تستعد العاصمة الروسية موسكو، أوائل أكتوبر/تشرين أول المقبل، لاستقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في زيارة تاريخية، ليصبح أول ملك سعودي يزور موسكو ويلتقي رئيسها منذ تأسيس المملكة.
بدأت العلاقات السعودية-الروسية في عام 1926، حيث لم يمضِ سوى شهر و10 أيام على تأسيس المملكة، حتى بادر الاتحاد السوفيتي السابق برسالة بتاريخ 19 فبراير/شباط 1926، أعلن فيها اعترافه رسمياً بالمملكة العربية السعودية، التي كان يُطلق عليها آنذاك "مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها"، لتكون بذلك أول دولة في العالم تعترف بالمملكة.
وفي تلك الفترة التي بدأت فيها العلاقات بين البلدين، ظهرت شخصيات أسهمت بقوة في توطيد تلك العلاقات ودعم ركائزها، ومنها "عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف" أول سفير للاتحاد السوفيتي لدى المملكة العربية السعودية.
الباشا الأحمر
في 9 أغسطس/آب عام 1924، قام حكيموف بتسليم أوراق الاعتماد إلى ملك الحجاز، ليصبح قنصلاً عاماً ووكيلاً دبلوماسياً للاتحاد السوفيتي في المملكة.
كان حكيموف أو كما أطلق عليه "الباشا الأحمر"، سفيراً فوق العادة للاتحاد السوفيتي لدى مملكة نجد والحجاز، وكان على اطلاع واسع بالدين الإسلامي، لأنه درس في مدرسة دينية، وكان يتحدث العربية بطلاقة حتى إن العرب كانوا ينبهرون من أسلوبه في التعبير عن أفكاره باللغة العربية.
وخلال الشهور الأولى في منصبه، عكف على دراسة اقتصاد الدولة الفتية، وأقام شبكة واسعة ومتينة وحظي بصداقة مؤسس المملكة السعودية الملك عبد العزيز آل سعود، الذي اعتبره صديقه الشخصي.
لعب حكيموف دوراً مهماً في تقوية العلاقات السعودية السوفيتية، ففي عام 1927 قام بتنظيم توريد السكر والطحين من ميناء أوديسا السوفيتي إلى جدة، واطلق أهالي المملكة على المواد الغذائية الواردة من الاتحاد السوفيتي تسمية "الموسكوبي" لجودتها العالية.
كما استدعى الأطباء لتقديم الخدمات الطبية لمواطني المملكة، وتأسيس الرعاية الصحية لهم.
وقام بتنظيم زيارة ولي العهد السعودي الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود لموسكو وكانت الزيارة الأولى، واستمرت ما يقرب من 15 يوماً ورافقه خلال هذه المدة حكيموف، وبعد أن غادر الأمير فيصل البلاد انهمك حكيموف في إعداد مسودة لمشروع مشترك حول التعاون بين البلدين.
حياته
ولد حكيموف عام 1892 في مقاطعة أوفا البشكيرية من عائلة إسلامية، بعد قيام الثورة في روسيا انتقل كريموف إلى معسكر الثوار وكان عامي 1918 – 1919 عضواً في اللجنة الإسلامية الثورية العسكرية بمدينة أورينبورج بجنوب شرق روسيا.
وفي عام 1920، تم ترشيحه للعمل في السلك الدبلوماسي وتعيينه ممثلاً مفوضاً لجمهورية روسيا الفيدرالية في بخاري، ثم انتخب سكرتيراً للجنة المركزية في حزب بخاري الشيوعي.
كتب أحد سفراء الاتحاد السوفيتي لدى صنعاء في تسعينيات القرن الماضي عن الجهود التي بذلها حكيموف لتوطيد العلاقات فقال: "من الصعوبة تقييم ما حققه هذا الإنسان كدبلوماسي، لأنه نتيجة للجهود التي بذلها تم وضع الأساس لعلاقات الدولة السوفيتية الفتية مع العالم العربي، وبفضل معرفته جيداً بتاريخ وتقاليد وعادات العرب وكيفية كسب ود الناس، حصل على حب واحترام اليمنيين والسعوديين".
ومع حلول 1937، اشتدت القبضة الحديدية الستالينية على الاتحاد السوفيتي، وفي 6 سبتمبر/أيلول 1937 استدعت موسكو حكيموف، وفي الوقت نفسه، عرض عليه الملك عبد العزيز آل سعود اللجوء السياسي في السعودية بعد تلقيه برقية العودة الفورية، لكن حكيموف رفض هذا الاقتراح، وبالفعل ذهب إلى موسكو حيث اعتقل ثم أعدم رمياً بالرصاص في 10 يناير/كانون الثاني عام 1938.