2024-11-30 02:52 م

محاولة سعودية شبه مستحيلة لإعادة إحياء "14 آذار" في لبنان

2017-09-30
عباس الصباغ  
اكتشفت الرياض أن غضّ الطرف عن تسوية انتخاب عون مقابل عودة حليفها الأول في لبنان سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة لم يكن في محله، وبالتالي شعرت أنها قدمت خدمة لما تسميه "المشروع الإيراني"
كان أغلب الظن أن الانقسام العامودي في لبنان قد ولى إلى غير رجعة بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للبلاد قبل نحو عام، وهو الحليف الأول لحزب الله في لبنان، وحاز دعم رئيس تيار المستقبل، الرئيس الحالي للحكومة، سعد الحريري ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، العائد من زيارة لافتة إلى الرياض ولقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

لكن الزيارات اللبنانية إلى السعودية وقبلها جولات الوزير السعودي تامر السبهان تشي بأن الرياض عادت للاهتمام بالساحة اللبنانية بعد اندفاعة المحور المناوئ لها، وبالتحديد محور إيران – سوريا - حزب الله.

فالوزير السعودي تعمّد في بيروت استبعاد الرئيس عون من لقاءاته وحصرها بأقطاب 14 آذار السابقين، من دون أن تشمل زيارته مسؤولين رسميين من 8 آذار، الذي يحقق إنجازات ميدانية عدة، من دون أن نتجاوز آخرها في الحكم بالإعدام على واحد من الرموز التي كانت رأس الحربة في المشروع المناوىء للمقاومة ودمشق؛ أي الإرهابي أحمد الأسير وجماعته، بعد سنوات من محاولات التسويف وعدم اعتراض من أقطاب وأحزاب 14 آذار.

إذاً فحكم الإعدام على "الأسير" ليس إلا امتداداً لمرحلة جديدة يعيشها لبنان منذ 31 تشرين أول/أوكتوبر الفائت، أي يوم انتخاب الرئيس عون، ومن ثم تعيين قائد جديد للجيش وخوضه بالتزامن مع المقامة والجيش السوري معركة تحرير الجرود.

وسط هذه التطورات اكتشفت الرياض أن غضّ الطرف عن تسوية انتخاب عون مقابل عودة حليفها الأول في لبنان سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة لم يكن في محله، وبالتالي شعرت أنها قدمت خدمة لما تسميه "المشروع الإيراني"، ودأبت على تكرار مقولتها بأن طهران تتدخل بشكل سافر في شؤون عدد من الدول ومن بينها لبنان، إلى أن جاء الرد من الرئيس عون حين أعلن أن إيران لا تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، ما يعني رداً مباشراً على السعودية التي ألغت زيارة ملكها إلى لبنان، وكذلك عرقلت زيارة الرئيس اللبناني إلى الإمارات بعد ساعات على مواقف عون، عشية زيارته للقاهرة في شباط/فبراير الفائت.

الغضب السعودي تمظهر أيضاً عبر الإيعاز لبعض الشخصيات المقربة منها بإطلاق شتى أنواع الأعيرة على لقاء وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلم في الأمم المتحدة، ووصفه بالاعتداء على رئيس الحكومة، وأن باسيل أَحرج الحريري شريكه في التسوية الرئاسية بهذا اللقاء، والرياض أصلاً ثارت على مواقف باسيل قبل سنوات واتخذت اجراءات عقابية بحق لبنان في موازاة احتدام الأزمة مع طهران بعد حادثة منى المأساوية، ومن ثم إغلاق سفارتها وسحب سفيرها من طهران.

وفي تلك الفترة، كان السعوديون في ذروة مقاطعتهم لبيروت، ولكن الحريري نجح في إقناع حلفائه بالسير بالتسوية الرئاسية بعد أن كان قد أقنعهم بمرشحه السابق النائب سليمان فرنجية.

لكن كيف ستترجم السعودية غضبها من مسار الأمور في لبنان بعد أن بات حليفها الحريري أقرب إلى الحلقة الأضعف، نظراً إلى المسار الذي يسلكه العهد الرئاسي في ظل ما يسميه "صقور المستقبل" التنازلات المتتالية التي يقدمها رئيس الحكومة، لا سيما بعد أن باتت الزيارات الوزارية إلى دمشق أمراً عادياً، وكذلك التنسيق الأمني مع سوريا الذي يتولاه المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، وبتكليف من الحريري نفسه.

وبحسب مصادر لبنانية فإن الحريري سمع انتقادات سعودية حادّة للقاء باسيل - المعلم، قبل أن يصدر تياره بياناً عالي النبرة ضد اللقاء بين باسيل والمعلم، خصوصاً أن وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان كان استبق أي انفتاح لبناني على دمشق بتغريدة ملتبسة ولكنها واضحة المرمى، وفيها تخيير اللبنانيين إما مع حزب الله أو ضده، ووصفه ب "حزب الشيطان" في تكرار لوصف الجماعات التكفيرية للحزب، حيث أكد السبهان أن "ما يفعله حزب الشيطان من جرائم لا إنسانية في أمّتنا سوف تنعكس آثارة على لبنان حتماً، ويجب على اللبنانيين الاختيار بين أن يكونوا معه أو ضده، وأضاف في تغريدة عبر موقعه على تويتر: "دماء العرب غالية".

الدعوة السعودية بدأت تترجم في استدعاء أقطاب 14 آذار السابقين، وحتى اليوم لبى الدعوة إضافة إلى سمير جعجع، رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الذي أُبعد عن المشاركة في حكومة الحريري.

لكن يبدو أن المحاولة السعودية ستصتدم بعقبات جمة ومن داخل أهل الحلف الآذاري وعلى رأسه الحريري الذي لا يمكنه التخلي بسهولة عن المكاسب التي يحققها من مشاركته في السلطة عدا عن أن الحلف الخصم للرياض يحقق الإنجازات الميدانية على أكثر من جبهة ويبقى للرياض الاتكاء على معجزة لإعادة إحياء العظام وهي رميم.
المصدر: (الميادين)