2024-11-30 12:00 ص

مساعد العيبان مبعوث الأسرار السعودية ومخزنها

2017-09-10
"الصامتون أقوياء حقا" كما يقول الكبير وليام شكسبير، ويبدو أن تلك المقولة تثبت مع تراكم الأيام والأحداث، أن أولئك البانين لأسوار الصمت هم هدف البحث في زمن أصبحت الأضواء قادرة على التكون في مسارات الظلام بسهولة.

ولكن يبقى لمعان الأسماء والرموز باقيا ومستمرا حين تكون الأهداف بعيدة عن الأضواء، فتصبح ديمومة الحضور عميقة في نفوس الناس، وبها تتحقق الكاريزما بأن تكون الشخصية مؤثرة وجذابة، وقادرة على المحافظة برؤية وثقة على ذلك التشكل الذهني لدى العامة.

لدى السعوديين اطلاع كبير على الشخصيات المؤثرة في صناعة القرار السياسي داخليا وخارجيا، وهم على معرفة بسير العديد منها، نظرا لحضورها في الأضواء كثيرا وقدرتها على تغيير بعض الخطوط الرئيسية في تحديات مجتمعية ودولية.


الحسابات الدقيقة

لكن، ليس كل أولئك المتواجدين بين الكلمات ويتصدرون العناوين والأخبار هم البارزون، فقلة من آخرين، يمارسون ذات الأدوار، بحرفية المهارات السياسية، التي تضع حسابات دقيقة لكل القوى المؤثرة في البيئة المحيطة بها، وتصعد بنجومية عالية إلى أن تكون شخصية رجال الدولة الذين لا يمكن الاستغناء عنهم بسهولة.

ما يميز القيادة السعودية في تاريخها معرفتها بنقاط القوة داخل رجال حكومتها، وحسن اختيارها للرجال وفقا للملفات السياسية على وجه الخصوص، بعيدا عن بعض من الرجال البيروقراطيين داخل الحكومة الداخلية الذين يحاولون التأكيد على أنهم الأفضل بكلماتهم، لا أفعالهم.


القوي الأمين

رجل الصمت، والسياسة والقانون، عليم بأسرار عديدة، لو قدّر له الحديث لملأ صحافة الأرض بتصريحات وخفايا لكثير من الأمور السياسية الخليجية والعربية وتحديات دولية مختلفة، وكذلك تفاصيل شتى في الشؤون الداخلية السعودية.

مرسول الأسرار فوق العادة، جليس الملك وقياداته، هو شعرة الوصل بين الأمن الوطني وخطط السياسة، خطواته ترفع اسم المملكة العربية السعودية على الصعيد الدولي عاليا، يصفه مقرب منه بأنه “قائد إداري ذو معرفة ومهارة متقدمة ومتطورة” وفق ما ذكر بفخر عنه.

يعد من أقدم الوزراء السعوديين، لا يحمل حقيبة وزارية معينة؛ لكن حقيبته خليط بين أوراق شتى، اكتسب من والده إحكام الأسرار، وتعلم من تخصصه موازنة الأنظمة والقوانين لصالح بلاده، فارتقى بسرعة إلى درجات عليا لدى صناع القرار وغالب البشر المحيطين به.

وزير دولة مختلف بعيد عن الأضواء وفي قلب الأحداث مسماه الوظيفي جزء يسير من أدائه الكبير داخل الحكومة السعودية حيث يحظى بثقة الملك عبدالله

رجل الدولة

مساعد بن محمد العيبان، وزير الدولة السعودي المعين منذ العام 1995 وحتى اليوم، أبرز الوزراء الرحل بين أقطار الشرق والغرب، وحامل الرسائل الملكية، مبعوث الملك الدائم الذي حاز على الثقة منذ قيادة العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز، وحتى في عهد الملك عبدالله.

هو ابن محمد العيبان، أول رئيس لجهاز الاستخبارات السعودية في بداية تشكله، وشقيق رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور بندر، مساعد العيبان استفاد من رحلته العلمية في جامعة هارفارد بعد دراسته الأولية بجامعة الملك سعود، رجل قانون وإدارة، ليعود كما عاد أولو العلم من رحلات الابتعاث الأولي متسنمين لمناصب مرموقة.

