشطين في جماعات مسلحة في العراق وسوريا والتي قاربت أعدادهم 3 آلاف.
"ساسة بوست"