من تجربته الأكاديمية التي لم تطل كثيرا، كان مستشارا غير متفرغ في عدد من القطاعات، حتى وصلت رحلته الاستشارية متفرغا في وزارة البترول والثروة المعدنية، قبل أن يرتفع للديوان الملكي السعودي مستشارا كذلك، ويدخل عضوية مجلس الوزراء، في أول تشكيل حدد العضوية بأربعة أعوام وذلك في العام 1995 مستمرا منذ أكثر من عشرين عاما في العضوية.

غموضه لم يسلّط الأعين عليه، وبُعده عن الحقائب الوزارية الخدمية لم يشفع له أن يحضر لدى العامة من السعوديين، وأصبح يعرف بوزير الدولة للشؤون السياسية والدولية، لكنه يحظى بالثقة، وإلا لما استمر عاملا في ذات المسار وذا النفس الواحد منذ عشرين عاما.

قال صحافي عتيق: “حين تود أن تعرف حجم الملفات الكبرى في السعودية، انظر إلى تواجد مساعد العيبان، مع الملك عبدالله، وستعرف حجم الملف أو الموضوع الذي تتم مناقشته” مفسرا ذلك بالفاعلية التي تسكن الرجل الكفء في إدارة ملفات دولية وداخلية.

يقول عنه: “مساعد العيبان يستطيع تلخيص المشاكل ويقترح العلاج الفعال لها”، فهو رجل يعي النظام السعودي والرؤية السياسية التي لا تتغير بتقادم السنوات، معتبرا إياه رجلا متكاملا مع بقية الوزارات الأخرى خاصة الخارجية والداخلية.


الأزمة الخليجية

برز حضور ابن سدير النجدية، الدكتور مساعد العيبان، مؤخرا في العام 2014 بشكل متكرر، مع تصاعد الأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، فكان مبعوثا ومستشارا دائما خلال الأزمة التي انتهت بعودة الوئام بين الدول وترميم مجلس التعاون الخليجي من التصدعات.

وكان العيبان العنصر دائم الحضور بين مبعوثي القيادة السعودية، بل وكان الحاضر منفردا في أيام أخرى، عاملا بقوة خلال لقاءاته بإلهامه وخبرته ورؤيته مع قادة الخليج وبعض من الدول الأخرى إلى تحقيق رؤية مشتركة بإيعاز من الملك عبدالله، قائد الحراك والإصلاح الخليجي العربي.

كان كذلك وزيرا مرافقا لعدد من قادة الدول خلال زياراتهم إلى المملكة، فأمير قطر الحالي الشيخ تميم بن حمد، يعرف العيبان المعرفة الجلية، لتكرار حضوره العلاجي بين الدوحة والرياض وعواصم الخليج الأخرى، إضافة إلى كونه مراجع التقييم لاتفاقيات ثنائية بين السعودية ودول إقليمية وعالمية ومنظمات مختلفة.
أزمة اليمن

من الملفات التي يبرز حضور الوزير مساعد العيبان فيها كذلك، الأزمة السياسية في اليمن اليوم، فيما كان حاضرا أيضا في علاج أزمة اليمن الأولى العام 2011 حتى انتهت بمبادرة خليجية جنّبت اليمن الواحد حربا أهلية كانت قريبة من الاشتعال.

وعاد مع أزمة اليمن الحالية إلى الواجهة مجددا بحضوره الكبير بجوار رئيس الاستخبارات العامة الأمير خالد بن بندر، ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، في اجتماع جدة الطارئ حول اليمن مع وزراء داخلية الخليج، الذين أكدوا خلاله “أن الخليج لن يقف مكتوف اليد جراء التدخلات في اليمن”.


حوار الحضارات

يعد الوزير مساعد العيبان، أحد رجال نشوء “مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات” الذي تأسس في العام 2008 بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله خلال مؤتمر القمة الإسلامية الذي انعقد في مكة المكرمة، ويهدف إلى يهدف إلى نشر القيم الإنسانية وتعزيز التسامح والسعي إلى تحقيق الأمن والسلام والاستقرار لشعوب العالم، وحتى افتتاح المركز في العاصمة النمساوية فيينا أواخر العام 2012.

براغماتية الوزير العيبان، وابتكاره لخطوات القيادة في الملفات السياسية والاقتصادية، جعلته على رأس الوزراء النخبة دائمي الحضور، وثقة القادة السعوديين فيه مكّنته من تبوؤ قائمة مبعوثي الملك عبدالله في حقل السياسة ودعم التعاون بين الدول، مما يؤكد أن اختيار المملكة لوزرائها وإن توج ببعض التقدير، لكن الكفاءة تحوز على نطاق كبير.
العربي